محلل اقتصادي عن تداعيات حرب إيران وإسرائيل على اقتصاد العالم: أمن الطاقة أصبح على المحك    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وكبير مستشاري ترامب (تفاصيل)    «لن ينجو أحد».. مصطفى بكري يحذر الشامتين في إيران: تخدمون «إسرائيل الكبرى»    محمد الشناوي: الرطوبة أثرت علينا.. والتعادل مستحق رغم أفضليتنا    أول رد من الأهلي بشأن أزمة أشرف بن شرقي مع ريبيرو    نقابة المهن الموسيقية تنعى نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    انطلاق النسخة الخامسة من مؤتمر "أخبار اليوم العقاري" غدًا تحت شعار: "مستقبل صناعة العقار.. تحديات – تنمية – استثمار"    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    جلسة برلمانية موسعة لمناقشة قانون ملكية الدولة وخطة التنمية بالإسكندرية    بسبب عدوان إسرائيل على إيران.. حجاج سوريون يعودون عبر تركيا    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    غاتوزو مدربًا جديدًا لمنتخب إيطاليا    محافظ الجيزة يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 87.46%.. و100% للمكفوفين    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    تعرف على تكلفة استخراج أو تجديد جواز السفر المصري    سماح الحريري: مسلسل حرب الجبالي لا يقدم صورة مثالية للحارة المصرية.. والدراما غير مطالبة بنقل الواقع    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    مصطفى البرغوثي: إسرائيل تستغل الانشغال بحرب إيران لتغطية جرائمها بفلسطين    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    مانشستر يونايتد يواجه ضربة بسبب تفضيل جيوكرس لأرسنال    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل.. دمار واسع ومخاوف من موجة هجمات جديدة    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    قتل نائبة وأصاب ثانيا.. مسلح يستهدف نواب أمريكا وقائمة اغتيالات تثير المخاوف    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    104 لجان عامة بالقليوبية تستقبل 50213 طالبا فى امتحانات الثانوية العامة    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين التشدد والاعتدال: إلى أين نحن ذاهبون؟!
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2010

التشدد والتطرف والتعصب مترادفات فى اللغة تعطى نفس المفهوم أو مفاهيم أقرب إلى بعضها البعض. فالمتعصب يتعامل مع الآخر المختلف ليس على المستوى الإنسانى كقيمة فى حد ذاته لكن على مستوى انتماءاته، أما التطرف فهو يعنى النظر من الطرف أى عندما يمسك الإنسان عصا من طرفها ويضعها أمام عينه لا يمكن أن يدرك الأبعاد الحقيقية لهذه العصا فهو يراها غليظة من ناحية ورفيعة من ناحية أخرى، لكن إن نظر إليها من المنتصف يستطيع أن يرى أبعادها جيدا فالرؤية رؤية غير مكتملة لأنها من طرف واحد، أما المتشدد فهو يعنى نفس المعانى السابقة..
فالشدة فى اللغة تعنى الصلابة وهى نقيض اللين والمغالاة فى الرفض أو القبول وتدخل فيها الشخصانية والعاطفة والهوى والتمسك بالرأى وعدم التنازل عنه، حتى لو كان الرأى ضد منطق الأشياء. والتشدد فى الدين طبقا لقاموس لسان العرب من يكلف نفسه من العبادة فوق طاقته وهذه الثلاث التطرف والتعصب والتشدد مرض نفسى لأنه تفكير خاطئ نحو الآخرين أو أفكارهم أو انتماءاتهم دون مبرر منطقى أما الاعتدال فهو عكس التشدد، فالاعتدال يعنى عدم الميل لناحية دون الأخرى أو النظر إلى موضوع ليس بطريقة شخصية أو هوائية أو عاطفية لكن بعقلية وفكر علمى ويعنى النظرة الموضوعية للأشياء والأمور. هذا هو المعنى اللغوى والذى يمكن تطبيقه فى السياسة والدين والثقافة بوجه عام والسؤال الأول الذى يواجهنا هو: أيهما أسهل التشدد أم الاعتدال؟!
ربما نظن أن الاعتدال والنظرة الموضوعية أسهل من التشدد، لكن الحقيقة غير ذلك. فتصنيف البشر أسهل كثيرا من محاولة فهمهم بعمق، فلكى أفهم الآخر بعمق أحتاج إلى جهد نفسى وتخطى حواجز بنيت فى سنوات من البيت إلى المدرسة إلى الشارع إلى.. إلخ،ثم إن التصنيف والتشدد يعطى إحساسا بالأمان وعدم المغامرة والتوافق، ذلك لأن الحكم جماعى (نحن بدلا من أنا).
