سحر الموجى: لماذا عندما يكتب أحدهم سيرة ذاتية يتم وصفه بالشجاعة.. أما التشكيك كان موجها لجيلنا ميرال الطحاوى: التسعينيات تمثل حالة ثقافية واجتماعية ما قبل السوشيال ميديا والتسويق الإلكترونى منتصر القفاش: مسألة الانتقال من القصة للرواية هو التطور الطبيعى للكتابة «لقاء جماعى» بين مجموعة من كبار الكتاب والأدباء، يتحدثون فيه عن «التجربة الأولى»، للكتابة، استضافته مكتبة مصر الجديدة العامة، تحت عنوان «حكاية الرواية الأولى»؛ حيث تحدثت خلاله الكاتبة مى التلمسانى عن رواية «دنيا زاد»، وسحر الموجى التى تطرقت إلى رواية «دارية»، وميرال الطحاوى عن رواية «الخباء»، بمشاركة الروائى منتصر القفاش عن روايته «تصريح بالغياب». استهلت الأديبة مى التلمسانى حديثها خلال اللقاء الذى جرى يوم الإثنين الماضى، قائلة «جميعنا لدينا روايات أولى نعتز بها، حكاية الرواية الأولى مقتبسة من عنوان كتاب فى بيروت بعنوان «حكاية الكتاب الأول» وكان يجمع قصص وحوارات لكُتاب ومؤلفين مختلفين، عندما رأيت عنوانه قررت أن نقوم بتنظيم «حكاية الرواية الأولى» خصوصا بعدما قامت دار الشروق بإصدار رواية «دنيا زاد»، موضحة وجدتها فرصة جيدة لنجتمع ونستمع إلى حكايتنا حول الرواية الأولى فى لحظة خاصة تخص بداية المشروع الأدبى لكل منا. وأضافت التلمسانى: «كل رواية صنعت اسما كبيرا فى تاريخ الأدب المصرى، وتحدث عنها نقاد كبار وتمت متابعتها بشكل جيد، واليوم يمثل إعادة إحياء مع نشر الروايات مرة أخرى مع دار الشروق». وتابعت التلمسان «بالنسبة لى «دنيا زاد» هى التجربة الروائية الأولى، سبقها «نحت متكرر» كقصة قصيرة»، لافتة إلى أن بدايتهم جميعهم كانت بفن القصة القصيرة، مضيفة «عندما شرعت فى الكتابة شعرت أننى أكتب رواية، وعندما توجهت إلى حسنى سليمان مؤسس دار شرقيات للنشر، بعد كتابة نصوص «دنيا زاد» أخبرته بأننى لا أستطيع أن أميز إلى أى لون أدبى تنتمى هذه النصوص، خصوصا أن أدوار الخراط كان صاحب مصطلح «متتالية قصصية»، ولكن أبلغنى حسنى حينها أنها «رواية». وواصلت نحن الأربعة حدثت لنا نفس الأحساس المفاجئ، الذى يسبقه دعم من حسنى سليمان الذى لا يمانع من التفهم والنشر، فمن المهم أن الناشر يدعمك ويقوم بتشجعيك ليس فقط فى عملية الكتابة، ولكن فيما بعد مرحلة الكتابة أيضا. وتابعت الكاتبة مى التلمسانى، رواية «دنيا زاد» عوالمها حزينة، وكنت أشعر أنها لن تصل لمرحلة ال «بيست سيلر»، ولكن عندما قرر حسنى سليمان أنها رواية، وصلت أصداء نجاحها إلى حد الحصول على جائزة الدولة التشجيعية للسيرة الذاتية. وأشارت التلمسانى إلى أن الجيل الذى تنتمى إليه لديه حس مغامرة شديد فى الكتابة، من حيث اختيار موضوع الكتابة والشكل الذى سيتم تقديمه من خلاله، مضيفة «من البداية ندرك جيدا أن مشروع الأدب مشروع كبير و«مقدس»، وأنا عاهدت نفسى أن أتعامل مع موضوع الكتابة بمنتهى الجدية، حتى لو استغرق ذلك منى سنوات فى صياغة عمل ما، ولم أفقد هذه الروح منذ «دنيا زاد» إلى الآن، فألتزم بهذا المنهج وأحرص على أن يصل الكتاب إلى مستوى يرضينى شخصيا ثم يتم عرضه على الناشر ويتم نشره. وواصلت: «الجلسات عند حسنى كانت تبدأ من الساعة السادسة صباحا، إلى الثانية ظهرا، وكانت تعقد المناقشات المختلفة ونقرأ لكُتاب ومؤلفين مختلفين؛ حيث يتم خلق جو من التلاحم فى الأفكار»، مؤكدة: كنا نأخذ الكتابة على محمل الجد وعلى قلوبنا، الجملة فى النص والمشهد تلو الآخر، كان يجب أن يكون لهم معنى مفيد دون الاعتداد بعدد الصفحات». «دنيا زاد» رواية عن أم تفقد ابنتها يوم ولادتها، هكذا قالت التلمسانى عن أن روايتها الأولى تُعد سيرة ذاتية، حيث بعد خروجها من المستشفى ب 4 أيام، بدأت فى كتابتها خلال 6 شهور متتالية، وخلال هذه الفترة أعيد إنتاج البنت التى فُقدت فى الحقيقة من خلال الورق، مؤكدة أن «هذه اللحظة جعلتها تشعر أنه من واجبها أن لا تعتذر أبدا عن كتابة تجربة ذاتية»، لافتة إلى أن المجتمع يضغط على المرأة، باعترافها بكتابة سية ذاتية تخصها وكأنه يعطى الحق لنفسه