قال مرصد الأزهر، في مقال له بعنوان "الانتماء ودوه في مكافحة التطرف"، إن ظاهرة التطرف من الظواهر الخطيرة التي انشغلت شعوب العالم بمواجهتها، لما تمثّله من تهديد لأمن المجتمعات وسلامتها، وصار كل مجتمع يبحث عن طوق النجاة من هذا الوباء، وذلك من خلال عدد من الوسائل والاستراتيجيات منها ما كان بالدعوة إلى التمسّك بقيم إنسانية تحضّ على التعايش والسلام من جانب، وإلى التخلّص من خصال تتنافى مع منظومة القيم الإنسانية من جانب آخر، كي تحظى المجتمعات بمزيد من الأمن والأمان وتنأى بنفسها عن التطرف والمتطرفين. وتابع المرصد، أنه ليس من الإنصاف قصر التطرّف على التطرّف الديني فحسب، بل ينبغي التنبّه إلى أنّ للتطرّف أشكالًا أخرى غير تلك التي تتصدّر صفحات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحت رايات الدّين، والدّين منها براء؛ فهناك التطرف الفكري والتطرف السياسي وغيرها من أشكال وصور التطرّف. والتطرف -بكل أشكاله وصوره- إنما ينتج عن تجاوز الحد في استخدام الشيء، فالمغالاة في المشاعر تطرف، والمغالاة في الاعتقاد تطرف، والمغالاة في التدين تطرف، لكن أخطر أنواع التطرف هو ما يدعو إلى القتل والتخريب باسم الدين، وهو المغالاة في التدين أو ما يطلق عليه التشدد الديني وهو ما ينتج عن ضعف الهويَّة الذاتية والدينية والوطنية. وأكد المرصد، أن كل متطرف ليس لديه انتماء لا إلى ذاته ولا إلى دينه ولا إلى وطنه، فلو أنه ينتمي إلى ذاته ما سمح لأحد أن يتلاعب بأفكاره ومبادئه التي نشأ وتربى عليها، ولو أنه ينتمي إلى دينه ما استطاع أحد أن يثير الشكوك بداخله إزاء حكم فقهي أو مسألة عقدية أو أمر أخلاقي، ولو أنه ينتمي إلى وطنه لاستحال على المتطرفين أن يضموه إليهم أو أن يستغلوه في تدمير بلده وتخريب منشآته. فالانتماء يقي الإنسان من شر نفسه ويقي المجتمعات من شرور المتطرفين، ويغلق عليهم أبواب الاستقطاب والتجنيد ويحول دون الاستغلال لضرب أمن البلاد ووحدتها. ودعا مرصد الأزهر، إلى التمسك بالقيم الإنسانية بكل أنواعها، والتخلي عن الصفات غير الأخلاقية بكل صورها، كما يدعو إلى تعزيز الانتماء بوصفه قيمةً أخلاقية لها تأثير بالغ في الحد من ظاهرة التطرف إذا ما غرسناها في نفوس أبنائنا، ويدعو المؤسسات التعليمية والدعوية في كل مكان إلى تخصيص دروس عن الانتماء بكل صوره وأشكاله في المناهج التربوية والدعوية؛ لتسهم بشكل فاعل في إخراج جيل محصن من الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة ولديه القدرة على محاربة هذا الوباء والتخلص منه.