فى داخل منزل بسيط يطل على ترعة النوبارية بحى المتراس الورديان بالإسكندرية تعيش قيمة أدبية كبيرة وفارس من فرسان التجديد الفنى استطاع بقلمه المنفرد الصادق مع نفسه أن يصرخ فى وجوه التقليدين قائلا «نحن جيل بلا أساتذة». اخترقت «الشروق» عالم القصاص محمد حافظ رجب الصامت المشتعل بابتسامة دائمة يتوارى خلفها بركان من الصمت المتأمل أسمر الوجه ذو لحية بيضاء، اشتعل رأسه شيبا لكن آرءه الفكرية لا تزال شابة فهو صاحب تاريخ كبير فى الإبداع القصصى يمتد منذ الستينيات لهذا خرج الحوار معه ممتزجا بين رؤيته الإبداعية وآرائه حول مبدعى جيله والأجيال التالية وكذلك تقييمه للحياة الثقافية بشكل عام. «محمد حافظ رجب» من مواليد 7 يوليو 1935. الشهادة الابتدائية هى أول وآخر ما حصل عليه من شهادات وعمل بالمجلس لرعاية الفنون والآداب وأقام بالقاهرة منذ عام 1957 ليقرر فى1962 العودة مرة أخرى ونهائية إلى الإسكندرية وهو صاحب أعمال «الكرة ورأس الرجل» و«مخلوقات براد الشاى المغلى» و«حماصة وتهتهات الحمير الذكية» و«طارق ليل الظلمات».. * فى الستينيات لمع اسم «محمد حافظ رجب» فى سماء القصة القصيرة مباشرة كمبدع كبير وفجأة تواريت عن الأنظار نريد أن نتعرف على ملابسات السطوع والاختفاء؟ قد يحاط الشخص بظروف مستبدة ومشوهة تضطره للدخول فى صمت وأنا بطبيعتى إذا تواجدت فى بيئة مستبدة تتزعمها قوة خفية أجد نفسى محاطا بحصار صمت دائم. * ما المقصود بتلك القوة الخفية؟ هى قوة ترى فى أعمالى إزعاجا حتى الصحف والمجلات صمتت هى أيضا عن نشر رسالاتى الإبداعية لأنها تدرك لمن توجه هذه الرسائل وتبين لى أنها كذبة من أكاذيب الأيام المعاصرة. * وماذا فعلت؟ حاولت الاكتفاء بنشر كتبى واقتحمت إحدى دور النشر التى رحبت أن تكتم السر فى الصمت عندما اقتنعت بمضمونها، وفى نفس الوقت توجهت إلى مكتبة الإسكندرية التى اكتفى موظفوها الروتينيون بتخزين كتبى فى الأدراج بنظام تسلسلى منظم. * ظهرت فى زمن كان فيه يوسف إدريس ملء السمع والبصر بحيث تختفى بجانبه أى موهبة أخرى هل كان ذلك أحد أسباب العودة إلى الإسكندرية والاحتجاب عن الكتابة؟ عودتى إلى الإسكندرية كانت لاننى تواجدت فى بيئة تتشابه فيها الناس فى لعبة الخضوع للحاكم الأوحد ور كبت الأجيال السابقة الموجة ولم تتح لغيرها فرصة التواجد واكتفت بالابتسامة أمام الجدد والتظاهر برعايتهم، وقد أطلقت عام 1958 صيحتى «نحن جيل بلا أساتذة» وتجمع حولها بعض الشباب فى ذلك الوقت ومنهم عباس محمد عباس ومحمد جاد والدسوقى فهمى وسيد خميس وعزالدين نجيب وأصدرنا مجموعة عيش وملح عام 1961. واذكر أننى حررت صفحة بعنوان الصحوة بجريدة السفير كل يوم اثنين وكانت تعبر عن تيار التغير والتف حولى عدد من أدباء الأقاليم. أما يوسف إدريس فقد يعتقد البعض أن الاتجاهات الجديدة انحدرت من معطفه، ولكننى أجد نفسى من الجيل الذى يجعل للقارئ دورا فى إعادة الصياغة فلى عالمى الخاص شكلا ومضمونا والذى أجعل فيه الواقع محلقا فى الخيال مرتديا ثوبا جديدا. وأنا من دفعه لاهثا لأن يكتب مسرحيته «الفرافير» كما دفعت كل الكتاب أن يكتبوا الجديد حتى نجيب محفوظ فتدخلت كتاباتى فى حياته مثل «ثرثرة فوق النيل» وقد اعترف بذلك محمد جبريل وقال «لم يكن نجيب محفوظ يكتب ثرثرة فوق النيل إلا بعد أن قرأ جيدا قصص محمد حافظ رجب». * ماذا عن ترشيحكم لنيل جائزة القصة القصيرة التى ينظمها المجلس الأعلى للثقافة؟ هذه ضجة بالونية وأنا فى داخلى لست حريصا على نيل هذه الجائزة ولكننى حصلت على جائزة أفضل قصاص من اتحاد الكتاب عام 2007 واهدونى جائزة مادية قدرها 20 ألف جنيه. * هل حاكمك نجيب محفوظ بعد صيحتك نحن جيل بلا أساتذة؟ الكتاب وقفوا أمام «جيل بلا أساتذة» يترقبون النتيجة فى الوقت الذى نوقشت فيه «قصة الجنية» من مجموعة عيش وملح، وفى ندوة نادى القصة التى ترأسها نجيب محفوظ وقال فؤاد دوارة عنها إن «الجنية» أنضج من قصة مكسيم جورجى الروسى فى التكنيك وسرد الحكاية. وبعد ذلك ناقش رشدى صالح الجنية فى التليفزيون وكان يحيى حقى هو من كتب مقدمة عيش وملح وفى المناقشة قال رشدى صالح إن يحيى حقى صاحب فضل عليكم ورددت عليه نحن نتبادل التأثير كمتلق ومرسل وهنا قلت نحن «جيل بلا أساتذة» فخرج رشدى صالح إلى النصبة أى الباب الذى يكتب فيه وصرخ الحقونا هناك أدباء يقولون «نحن جيل بلا أساتذة» واستمرت هذه الصرخة وأحدثت دويا شديدا فى نادى القصة ورجاله وعلى رأسهم رجال يوسف السباعى وكنت وقتها أعمل فى المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالقاهرة التابع ليوسف إدريس ورئاسة الجمهورية. فجاء محمد عبدالحليم عبدالله وقال لى: «أنا اعرف إنك متطلع». وعباس خضر قال: «ما نعنى ما تقول ؟» فرديت عليهما وامتدت المعركة مع رشدى صالح ودخل يدافع عن التقليدية ورثة يوسف السباعى والتقدمية الاشتراكية المتمثلة فى رشدى صالح ولطفى الخولى. وطالب محمد عبدالحليم عبدالله قصة منى فأخذ «الكرة ورأس الرجل» فى مجلة القصة التى كان يرأس تحريرها وقتها محمود تيمور وقدمها بمقدمة فيها لعبكة تقليدية، وكانت القصة صادمة لهم فى ذلك الوقت وعلى أثرها ذهب محمد عبدالحليم عبدالله وكتب قصة فيها فى محاولة مشوهة منه لجديد لا يعرفه، وأذكر أن يحيى حقى كتب: «إن محمد حافظ رجب غيّر من شكل ومضمون القصة القصيرة وأنه يسبق زمانه بثلاثين عاما». وعلى مدار شهور تناولونى بالتجريح والازدراء وتخريب الكلمة العربية وتخريب الاستقرار السائد فى مصر واتهمونى أننى أتعاطى العقاقير المخدرة. * هل ظهر من المبدعين من اتبع نهجك الجديد عن رضا؟ نعم ومنهم يوسف القعيد وإبراهيم أصلان وجميل عطية إبراهيم ولهم أقاويل عديدة يعبرون فيها عن رؤيتهم لى. فيوسف القعيد قال عنى «صاحب الكرة ورأس الرجل، كانت عبارة نحن جيل بلا أساتذة هى الطريق الذى صبئنا إليه» إبراهيم عبدالمجيد قال: «عالم محمد حافظ عالم ثرى عميق مختلط ومشوش جامح عنيف فهو كاتب الغربة والانسحاق ولا تضعه فى تصنيف متعارف عليه». * وماذا تكتب الآن؟ كل ما أعمله أننى أحاول الخروج من الحصار بإصدار كتاباتى التى انطلقت عليها الصحوة وأضيف عليها أعدادا من الصحوة القديمة وأرسلها إلى المثقفين والكتاب دون أن اكتب عليها اسمى لأنهم لن يردوا عليها. أرسلها لمجرد الإعلان عن رأى أحد رجال الكلمة الأوائل الذين علموا الأجيال. * ما العمل الذى تكتب فيه الآن؟ آخر أعمالى التى أكتب فيها الآن ولأول مرة أصرح بها هو قصة قصير بعنوان «نفق المول». * هل ترجمت أعمالكم للغات أخرى؟ نعم ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، ويوجد ملف مترجم إلى الفرنسية والإنجليزية يضم عددا من قصصى والدكتور محمد المنزلاوى ترجم لى قصة بعنوان «أصابع الشعر» وأذكر أن المترجم دافيد جونسون ترجم لى فى بداية اهتماماته بالكتابة المصرية قبل أى كاتب آخر. * ما علاقتك مع الأدباء من جيلك والأدباء من تلامذتك؟ ليس لى علاقة مع أحد فى الوقت الحالى وآخر من اتصل بى إبراهيم أصلان عن طريق خيرى شلبى لحضور مؤتمر الأدباء ولكنى رفضت وآخر من اتصل بى السعيد الورقى وآخر من كتب عنى الدكتور هيثم الحاج على وأشار فى مقال له فى الأهرام المسائى ما ذكره معجم أكسفورد عام 1987 بأن محمد حافظ رجب اسم عجز التعريف المعجمى عن وصفه.