كم هى درجة السوء التى تبدو بها الأمور بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما؟ إن بعض المنظور التاريخى مفيد هنا. فدرجات شعبيته بعد سنة من توليه الحكم هى ذاتها تقريبا التى حصل عليها رونالد ريجان أو جيمى كارتر فى الفترة ذاتها من حكميهما، بل هى أعلى فى الواقع مما كانت عليه درجة شعبية بيل كلنتون فى تلك الفترة. الرئيسان بوش حققا درجات شعبية أفضل من هؤلاء الثلاثة، ولكن لأسباب غير اعتيادية: بوش ال41 (الأب) لأنه كان أشرف على انهيار الاتحاد السوفييتى فى السنة الأولى من حكمه، وبوش ال43 (الابن) لأن البلاد التفت حوله بعد هجمات 11 سبتمبر. وفيما يتحسن الاقتصاد فإن أرقام أوباما لا بد أن تتحسن قليلا. إن حجم التحول فى الأصوات الانتخابية فى ولاية مساشوسيتس والقضايا التى أثيرت خلال الحملة الانتخابية فى تلك الولاية وفى استطلاعات الخروج من قاعات الانتخاب وتحول المستقلين بأعداد كبيرة إلى الطرف الآخر كلها تشير إلى أن أوباما لا يواجه غضبا عاما فقط بل وانعدام رضا عن المسار الذى يتخذه الحزب الحاكم. إن الكيفية التى سيرد بها أوباما على ذلك هى التى ستصوغ بقية عهده الرئاسى. لقد بدأ نقاش كبير حول طبيعة هذا الرد. نصيحتى أنا هى نصيحة بسيطة: على باراك أوباما أن يتصرف كرئيس، خصوصا كالرئيس الذى خاض الانتخابات ليكونه. لاحظ جيمس برايس، وهو كاتب بريطانى كان زار الولاياتالمتحدة فى أواخر القرن ال19، أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة كانوا قد أسسوا لرئيس هو، بصورة حاسمة، شبيه بالملك البريطانى، «لا فقط لكونه رئيسا للسلطة التنفيذية، بل ولكونه يقف بعيدا وفوق الأحزاب السياسية. فهو عليه أن يمثل البلاد كلها.. فاستقلال مركزه، إذ إنه لن يجنى شيئا ولن يخشى شيئا من الكونجرس، على ما كان يؤمل، يجعله حرا للتفكير فقط فى رفاهية الشعب وخيره». لقد بدأ أوباما رئاسته على هذا المنوال. ففى رده على الأزمة الاقتصادية، تبنى مسارا وسيطا واضحا، رافضا تقبل صرخات اليسار بتأميم البنوك مع أنه تبنى كذلك نهجا أكثر إقداما وكنزيا مما يمكن لليمين أن يقبله. وفى السياسة الخارجية، أعاد أوباما تقديم صورة أمريكا فى العالم بطريقة عادت عليه بالمديح من أمثال جيمس بيكر وبرنت سكوكروفت. ولكن ذلك النهج الرئاسى الأوسع تم طرحه جانبا بصورة جزئية حين أجاز صفقة التحفيز المالى الأولى ثم تخلى عنه بالكامل فى حملته لتغيير نظام الرعاية الصحية الأمريكى. خلال الستة أشهر الأخيرة التى تزامنت مع انخفاض أرقام شعبيته قلل أوباما من تصرفه كرئيس وأكثر من تصرفه كرئيس وزراء. فهو لم يطرح رؤية شاملة للبلاد ككل. وهو لم يتبن الحلول الأفضل من اليسار واليمين لمعالجة مشكلات البلاد. وبدلا من ذلك تصرف كرئيس للحزب الديمقراطى فى الكونجرس، عاملا بصورة كاملة تقريبا وعبر التجمع الديمقراطى فى الكونجرس، مفصلا ومزينا المقترحات السياسية التى يطرحها لكى يتمكن من حشد الغالبية التشريعية لتمرير تلك المقترحات. وهو سمح للبرنامج السياسى العظيم لرئاسته أن يُكتب ويُعرف من قبل مجموعة من الديمقراطيين فى الكونجرس، متقبلا التشريعات غير المتوازنة التى برزت والفساد المتأصل فى هذه العملية. لو أن أوباما يمثل كل الشعب، فإن عليه أن