دائما نشعر بالحنين إلى كل ما هو قديم، مثل إعلانات الثمانينات والتسعينات، مرحلة تألق الإعلانات في مصر، التي كانت تحمل بصمة الرجل الأشهر في هذا المجال، طارق نور. اختار "نور" في مرحلة الثمانينات بطلا مميزا لإعلاناته، استطاع إقناع المشاهدين بتناول "دجاج تكا" سبايسي، ثم تناول "بون بون سيما" بعده، وهو أيضا من القليلين في العالم الذين يعرفون "سر شويبس"، هو جلال زكي الأستاذ الممارس للدراسات التسويقية المتكاملة، الذي روى لنا عبر لايفات "الشروق" ذكرياته عن هذه المرحلة الهامة من حياته. أوضح جلال، ل"الشروق"، أنه كان يعمل أستاذا بالجامعة في أمريكا، لكنه عاد إلى مصر بعد وفاة والدته، مشيرا إلى أن طارق نور استغل عودته وعرض عليه العمل معه كمدير فني للإعلانات بشركته؛ نظرا للصداقة الكبيرة بينهما منذ أن كانا تلاميذ بالمدرسة الفرنساوي، فقبل زكي ليبدأ العمل في المجال كتجربة جديدة، ولم يكن يعلم وقتها أنها ستكون الفترة الأجمل في حياته بأسرها. قدم زكي مع نور العديد من الإعلانات التي علقت في أذهان الجمهور، على رأسها إعلان "تكا"، أو ما يقال عنه "مستر سبايسي"، حيث كان يغني نور مع فرقته عن "دجاج تكا"، بينما يقوم زكي بإيصال الرسالة للناس بروعة الدجاج الحار، وقال زكي ل"الشروق" إنه فوجيء بعدها بأن اسمه الرسمي في مصر والبلاد العربية أصبح "مستر سبايسي". أما الإعلان الذي جعل زكي في كل بيت، فهو إعلان زيت عباد الشمس "سيلا"، فكانت كلمته الشهيرة التي يقولها في بداية كل إعلان "من فضلك خدي بالك" ماركة مسجلة في الأذهان، وعنه يقول زكي ل"الشروق": "قمت بتأليف أغنية طويلة كسرت بها قواعد الإعلان للترويج لزيت (سيلا)، لدرجة أن العميل فوجيء بها، لكنني أكدت له أن الأغنية ستنجح مع الجمهور، حتى أنني قمت بتنفيذه من مالي الشخصي في البداية، وبالفعل نجح نجاحاً كبيراً خاصة بالنسبة للسيدات". تعرض الإعلان الناجح لكبوة بعدما أعلن مصنع زيت "سيلا" عن التوقف لمدة 7 أشهر لمشكلات تقنية، وهي الفترة التي قلّدت فيها جميع المصانع الأخرى ما فعله زيت "سيلا"، لكن لم يشعر زكي بالاستياء بل فكر مرة أخرى ليبتكر الإعلان الذي عاش مع جميع السيدات إلى الآن، وهو الذي تحدث فيه مع السيدات مباشرة لتنبيههن بشراء زيت "سيلا" دون غيره، من خلال جملة "من فضلك خدي بالك إن العلبة تكون زيت سيلا". الإعلان الأشهر في تاريخ زكي لم يظهر فيه كموديل، لكنه شارك في تنفيذه، وهو إعلان "سر شويبس" الذي قام ببطولته الفنان الراحل حسن عابدين، ويقول عنه زكي ل"الشروق": "كانوا يقولون وقتها إن الفنان الفاشل هو الذي يمثل في الإعلانات، ولهذا رفض (عابدين) بطولة إعلانات شويبس في البداية، فذهبنا إليه في المسرح مع السيد إسماعيل عثمان وقولنا له (يا حسن، الإنجليز مش عاوزين شركة مصرية تعمل الإعلان، أرجوك ساعدنا)، فاستفزيناه وقال على الفور (يالا بينا يا ولاد)". سافر عابدين إلى إنجلترا ليبني سلسلة إعلاناته مع الفنان الإنجليزي جيفري دايفس، الذي بدأ حملات شويبس بجملته الشهيرة: "شوية شوية شويبس أهه جاية"، فكان أول إعلان لسلسة شويبس بين جيفري دايفس وحسن عابدين، في إشارة إلى تسلم عابدين شارة الإعلانات في مصر، وأن هناك تجانس بين فريق شويبس الذي يبحث عن سرها حول العالم. دارت أفكار إعلانات شويبس حول محاولة عابدين إخبار الناس بسر نجاح شويبس، ثم عدم مقدرته على البوح لوضع العقبات أمامه، حتى أعلن عنه أخيرا قائلا للجمهور: "إعيبط أهكف"، التي تعنى "فاكهة طبيعية" بالمقلوب. يقول زكي عن تعامله مع الراحل عابدين: "كان رجلاً متواضعاً ومحبوباً من الجميع، وكان متديناً يحافظ على تعاليم دينه خاصة وهو في الخارج لتصوير الإعلانات، وأتذكر خلال تصوير أحد الإعلانات قابل عابدين الشخصية الشهيرة سو ألين، وكانت سيدة جميلة، ووقت التصوير نسي عابدين الكلمات وضحك قائلا (الكلام راح مني يا سو)، وأقنعنا العميل أن يترك الإعلان كما هو، وبالفعل يعرض الإعلان للناس حتى يومنا هذا بضحكة عابدين العفوية، فهو كان رجلاً خفيف الظل".