إنه كتاب يحاول أن يجيب عن أسئلة قديمة تحتاج لإجابات حاسمة، ولأنها كذلك ستظل فى مقام الأسئلة، التى تحتاج إلى جهد ودأب متواصل، بل يزيد الكاتب الدكتور مصطفى عبدالغنى فى كتابه «عمالقة وعواصف»، الصادر حديثا عن دار غريب، قائلا: «إذن نحن أمام الوضوح فى الأسماء، أسماء الأعلام، وأمام الغموض فيما نعرفه عنها.. فمن يعرف أن جمال الدين الأفغانى يمكن أن يعد رائدا للقومية العربية، لقد عرفنا السيد جمال الدين ثائرا ثوريا أو إسلاميا أو ديماموجيا أو مربيا كما حاول أن يقنعنا لويس عوض مثلا، وعرفنا جمال الدين على أنه رائد معاد للاستبداد، غير أن وجه التوجه العربى والتأصيل له لم نعرفه فيه مصلحا اجتماعيا.. وما يقال عن الأفغانى الغامض وما أكثر وجوه الغموض فى حياة الرجل يقال عن طه حسين، وعبدالله النديم، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس». شخصيات معروفة كثيرة طرح لها الدكتور عبدالغنى أسئلته المعلقة الحائرة معتمدا على مقولة الفيلسوف فرانسيس بيكون «المعرفة قوة»، من هذه الشخصيات، وعبدالله النديم، وإحسان عبدالقدوس، وأحمد بهاء الدين،، وعبدالرحمن بدوى، وزكى نجيب محمود، ومحمود درويش، وعبدالوهاب المسيرى، وأحمد عرابى. عن المسيرى قال عبدالغنى: «هذه محاولة للاقتراب من الوعى النقدى عند المسيرى. وهى محاولة تسعى إلى اكتشاف الوعى الكامن لدى المفكر الكبير فى بعض أهم جوانبه، وهو ما نصل معه إلى الجانب الإنسانى.. وهى محاولة تسجل فى الحضور أو الغياب قامة المسيرى العالية، ليس فى اجتهاده الكبير فى رصد وتحديد الملامح الصهيونية، التى تعمل بدأب عبر الجماعات الوظيفية فى عجلة الإمبريالية الغربية وحسب، وإنما أيضا قامته العالية فى جانب لم يتنبه إليه أحد لا أثناء حياته أو حتى بعد رحيله». ويكمل عبدالغنى حديثه عن المسيرى: «وبشكل مباشر، يظل وعى المسيرى أقرب إلى المعنى الحضارى والمذهب الإنسانى فى اقترابه من النص انطلاقا من إدراك خاص ينبع من النخبة، التى تسعى إلى فهم الواقع وإدراك مفرداته للسعى إلى الخلاص، وهو الخلاص الذى لا يأتى إلا بالجهد الذاتى والوعى الإنسانى». أما عباس العقاد تثير حوله عدة قراءات وأسئلة: هل كان العقاد مؤرخا حقا؟، وهل يمكن اعتبار العقاد مؤرخا حقا، للفترة التى أعقبت قيام ثورة 1952 فى مصر؟، وهل يمكن أن نعتبر موقف العقاد وتحولاته السياسية مصدرا لفهم التاريخ المصرى من خلال رصد العلاقة بين المثقف والسلطة فى ذلك الوقت؟. وفى محاولة للإجابة يقول عبدالغنى: الإجابة عن السؤال الأخير هى فاتحة للإجابة عن بقية الأسئلة. يحدد موقف العقاد من قيام ثورة يوليو فى عاملين اثنين، أحدهما: اعتداد الكاتب بنفسه إلى درجة بعيدة، والآخر: ارتداد التيار الليبرالى وانكساره إلى درجة بعيدة أيضا، ففى الوقت الذى لم يتخل فيه الكاتب عن كبريائه وترفعه السابقين، بدا أن المناخ الجديد غير موات لهذا النمط من المثقفين بأى حال». ويزيد الكاتب والناقد عبدالغنى اقترابا من عالم العقاد قائلا: «لقد أدت إجراءات النظام بالعقاد إلى هذه النوع من الصمت أو الانعزال فى حالة أشبه بالتقهقر إلى البرج العاجى، الذى صنعه لنفسه، فلم يمارس من مظاهر الحياة السياسية أو الفكرية إلا لقاءه بمثقفيه ومريديه كل جمعة بمنزله، مكتفيا فيها بالتعبير عن قضايا العصر وإن لم يخل الأمر من هجوم على النظام لم يتعد حالة التنفيس عن الذات فى هذه الهجرة الداخلية التى اختارها لنفسه». أما فصله عن عبدالله النديم فنتعرف فيه من قرب على واحد من أهم الشخصيات المصرية تأثيرا فى الحياة السياسية والصحفية المصرية: «ويلاحظ أكثر من كاتب عن حياة النديم أن خروجه من مخبز أبيه بالإسكندرية إلى مكتب تلغراف فى القاهرة رمز إلى الخروج من العالم التقليدى إلى عالم ثورة الاتصالات بمنطوق العصر، وهى ثورة أثرت فى حياته، فيما بعد، حين مارس مظاهر الحياة الحديثة فى رحاب الثورة العرابية وفى إنشاء الصحف وإلقاء الخطب وإلقاء نفسه فى أتون الثورة العرابية قبل أن يشهد أكثر من منفى وأكثر من عودة يمارس فيها حياة التشرد». أخيرا، أهم ما يميز كتاب «عمالقة وعواصف» للدكتور مصطفى عبدالغنى فضلا عن طرحه إجابات لأسئلة حائرة، هو تضمين الكتاب بملاحق أربعة: خطاب طه حسين إلى مدير الجامعة، وخطاب حسين إلى وزير المعارف، وكلمة العقاد أمام عبدالناصر، ونقد العقاد لكتاب «فلسفة الثورة»، الذى كتبه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وفى هذا النقد وجه العقاد عدة أسئلة ما زالت مطروحة حتى الآن: ماذا نصنع إن جنى البترول على العالم العربى فضيعه بدلا من تزويده بأسباب القوة والمناعة؟، وماذا نصنع إن أصبحت أفريقية للمستعمرين الأوروبيين، ولم تصبح فى الغد القريب أفريقية للأفريقيين؟، وماذا نصنع إن تهدم معنى الحياة كما تمثله المادية الحيوانية أو كما تمثله الحضارة الحسية ولم نعتصم من التيار الجارف بعصمة شريفة تعمر نفوس الملايين، وترتفع بها من غمار الذل والاستكانة أو غمار القنوط والحيرة؟