غدًا.. لجنة الشباب بمجلس الشيوخ تناقش تعديل قانون نقابة المهن الرياضية    متحدث الحكومة: 200 ألف طلب تصالح من 3 يوليو 2024    وزير التعليم: نستهدف التوسع في مدارس التكنولوجيا التطبيقية عبر شراكات دولية    الأمم المتحدة: عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ ونازح سوري إلى ديارهم    قوات الاحتلال تواصل خرق اتفاق وقف إطلاق في قطاع غزة وتقتحم مقر الأونروا بالقدس    أزمة محمد صلاح مع سلوت من البداية للنهاية بعد الاستبعاد من مواجهة الإنتر    وسائل إعلام: استبعاد توني بلير من حكم غزة بسبب اعتراضات دول عربية وإسلامية    موجة نزوح جديدة في السودان.. انعدام الأمن يدفع 775 مدنيا للفرار من كردفان خلال 24 ساعة    تقارير: مستقبل تشابي ألونسو على طاولة نقاش إدارة ريال مدريد    أمطار حتى الخميس.. وتحذير عاجل من الأرصاد لهذه المحافظات    فرانكفورت يعلن قائمته لمواجهة برشلونة في دوري أبطال أوروبا    إيمي سمير غانم تكشف سبب هجومها على منتقدي إطلالتها الأخيرة    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    "إيقاف يورشيتش وسامي".. رابطة الأندية تعلن عقوبات مباراة بتروجت وبيراميدز في الدوري    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    رئيس الوزراء يبحث مع محافظ البنك المركزي تدبير الاحتياجات المالية للقطاعات الأساسية    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    أمير قطر: مباحثات الرياض فرصة لاستعراض آفاق الشراكة الاستراتيجية    قبلات وأحضان تثير الجدل في 2025.. من راغب علامة إلى منى زكي وفراج    منزل عبد الحليم يفتح أبوابه رقميا.. موقع جديد يتيح للزوار جولة افتراضية داخل إرث العندليب    عاجل- البورصة المصرية تسجل إنجازًا تاريخيًا باختراق EGX30 حاجز 42 ألف نقطة لأول مرة    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    استقرار أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 8 ديسمبر 2025    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    وزير الزراعة يكشف تفاصيل جديدة بشأن افتتاح حديقة الحيوان    عرض كامل العدد لفيلم غرق بمهرجان البحر الأحمر السينمائى    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    وزير إسكان الانقلاب يعترف بتوجه الحكومة لبيع مبانى "وسط البلد"    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    عقوبات مباراة بتروجت وبيراميدز.. إيقاف يورتشيتش الأبرز    د. معتز عفيفي يكتب: المسئولية القانونية للذكاء الاصطناعي.. بين تمايز المجالات وحدود الإعفاء المهني    حدث في بريطانيا .. إغلاق مدارس لمنع انتشار سلالة متحولة من الإنفلونزا    وزير الصحة يتابع تطورات الاتفاقيات الدولية لإنشاء مصنع اللقاحات متعدد المراحل    وكيل تعليم بني سويف تبحث استعدادات امتحانات نصف العام لسنوات النقل والشهادة الإعدادية    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    بسام راضي يشرح موقف مصر من سد النهضة أمام المؤتمر الدولي للمياه بروما    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    السفير الأمريكيّ: إسرائيل لا تربط بين عملياتها في لبنان ومسار المفاوضات    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    زراعة الفيوم تعقد اجتماعا لعرض أنشطة مبادرة "ازرع"    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مواويل الليلة الكبيرة».. مرثية الجيل الضائع
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 08 - 2022


1
لعل المفكر والناقد الراحل غالى شكرى واحد من أغزر وأعمق مفكرينا المعاصرين الذين غطوا بإسهاماتهم النظرية والتحليلية مساحات عريضة وواسعة من الفكر المصرى والعربى، لم يشاركه فيها أحد، ولم يقرب منها أحد حتى وقتنا هذا!
من بين إنتاج المرحوم غالى شكرى الزاخر والقيم روايته اليتيمة «مواويل الليلة الكبيرة» التى صدرت طبعتها الأولى فى بيروت عن دار الطليعة عام 1985، وفى حدود علمى، فإنها منذ هذا التاريخ لم يُعد طبعها إلا منذ أسابيع قليلة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
مثله مثل المفكر والناقد الراحل لويس عوض؛ كان غالى شكرى مشغولا ومهجوسا بقراءة وتحليل الواقع المصرى والعربى طيلة ما يقرب من نصف القرن؛ متخذا من ميادين النقد الأدبى وعلم اجتماع الثقافة وتاريخ الأفكار (أو علم اجتماع المعرفة بصيغة أشمل) إطارا للتأسيس المعرفى والتنظير والتحليل.
ومن ينسى أطروحته التى نال عنها الدكتوراه من السوربون «النهضة والسقوط فى الفكر المصرى الحديث» أو فى استكمالاته المهمة فى «الثورة المضادة» أو «أقواس الهزيمة». عشرات الكتب والمؤلفات التى اتسمت بعمقها وانضباطها ومنهجيتها وقدرتها التحليلية على قراءة الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية التى عاناها المجتمع المصرى منذ بواكير النهضة فى القرن التاسع عشر وحتى رحيله.
2
غطت شهرة غالى شكرى ناقدا ومفكرا على إسهامه «روائيا» بروايته «مواويل الليلة الكبيرة»، وهو الذى كان أحد نجوم النقد الروائى المصرى والعربى، وصاحب الإسهامات الأصيلة فى درس ونقد وتحليل النتاج الروائى العربى منذ أربعينيات القرن الماضى، وحتى العقد الأخير منه.