أما السؤال الآخر فهو: هل المجتمع المصرى يميل إلى التشدد أم الاعتدال؟!
لكل مجتمع قيم أخلاقية ودينية وله أيضا ثقافة عامة من أعراف وعادات وتقاليد.. إلخ. وبالتأمل فى ثقافة وقيم المجتمع نجد أن هنالك قيمة عظمى تشكل الوجدان المصرى، هى قيمة وثقافة الخضوع للسلطة. والسلطة هنا هى المصدر الذى لا يناقش ونخضع له لإيماننا أنه يعرف أكثر.. وهذا أسلوب يدل على عجز وافتقار للإبداع. والخضوع للسلطة قديم فى المجتمع المصرى، فمنذ أيام الفراعنة إلى اليوم، مرورا بالمرحلة القبطية، والسلطة هنا ليست فقط السلطة السياسية أو الإدارية.. إلخ، لكن سلطة «الرأى».. وعندما تكون السلطة هى المرجع الأخير فى أى عصر فهذا يعنى أننا نعيش عصر متخلف.
أما السؤال الأخير فهو: هل يزداد تشدد المجتمع المصرى مع الزمن أم يتضاءل؟!
وهنا سوف أستشهد بثلاث وقائع تاريخية من أزمنة مختلفة:
الواقعة الأولى: من القرن التاسع عشر
فى عام 1835رفع كلوت بك ناظر مدرسة الطب (المورستان) شكوى لمحمد على الذى أسس هذه المدرسة بناء على اقتراح من الشاكى، يقول فيها إن الشيخ الهراوى وهو شيخ من الأزهر كان يقوم بأعمال الترجمة والتصحيح للتلاميذ قد رأى وأفتى أن تشريح جثث الموتى بغرض التعليم ليس من الدين فى شىء، بل هو كفر، مما أدى إلى تشكك التلاميذ فى مدى شرعية دراستهم للطب. وعند قراءة محمد على للشكوى أصدر أمرا نصه كالتالى:
«إنه علم حصول معارضة من الشيخ (الهراوى) فى بعض أمور لا تعنيه، وبالنسبة لعلمه وآدابه لم يقابل بشىء من الأطباء. وأن المذكور ليس من مَن يجب احترامهم بل من الأشرار المحتاجين للإيقاظ، حتى أن تزويره لعلوم معلوم من قبل فليلزم استحضار المذكور، والتنبيه عليه مؤكدا عدم تدخله فى شىء خارج عن وظيفته، وبأنه ينفى ويطرد فى ما لو حصل إقدام ثان على ما يجب التشكى منه».
ثم عاد بعد خمسة أيام ليصدر أمرا أشد لهجة لأنه لاحظ أن مسئولين بالديوان خضعوا لابتزاز الشيخ الهراوى لهم باسم الدين جاء فيه (إنه اطلع على المضبطة الصادرة بشأن التقارير المقدمة من الشيخ الهراوى فى حق كلوت بك بخصوص تلاميذ مكتب المورستان وعلم الكيفية، وأن تقرير المذكور من قبيل التزويرات.. وبناء عليه يشير بدعوة المذكور إلى ديوان خديوى والتنبيه عليه بعدم تدخله فى ما هو خارج عن وظيفته المخولة،وهى الترجمة والتصحيح، وإن لم يرتدع يضرب بالنبوت، واستحضار كلوت بك أيضا والتنبيه عليه بمداومته على السعى والاجتهاد فى تعليم أولئك التلاميذ علم الطب كمرغوبة).
لقد كان محمد على هو الدستور أو مطبق روح الدستور فى مصر الحديثة، ولك أن تتخيل لو خضع محمد على لآراء الشيخ وأوقف جهود كلوت بك ومنع دراسة التشريح والعلوم الطبية الحديثة.
