وسط الحشود المتدفقة على مدخل أحد أجنحة الشروق بالمعرض، مال يوسف عمران على صاحبيه ليبلغهما أنه رأى كل من جلال أمين وعلاء الأسواني وخالد الخميسي، وبلال فضل هنا أمام عينيه يوقعون كتبهم الجديدة. «يااااه كل هؤلاء مجتمعين مرة واحدة!». قالها زميله أحمد فهيم الطالب بكلية الصيدلة محاولا أن يخترق الجموع ليتحقق بنفسه من وجود كل هذه القامات أمام ناظريه. مشهد فريد كان يصعب تصديقه لو حدث منذ سنوات قليلة، حيث النجوم هم فقط نجوم السينما والكرة وليس أهل الكلمة وأصحاب القلم، بينما الشباب من كل صوب ولون يعرفون هؤلاء الكتّاب أو قرأوا لهم. أحمد ويوسف يعرفان بلال فضل تمام المعرفة عن طريق مقالاته الصحفية، رغم عدم قراءتهم لكتبه، أما علاء الأسواني فيعرفان له عمارة يعقوبيان، ويؤكد يوسف: «لم يكن لنا أي علاقة بالأدب أو الرواية، كنا نقرأ الأدب الساخر حتى اكتشفنا الرواية بفضل علاء الأسواني». ولم تكف فلول الشباب عن التدفق من الخامسة مساء أمس الأول وحتى السابعة متجاوزة زمن الساعة المقررة لحفل التوقيع، أمام طاولة تضم الأربعة الكبار. جلال أمين يوقع سيرته الذاتية الجديدة «رحيق العمر»، ويبدو في كل مرة متأنيا ومتفحصا طالب التوقيع، كما لو كان يحاول أن يرصد سمة ما تجمع بين قارئي السيرة وقراء كتبه الفكرية مثل العولمة أو الجماهير الغفيرة. علاء الأسواني يشرح بصبر وتؤدة أن كتابيه الجديدين «لماذا لا يثور المصريون؟» و«هل نستحق الديمقراطية؟» هما تجميع لمقالات نشرها في الصحف المصرية، أما مقالاته في جريدة الشروق فستصدر قريبا فى كتاب جديد. بلال فضل يحيى مريديه بحرارة كما لو كانت تجمعهم به معرفة عميقة الجذور، ويوقع كتابه «ضحك مجروح»، الذي يعتمد أسلوب سخرية سوداء، لا تكتفي بجلب الضحك ولكن بتأمل سوء العيش وتردى الأحوال على جميع الأصعدة. أما صاحب «التاكسي» الكاتب خالد الخميسي، فلا مفر له أبدا من تعليقات جمهوره حول كتابه الأول رغم وصول روايته الجديدة «سفينة نوح» إلى طبعتها الرابعة. فيكرر بعض من الجمهور على مسامعه كيف أقبل على سفينة نوح معتبرها شبيهة ب«تاكسى»، وكيف صدمه فى بادئ الأمر اختلافها الشديد عنها حتى وقع فى حبها فى نهاية الأمر. وحين تقل كثافة الحضور بين الحين والآخر، لا تفوت الكتاب الأربعة فرصة تبادل الدعابات والقفشات المرحة، فرغم التزاحم الشديد أمام د. جلال أمين فإنه يعلق مشاكسا وساخرا من فكرة الغيرة، التي تصيب الكتاب من بعضهم البعض: «الزحمة دى كلها متجهة للثلاثة الآخرين وليس لي، أنا لن أقيم معهم توقيع مرة ثانية». أما بلال فضل الذي نفد ضحكه المجروح مع نهاية الحفل، فبمجرد أن توقف لثوانٍ عن التوقيع فإذا به يتوجه لجلال أمين مازحا «ابعت لنا شوية يا دكتور». وخلف طاولة الكتّاب، جلست قرينتا جلال أمين وخالد الخميسي، تحصدان عن بعد إعجاب وإطراء الجمهور. جان زوجة د. أمين البريطانية تتحدث العربية بطلاقة، ورغم صعوبة قراءتها لأعمال زوجها بالعربية فإنها تقوم بدور رئيسي في كتابة السيرة الذاتية، حيث يرجع إليها أمين كثيرا فى التحقق من بعض الأحداث والتواريخ التى عايشاها سويا. أما عن فكرة الكشف والتعري عند كتابة السيرة الذاتية، والتي انتقدها البعض عند صدور الجزء الأول من سيرة أمين «ماذا علمتني الحياة؟» فتقول جان إن البوح بالحقيقة ضروري حتى تتقدم الكتابة، «فالكتابة باللغة العربية شديدة المثالية ولا تخترق المناطق الشائكة». أما مايسة مصطفى زوجة الخميسي، والتي تعمل استشارية علم المصريات بمركز التوثيق الحضاري فكانت رواية الخميسي الجديدة «سفينة نوح» مفاجأة بالنسبة لها، حيث تقول: «حين كتب خالد تاكسي كنت أعرف أجزاء كثيرة منها وبعضها عايشناه سويا، أما سفينة نوح فهى سكة أدبية جديدة وتقنيات عالية، وكتابة أشبه بلعبة البازل، التي تتكون من جزئيات صغيرة لتتشابك في النهاية». وتضيف مايسة قائلة: «اكتشفت أشياء كثيرة في خالد من خلال سفينة نوح، على سبيل المثال رغم أن شخصيته خجولة إلى حد كبير، فإنه في الرواية يختلف تماما ويعبر عن نفسه بدون قيود، فضلا عن أن كتابة الرواية كان حلما قديما لديه وسعدت جدا أنه كلل بالنجاح».