يتذكر أن أزمة الرعاية الصحية العظيمة بالنسبة إلى 85 بالمائة من الأمريكيين تتعلق بالتكلفة لا أكثر. وبالنسبة إلى 15 بالمائة، فإنها تتعلق بالتغطية. ومع ذلك فإن خطته لا تقدم الكثير بالنسبة إلى الفئة الأولى وتركز أساسا على الثانية. وهى لا تروج إلا للقليل من الانضباط الحقيقى الذى من شأنه فرض خفض الأسعار، وهو بدلا من ذلك قام فى الاقتراح الحالى بالزج ببعض الأفكار والتجارب والبرامج التجريبية، التى من شأنها، ومع الوقت وإذا تم توسيعها بنشاط، أن تؤدى إلى ذلك. إنه تشريع كتبه المشرعون لضمان أنهم لن يقوموا بأى شىء لا يحظى بالشعبية لدى ناخبيهم. المدافعون عن أوباما يحاججون بأنه تصرف بصورة واقعية، ليس إلا. فالتركيز بصورة مركزة جدا على خفض النفقات كان من شأنه أن يستعدى كل القوى ذاتها شركات التأمين، شركات صنع الأدوية الكبرى التى عطلت تمرير إصلاح الرعاية الصحية فى عهد بيل كلنتون. ولكن النتيجة لا يستطيع سوى قليلين وصفها بأنها «إصلاح» وهى نتيجة فقدت التأييد بصورة ثابتة فيما كانت تسير عبر لجان الكونجرس المختلفة. فى استطلاع أجرته وول ستريت جورنال الأسبوع الماضى، سجل أوباما درجات معقولة فى ما يتعلق بجميع صفات القيادة. وكانت أدنى درجاته حين سئل الذين شاركوا فى الاستطلاع عما إذا كانوا يوافقونه على مقترحاته، وما إذا كان قد غير فعلا الطريقة التى تتم بها الأمور فى أروقة الحكومة فى واشنطن. صحيح أن الحزب الجمهورى قرر أن يكون غير متعاون بصورة سافرة، ولكن سواء كان الشيوخ الجمهوريون مستعدين لمكافأة أوباما على تبنيه نهجا ثنائى الحزبية أم لا، فإن المستقلين كانوا سيفعلون ذلك، وهو ما كان سيغير الحسبة السياسية فى واشنطن. رام إيمانويل قال متندرا إن المهمة لم تكن تتمثل فى تمرير التشريع «عبر اللجنة التنفيذية لمعهد بروكنجز، بل تمريره عبر الكونجرس الأمريكى». ولكن الحقيقة هى أن المقترحات التى من شأنها أن تعجب الخبراء ستعجب أيضا عشرات الملايين من المستقلين، أى طبقة الوسطيين سياسيا الواسعة التى تتسبب فى كسب وخسارة الانتخابات فى أمريكا. هذه هى الطريقة التى تمكن بها بيل كلنتون من الالتفاف على نوت جينجريتش وهزيمته، والطريقة التى تغلب بها تونى بلير على حزب المحافظين مدة 10 سنوات. بالنسبة إلى قضايا الرعاية الصحية، والطاقة، والضرائب، والهجرة، والعجز فى الميزانية، وكل شىء آخر، على أوباما أن يبتعد عن الاختلافات السياسية الخاصة بالتشريعات والعودة إلى أن يكون رئيسا. إن عليه أن يطرح أفضل المقترحات للمساعدة على حل مشكلات أمريكا. ربما يحصل وربما لا يحصل على الكثير من الدعم من الجمهوريين لهذه المقترحات، ولكنه سيحصل على رأس المال والقوة السياسية، وهى التى ستكون فى المحصلة النهائية الطريقة الوحيدة لتطبيق أجندة تحولات كبيرة فعلا. هذا هو النهج الذى خاض أوباما حملته الانتخابية على أساسه أصلا. فهو وعد بأنه سيسعى إلى التواصل مع جميع أنحاء البلاد وأن يستمع لأفضل الأفكار فيها وأن يكون مصدر جذب للأمة بكاملها. فقد قال: «أنا لا أرى أمريكا الزرقاء أو أمريكا الحمراء. بل أرى فقط الولاياتالمتحدةالأمريكية». على أوباما أن يغير المسار وأن يبدأ بالحكم بوصفه الرئيس الذى وعد بأن يكونه. هذا تغيير أستطيع أن أؤمن به.