طارق رسلان: الاهتمام بمراكز الشباب يصب في مصلحة الأمن القومي    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    في يومه العالمي.. هيئة الدواء توضح 3 توصيات من «الصحة العالمية» بشأن التمريض    رئيس جامعة طنطا يستقبل عميد كلية التربية الرياضية الجديد    نقيب البيطريين يناقش الأمور المالية والإدارية مع رؤساء النقابات الفرعية    45 جنيهًا ارتفاعًا في أسعار الذهب بالأسواق المحلية خلال الأسبوع الماضي    توريد 188 ألف طن قمح لشون وصوامع المنيا    ختام فعاليات اختيار المشروع الفائز للمشاركة بمسابقة "جائزة هالت"    «خطة النواب» تناقش انخفاض الايرادات الخاصة لموازنة «التضامن الاجتماعي»    مصدر رفيع: السيسي يتابع أوضاع غزة مع خلية الأزمة لحظة بلحظة    شركة الاتصالات الفلسطينية: انقطاع خدمات الإنترنت الثابت في مناطق جنوب قطاع غزة    باكستان: قرار منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة بأغلبية كبيرة يزيد الضغط السياسي على أمريكا    الجيش الروسي يعلن السيطرة على 4 قرى في خاركيف الأوكرانية    الجزائر: الشعب الفلسطيني يواجه أشرس عدوان عرفته الإنسانية    موعد تحرك فريق الزمالك لملعب مباراة نهضة بركان في نهائي كأس الكونفدرالية    تقارير: بايرن ميونيخ يضع أوليفر جلاسنر ضمن المرشحين لتدريب الفريق    برلماني بالشيوخ ينتقد عدم التزام وزارة الرياضة بإنشاء مراكز التنمية الشبابية    وكيل ليفاندوفسكي: أنباء رحيله كاذبة.. وسيبقى في برشلونة الموسم المقبل    ضوابط وآليات تأمين امتحانات الثانوية العامة 2024    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    السجن المشدد 5 سنوات لعاملين لحيازتهما أسلحة نارية وإصابة شخص بطلق ناري بالقليوبية    المشدد 5 سنوات للمتهمان في الإتجار بالبشر وتغريمهما 200 ألف جنية في الهرم    السيطرة على حريق سيارة ملاكي أمام محطة وقود بأسوان    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في أبشواي    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    السيسي يوجه بضرورة تكثيف الإجراءات اللازمة للحيلولة دون المزيد من التصعيد في غزة    فيلم شقو يحصد 454 ألف جنيه إيرادات ليلة السبت فى السينمات    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية    مجلس الشيوخ ينعى النائب عبدالخالق عياد.. ويعلن خلو مقعده    شمال سيناء: لا شكاوى في امتحانات صفوف النقل اليوم    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    لاتفاقهم على تحديد الأسعار.. «حماية المنافسة» يحرك دعوى جنائية ضد 7 سماسرة في سوق الدواجن    بالمجان.. متاحف مصر تحتفل باليوم العالمي وتفتح أبوابها للزائرين    ل أصحاب برج الثور والجوزاء.. أفضل الأبراج المتوافقة عاطفيًا لتكوين علاقات ناجحة 2024    تعرف على 11 شرطًا التقديم.. «الداخلية» تُعلن قبول الدفعة العاشرة ب معاهد معاوني الأمن 2024 (تفاصيل)    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    الجزار يوجه بعدم التهاون مع المقاولين في معدلات التنفيذ وجودة تشطيبات وحدات سكن لكل المصريين    وزيرة التخطيط: 10.6 مليار دولار استثماراتنا مع صندوق مصر السيادي خلال السنوات الماضية    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    انتحار ربة منزل في غرفة نومها بسوهاج.. وأسرتها تكشف السبب    كابول: ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات شمالى أفغانستان إلى 315 قتيلا    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    فى احتفالية خاصة تحت شعار «صوت الطفل».. المجلس القومى للطفولة والأمومة يطلق «برلمان الطفل المصرى»    فيلم Kingdom of the Planet of the Apes يتجاوز 22 مليون دولار في أول أيام عرضه    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    السادسة والنصف مساء اليوم.. أرسنال يصطدم ب مانشستر يونايتد فى صراع التتويج بالدوري الإنجليزي    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال اليوم    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هناء السحراوي.. الإحسان يسير على قدمين
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 08 - 2022

رأيتها قبل أيام من وفاتها على كرسى متحرك أمام العمارة سلمت عليها بحرارة وأخذت أمازحها، شعرت بمدى المعاناة الصحية التى تمر بها، شعرت أنه آخر لقاء لنا على الأرض، دخلت المستشفى فالعناية المركزة فجراحات ثم ماتت، كانت تعانى من أمراض عدة تحتاج صبر الجبال.