الواقعة الثانية: فى القرن العشرين
فى عام 1925صدر كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ على عبدالرازق.. وفيه قوة من الأساس الدينى المتوارث لفكرة الخلافة.. وبعده بعام صدر كتاب فى الشعر الجاهلى لطه حسين، والذى كان محاولة لتغيير الفكر من الاتباع إلى الابتداع، وجاءت عقوبة الأول الطرد من الأزهر لكن لم يحكم أحد بتكفيره، ولم يطلب أحد إقامة حد الردة عليه، ودخل الرجل فى دوامة لم تهدأ إلا عندما سكت تماما عما ذهب إليه..
أما طه حسين فقد أبلغ عنه أحد طلبة الأزهر فى 30 مايو 1926، ثم تلاه بلاغ آخر من شيخ جامع الأزهر فى 5 يونيو من نفس العام إلى النائب العام، وأرفق بالبلاغ تقرير علماء من الجامع الأزهر يقول: «إن مؤلف الكتاب كذب القرآن صراحة وطعن فيه على النبى (صلى الله عليه وسلم) وعلى نسبه الشريف.. إلخ»، ثم تلا ذلك بلاغ آخر فى 14سبتمبر 1926 من أحد أعضاء مجلس النواب.. أما محمد نور رئيس نيابة مصر فقد كتب تقريرا من اثنين وعشرين صفحة من القطع الكبير ناقش فيها المؤلف، اتفق معه فى أشياء واختلف فى أخرى، وعرض الاتهام إن المؤلف أهان الدين الإسلامى فى تكذيب القرآن فى إخباره عن إبراهيم وإسماعيل عندما كتب: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاثنين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما تاريخيا.. إلخ»..
ورغم أن محمد نور كان يتفق فى رأيه مع المبلغين، فإن قراره كان بالنص «وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين، بل إن العبارات الماسة التى أوردها فى بعض المواقع من كتابه إنما فى سبيل البحث العلمى باعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوافر فلذلك تحفظ الأوراق إداريا». لكن خصوم التنوير لم يتوقفوا عن مهاجمة طه حسين مما دعاه للقيام بتعديلات ومراجعات وإصدار كتاب جديد عام1927 بعنوان (فى الأدب الجاهلى).
الواقعة الثالثة: فى القرن الحادى والعشرين
فى مجلس الشعب حيث وقف وزير العدل ممدوح مرعى فى عام 2008 ليبدأ كلامه قائلا: (بسم الله الذى نعبده جميعا)، وهنا هاج أعضاء مجلس الشعب قائلين (أين باسم الله الرحمن الرحيم؟!). وكانت هذه الواقعة بعد واقعة حجاب فاروق حسنى، والحجز على أحمد عبدالمعطى حجازى لأن رئيس تحرير مجلة نشرت قصيدة شعرية لم تعجب الشيخ يوسف البدرى واعتبرها خارجة عن الإيمان، فرفع قضية عليه وحكمت المحكمة بتغريمه والحجز عليه. وفى عام 2009 حكم على جابر عصفور كما حكم من قبل على أحمد عبدالمعطى حجازى.
بعد هذا كله عزيزى القارئ أرجو ألا أكون متشائما.. لكن أقول فى النهاية هل التشدد والاعتدال أمر نسبى أم مطلق؟! إذا كان مطلقا فما هى قواعده، وإن كان نسبيا يخضع للتدرج. فتعالوا بنا نرى كيف؟
فمنذ قيام دولة مصر الحديثة على يد محمد على وحتى عام 1926 كان نموذج التشدد ضد التحديث هو الأزهر ومشايخه، ومنذ 1926 العام الذى تأسست فيه جماعة الإخوان المسلمين وحتى عام 1971 كان الإخوان هم مصدر التشدد وانتقل الأزهر من مربع التشدد إلى مربع الاعتدال، ومنذ عام 1973 العام الذى قبض فيه على أول جماعة إسلامية (جماعة الكلية الحربية)،وبعدها التكفير والهجرة (الجماعة الإسلامية 1976)، ثم الجهاد، وأخيرا القاعدة، انتقل رمز التشدد إلى الجماعات ورمز الاعتدال إلى الإخوان ورمز مهادنة الدولة إلى للأزهر.
فهل هذا التحليل صحيح أم أن الأزهر مازال متشددا، والإخوان أكثر تشددا، والجماعات أكثر وأكثر تشددا؟ وهل هؤلاء يزايدون فى التدين والتشدد على بعضهم البعض وقد انضمت الدولة إليهم لتزايد عليهم فى أمور الدين والإيمان؟ ترى إلى أين نحن ذاهبون؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.