وفى ظنى، فلا يمكن قراءة روايته «مواويل الليلة الكبيرة» بمعزل عن كامل رؤيته الفكرية والاجتماعية والسياسية التى كانت توجه كتابته فى مجملها. فإذا كان غالى شكرى قد واجه سؤال النهضة فى العديد من كتبه التى حاول من خلالها، أن يفكك معرفيا العناصر التى تنطوى عليها صيغة النهضة؛ فإننا يمكن القول إنه واجه ذات السؤال جماليا وإبداعيا فى «مواويل الليلة الكبيرة» محددا نطاقه الزمنى المرجعى بزمن النهضة والسقوط؛ ما بين أربعينيات القرن الماضى وحتى مطالع الثمانينيات من القرن العشرين.
يمكن اعتبار الرواية نموذجا مختلفا وفريدا من نماذج الرواية السياسية التى تقوم على طرحٍ نقدى تحليلى للواقع السياسى والاجتماعى فى مصر والعالم العربى (تحديدا خلال الحقبة الناصرية وما تلاها)، فيما يعد (أو يمكن اعتباره) موازاة جمالية لفكرته الرئيسية عن النهضة والسقوط فى الفكر المصرى والعربى الحديث، والتى تقوم على افتراض أن صيغة النهضة تحمل فى داخلها بذرة للنمو، وفى الوقت نفسه تحمل جرثومة السقوط!
3
وإذا كان إشكال المثقف والسلطة أحد انشغالات غالى الأصيلة، فإنه يبرز هنا كأجلى ما يكون فى «مواويل الليلة الكبيرة»؛ باستدعاءٍ لافت وحاشد لعديد من المثقفين (كتابا، وشعراء، وروائيين، ونقادا... إلخ) ليُنطقهم بسرد رواياتهم هم، وحكاياتهم هم، عن هموم الوطن وأحلامه وانهياراته وانكساراته التى اعتصرت بقبضة لا ترحم قلوبهم وأرواحهم.. وتتحرك هذه الروايات المتعددة، داخل النص، مستعيرة خطابات داخلية لهؤلاء جميعا مانحة إياهم مساحات متكافئة تقريبا، يصبحون فيها رواة مستقلين يروون فيها تاريخا آخر التاريخ الرسمى، ويرصدون وقائع مستترة وراء الوقائع المعلنة، ويعبرون فى النهاية عن تلك البوتقة الهائلة التى تفاعلت وانصهرت فيها تيارات وتوجهات شتى، وعوامل بقاء وفناء شتى، فى حقبة حافلة تمتد عقودا طويلة من الأربعينيات وحتى أوائل الثمانينيات من هذا القرن، وقت غزو إسرائيل للبنان.
إن هذه الرواية، وكما يلتقط بحساسية فائقة الناقد د.حسين حمودة، تستنهض تجارب وأصواتا متنوعة، متناغمة ومتعارضة فى آن، لعددٍ كبير من الساسة الأحياء (نُشرت قراءة حمودة فى منتصف تسعينيات القرن الماضى) وأيضا الأموات، ممن صاغوا حركة التاريخ السياسى والثقافى المصرى والعربى، أو كانوا ضحايا لهذا التاريخ.
فمن شهدى عطية إلى غسان كنفانى، ومن جمال عبدالناصر إلى راشد الخاطر، ومن على فودة إلى إسماعيل المهدوى، ومن مصطفى خميس إلى أمل دنقل، تتحرك الروايات المتعددة داخل هذه الرواية، مستعيرة «خطابات» داخلية لهؤلاء جميعا، مانحة إياهم مساحات متكافئة تقريبا.
4
ولربما كانت «مواويل الليلة الكبيرة» من الروايات القليلة التى حاولت أن تقرأ وتتأمل مغزى ودلالات حوادث ووقائع معلنة فى التاريخ السياسى والاجتماعى والثقافى لمصر فى الثلث الأوسط من القرن العشرين؛ مثل فصل «الربابة بأبو زعبل» على لسان المناضل الشيوعى الأشهر شهدى عطية الشافعى قبيل موته جراء التعذيب (أو غير معلنة كما فى حال أحداث كمشيش على سبيل المثال التى يعرض لها غالى شكرى على لسان صلاح حسين فى فصل «بكائية على ناى كمشيش»).
وذلك، كما يرصد حمودة، من خلال المراوحة بين خطابات «المونولوج» الذاتى الاعترافى، وخطابات «الديالوج» الحوارى، وهى مراوحة تجعل هذه الخطابات، تبدو فى بعدٍ من أبعادها، مغلقة على ذاتها، مثقلة بنبرة الاعترافات الخاصة، مُسيجة بمنطق كتابة المذكرات الخاصة، أو شبيهة ببوح داخلى فى حجرات مظلمة، كما تبدو فى بعدٍ آخر خطابات معلنة موجهة إلى آخرين، مروى عليهم مفترضين، تتوجه إليهم فى لحظات من تماس عابر، استثنائى، كأن هذه الخطابات بذلك، بمثابة شهادات للتاريخ، عن الذوات وعن الآخرين، عن عوامل داخلية خاصة بهؤلاء جميعا، وعن الفترة التى احتوتهم، وعن العلاقات التى أثرت فيهم، وتأثرت بهم، فى آن.
5
لقد ظل غالى شكرى، فى كل ما كتب؛ فكرا ونقدا وإبداعا، أحدَ حاملى هموم هذا الوطن الحالمين بمستقبل أفضل، وسعى نحو الحضارة والتقدم لا يكل ولا يمل؛ وهو فى أشد لحظات يأسه وإحباطه كان مقاوما بالإبداع، وساعيا لتجاوز شروط التخلف بالخيال والفكر والإبداع والنقد معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.