إنها جارتنا الغالية رمز الإحسان والرحمة الحاجة هناء السحراوى، التى تعد نموذجا رائعا وفذا للمرأة المصرية التى تعطى بغير حساب ولا تردد ولا منَ ولا أذى.
لم تترك هذه السيدة صنفا من الخلائق إلا وأحسنت إليه أحسنت للأيتام والمرضى الفقراء والأرامل حتى القطط والعصافير دخلت فى منظومة إحسانها تلخصت حياتها بكلمتين «ذكر الحق سبحانه، والإحسان للخلق».
قبل أن تسكن فى عمارتنا إلى جوار ابنها الأستاذ الجامعى كانت لها شقه واسعة ربت فيها 20 قطة، أما فى شقتها الحالية فظلت 13 عاما تضع الحبوب للطيور يوميا وتتبنى قرابة 30 طائرا يفدون إلى بلكونتها، كانت تتأمل هذه الطيور يوميا وتفحص طباعهم وتتأمل أخلاقهم.
كان هناك طائر شرس ينزل للطعام فيتركه الجميع وحده إما خوفا أو كراهية، وترى البعض الآخر يتشارك سويا فى حب وصفاء وزقزقة، أدركت أن البغى والعدل والحب موجود حتى فى دنيا الطيور الرقيقة، كانت تراقبهم من خلف الزجاج.
كانت تشرف على إحدى دور الأيتام بالإسكندرية لسنوات طويلة تبدأ باليتيم صغيرا حتى تدخله الجامعة، كانت تهتم بكل شئونهم، تغذية، ملابس وخاصة قبل المدارس وفى الأعياد، الكتب والكراسات، الشنط، كل ما يحتاجه اليتيم فى الدار تفكر فيه وتجهزه مسبقا.
كانت لا تختار لهم إلا أجود الطعام والملابس، وتعطى سائق الدار طعاما وكساء مثلهم.
كان الأيتام فى الدار ينادونها «ماما هناء» كانت أما للجميع، للقريب والبعيد، كانت تهتم بالمرضى الفقراء دائما، كل من يحتاج لعلاج تحضره لهم، كانت ترسلهم لأقاربها ومعارفها من الأطباء ليهتموا بهم ويحلوا مشكلاتهم الطبية بأيسر سبيل.
تعلمت من زوجها الإصلاح بين الناس عامة والأزواج خاصة ولم تتركه بعد وفاته، كانت توصى الجميع بالجنوح للسلم فى حل مشكلاتهم، تكره الطلاق وتحب لم الشمل وإصلاح ذات البين.
تعرضت فى حياتها لصعوبات جمة كان أشدها على نفسها وفاة ابنتها بعد صراع طويل مع سرطان المخ، ظلت معها أشهرا فى مستشفى المعادى، ما بين جراحات وعناية مركزة وغيرها، سنوات وهى ترعاها حتى توفيت فكسرت قلب والديها، ثم توفى زوجها بعدها بتسع سنوات فعاشت على ذكراهما فى حزن لا حد له.
كان بيتها مفتوحا للجميع، عامل النظافة يفطر معها، الأحفاد والأولاد والأشقاء وأولادهم، الجميع يتحلق حولها.
