بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية وعادات أصبحت تشكل تراثًا ثريًا وأصيلًا. وراء ذلك عقول بشرية صنعتها، ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر"، وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكّلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم وتراثها الملهم، وذلك على مدار أيام شهر رمضان المبارك. وإلى الحلقة السابعة.. تعد الآثار المصرية بمختلف العصور التاريخية التي مرت على مصر، هي أبرز الشواهد على تاريخ حضارتها الطويل؛ لذا كان من الأهمية إنشاء "المتحف" لحفظ ذلك التاريخ، وإظهاره بالشكل الجمالي المطلوب للرواد من مصر وكل بلاد العالم. يعتبر المتحف المصري، من أشهر المتاحف المصرية التي لها صدى عالمي؛ لاحتوائه على آلاف القطع الأثرية النادرة، إضافة إلى قاعة "الفرعون الذهبي" التي تعرض جانب من كنوز توت عنخ آمون، وعلى رأسها "القناع الذهبي". ويكاد يكون أغلبنا قد زار المتحف المصري، وشاهد مقتنياته التاريخية، لكن هل سألنا "من صاحب فكرة تأسيسه؟". تعود الفكرة للفرنسي "فرانسوا ميريت"، الذي ولد في "بولوني سور مير" بفرنسا 11 فبراير 1821م، ونشأ محبًا للأسفار والاكتشاف منذ نعومة أظافره. وبجلاء الحملة الفرنسية عن مصر، التي ضمت -إلى جانب الجنود- خبراء في كل الفنون، بُهروا بالآثار المصرية، ولم تسلم منهم؛ حيث قرروا نقل بعضها لفرنسا، ومن بين تلك الآثار، تابوتًا مصريًا فيه مومياء وضع بمتحف "بولون". وقد تصادف أن رأى "ميريت" ما على التابوت من الكتابة المصرية القديمة، فتاقت نفسه إلى حل رموزها، واستعان بكتابين لشامبليون، وظل يتردد على المتحف ليقضي أوقاته بين الآثار المصرية، حتى تمكن من اللغة المصرية القديمة، ثم سافر إلى باريس، وانقطع إلى متحف اللوفر لقراءة ما فيه من الآثار المصرية، وذلك وفقا لموقع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. وبالعودة لقصة إنشاء المتحف، فكانت من خلال لقاء جمع "ميريت" مع "محمد سعيد باشا" والي مصر آنذاك، ومساعدته في إنشاء دار للآثار، وبالفعل تمت المقابلة وشرح ميريت لسعيد باشا كيف تُنهب آثار مصر، مدللا على صدق كلامه بأنه أمضى 4 سنوات بين الفلاحين، رأى خلالها ما لا يصدقه عقل من اختفاء 700 مقبرة من منطقتي أبو صير وسقارة، وأخذ يعدد له فوائد إنشاء دار للآثار تكون مهمتها الأولى تنظيم عمليات التنقيب وعرض الآثار المصرية. وبالفعل أصدر سعيد مرسومًا (يونيو 1858) بتعيينه في وظيفة "مأمور أشغال العاديات" براتب سنوي قدره 720 جنيها، وذلك بحسب مقال للدكتور عبدالمنعم أبو بكر، نشر في مجلة "المجلة" ديسمبر 1958 (مع مئوية فكرة ميريت). ويكمل "أبو بكر"، أن "ميريت بدأ في تأسيس متحف للآثار على وجه السرعة، لينقل إليه الآثار التي تراكمت على طول البلاد بعد أعمال الحفر المتواصلة، ولما لم يستطع إقناع سعيد بتشييد مبنى يليق بهدفه؛ اكتفى بمبنى صغير كان يستعمل كمكتب بريد في بولاق على ضفة النيل الشرقية، ويتكون من فناء يؤدي لدهليز يتبعه 4 قاعات متوسطة الاتساع". وكانت تلك نواة المتحف المصري قبل أن يصل إلى مكانه الحالي، التي مر قبلها بتنقلات في أماكن مختلفة مثل الجيزة والأزبكية، بسب تعرض المباني للتلف بفعل الفيضان، وتوفي ميريت قبل أن يحضر افتتاح آخر مقر للمتحف، لكن تم تخليد دوره من خلال وضع تمثال له بفناء المتحف، وإطلاق اسمه على أحد الشوارع المؤدية له. وغدا نلتقي في حلقة جديدة.. اقرا أيضا: اللي بنى مصر (6).. صدقي سليمان.. أول وآخر وزير لوزارة السد العالي بمصر