كان لا يمر يوم إلا وشقيقها الضابط الكبير بالمعاش يزورها وشقيقها الآخر وشقيقتها كذلك، إنها محور الأسرة، بائعة المخلل فى الشارع تأتى أحيانا لتفطر معها، تنزل الطعام لأفراد الأمن فى العمارة، أحفادها وأولاد أحفادها فى حالة إقامة شبه دائمة فى الإجازات والعطلات.
كانت مسئولة تماما عن كل أحفادها، تعليما وتربية وتثقيفا وتوجيها وانضباطا، كانت بالنسبة لهم مثل القائد العسكرى الرحيم.
عندما تزوج الأحفاد كانت ترسل لهم مثلما ترسل لأبنائها أكياس الخضار، والطماطم، والصلصة الجاهزة والثوم والبصل لأنهم موظفون، وكل كيس تكتب عليه كلمات رقيقة، إلى العروسة الجميلة فلانة إذا كانت حديثة الزواج، إلى الدكتورة فلانة، إلى ابنى الغالى د.أسامة بالهنا والشفا.
ربت معظم أشقائها بعد وفاة والدتهم، كان أشقاؤها يعدونها أمهم لا أختهم، كانت لا ترد سائلا، كان لها معروف عظيم يغلفه الستر فلم يعرف تفاصيله أحد من أسرتها إلا ما عرفوه صدفة أو بعد موتها.
سرقها بعض الذين أحسنت إليهم فلم تقبل أن تعاقبهم أو تسجنهم أصرت على العفو عنهم، ولكنها كانت تحزن بعمق لصنيعهم.
كانت كثيرة العبادة والذكر والدعاء كان من أهم دعواتها لأسرتها «يكفيكم شر الطريق والمستخبى»، ربنا يسهلكم الطريق، ربنا لا يرقدلكم جسد يا أولادى وأحفادى، ربنا ما يحوجك لأحد أبدا، ربنا يقويك على أولادك، ولمن كان فى عمل مؤقت «ربنا يرزقك بعمل ثابت»، ربنا يهديهم هداية الصالحين «وذلك لأحفادها» ودائما ما تضيف ولا أحد من أمة النبى الصالحين، كان أجمل ذكر لديها «يا ودود يا مجيد برحمتك نستغيث»، تقرأ القرآن بعد الفجر يوميا.
كانت تشترى الخبز من الفرن للأسرة وتوزعه عليهم فى أكياس مكتوب عليها كلمات جميلة.
شاركت فى مشروع سقيا الماء بإحدى قرى الهند الفقيرة ظن البعض هناك أنها متوفاة وعجبوا لحياتها على غير المألوف فى مثل هذه الصدقات، وذلك حينما كتب البئر باسمها دون لقب المرحومة.
أدارت من قبل مشروعا خيريا لتعليم الفتيات اليتيمات والفقيرات حرف الحياكة والتطريز، كانت تبيع إنتاجه وتوزع الأرباح عليهم.
كان توزيع أكياس رمضان ولحوم الأضاحى شيئا مقدسا لديها، لم تتركه أبدا حتى ماتت، أسرتها الكبيرة من الأشقاء والأبناء والأحفاد لديهم عزم كبير على صنع كل ما كانت تصنعه بدء من الإصلاح بين المتخاصمين ورعاية الأيتام وصلة الرحم والبيت المفتوح للجميع وانتهاء بطعام الحمام اليومى، هذه كانت وصاياها.
كانت تكرم كل الناس، دائمة الابتسام رغم جديتها ودقتها، توجه بطريقه رقيقة، تدعو وتشجع.
حينما اشتد بها المرض كانت تقبّل يديها وجها وظهرا قائلة «الحمد لله» عمق الحمد وشكر الله لدى الشعب المصرى فى أجياله القديمة لا حدود له ولا تعرفه هذه الأجيال التى لا تمل من الطلب ولا تعرف قيمة عبادة شكر الله ثم الناس.
رحم الله «ماما هناء» رحمة واسعة، وخالص العزاء لأسرتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.