بالتلصص عليها، لتتكون نظرة اتهام فى عيون القراء. وأوضحت التلمسانى: فى رأيى أن الجيل الذى أنتمى إليه خاض العديد من التجارب الخاصة التى تتسع باتساع العالم بأكمله، مضيفة: كم أم فقدت ابنتها، حالة الفقد من الممكن أن تشمل المنزل، أو أحد أفراد العائلة. من جانبه، قال الكاتب منتصر القفاش: لم يتكرر ذلك كثيرا أن نجتمع نحن الأربعة سويا فى مكان واحد منذ فترة، تحمست جدا عندما أبلغتنى مى التلمسانى بالفكرة، مشيرا إلى أهمية فرصة الحديث عن تجربة الرواية الأولى والفترة التى صدرت فيها روايته «تصريح بالغياب». وأضاف القفاش: 25 عاما أى ربع قرن مر على صدور الرواية الأولى له، أتذكر جيدا أجواء كتابة الرواية ونشرها، هذه الفترة كان الحديث عن القصة القصيرة، وفى الحقيقة معظمنا بدأ مشواره الأدبى بالقصة القصيرة، ومسألة الانتقال من القصة للرواية هو التطور الطبيعى للكتابة. وتابع: رواية «تصريح بالغياب» تعبر عن تجربتى الشخصية لمدة سنة كمجند مؤهلات عليا، فى مركز التدريب أخبرونى اننى سأذهب إلى المدرسة الثانوية العسكرية للتمريض، وبالفعل قد ذهبت إلى هناك، وكان يشغلنى سؤال كيف يمكن كتابة وصياغة هذه التجربة، ظل السؤال يتردد لمدة أكثر من عام، واستمريت فى البحث عن مدخل للكتابة، مشددا على أن المدخل فى الكتابة له أهمية قصوى، ليحيل إلى مقولة الكاتب الكبير يحى حقى «الجملة الأولى هى المفتاح». «البداية فى الرواية أخذت صيغة أشبه ما بين اليقظة والحلم»، هكذا أوضح القماش كيف اختار مدخلا أوليا رواياته الأدبية «تصريح بالغياب»، موضحا أن بطل الرواية «المكان»، مضيفا «معظم روايتنا الأولى ليست ذات كعب، ولكنها تتسم بقدر عالٍ من التكثيف». كشف بعدها القفاش، عن كواليس اللقاءات والاجتماعات داخل دار شرقيات، قائلا «كان يتم عقد جلسات مطولة قبل صدور الرواية من دردشة ونقاشات، وكانت من أمتع لحظات حياتى، حسنى سليمان ناشر يبدأ عمله من 6 صباحا فكانت جلسات صباحية فى نقاش مثمر سواء عن كتابة جارية أو عن أحوال الدنيا بشكل عام». فيما استهلت الكاتبة ميرال الطحاوى، حديثها بتوجيه الشكر لدار الشروق على إعادة طبع الأعمال الأدبية لها، مضيفة «بالفعل عندما أفكر فى الرواية الأولى أفكر فى رحلة النشر»، البداية ترتبط بوجودى فى مدينة الشرقية وكان فى ذلك الوقت لا يوجد إنترنت، لكن كنت فقط أرسل القصص بالبريد ويصلنى الرفض أو القبول بالبريد، عندما انتهيت من الجامعة وأصبحت معيدة، كتبت روايتى الأولى وتوجهت إلى دار شرقيات وقابلت حسنى سليمان وتناقشنا سويا فى العمل. وأضافت الطحاوى، فى الماضى قبل ظهور الإنترنت، كانت فكرة الرواية شىء مهم، أُدين لشرقيات بالكثير، مشيرة إلى أنها تنظر للكتابة كعملية لا تستهدف ربح المال، كما أن الناشر ليس مجرد «مطبعة فقط»، ولكنه أكبر وأهم من ذلك، لافتة إلى أهمية الفكرة التى تتمحور حول شعور الناشر ب«أنك مشروعه»، وأن الكاتب يشعر أنه جزء من دار النشر، مؤكدة على أنها «فكرة عبقرية»، مضيفة: ذلك لا يحدث فى أمريكا ولكنهم يفكرون من الكتاب كصناعة فى المقام الأول. ولفتت إلى أن التسعينيات تمثل حالة ثقافية واجتماعية ما قبل السوشيال ميديا والتسويق الإلكترونى، مضيفة: فى بعض الاوقات أراقب حالة النشر فى الولاياتالمتحدة، ولكنى لا أستطيع ملاحقة ما يتم نشره فى المكتبات. «كنت أكتب رواية «الخباء» سرا وبخط صغير» هكذا كشفت الطحاوى، عن كواليس أول أعمالها الأدبية، معبرة عن سعادتها أثناء كتابة الرواية، قائلة: «كان يتملكنى شعور بالقلق لأنها التجربة الأولى». بعدها عبرت الكاتبة سحر الموجى خلال اللقاء عن امتنانها للكاتبة مى التلمسانى نظرا لأنها صاحبة فكرة هذا اللقاء، ولأنها تحرص دائما على «اللقاء الجماعى»، مشيرة إلى أن الحديث خلال هذا اللقاء جعلها سعيدة خصوصا أن الكاتب منتصر القفاش تحدث عن السيرة الذاتية والتجربة الذاتية والوعى باللغة والتكثيف. وأضافت الموجى: «كان يتملكنا فى هذه الفترة هاجس الشكل الأخير للنص، مشيرة إلى حديث التلمسانى عن «كيف كان من الممكن يتم توجيه بعض الأسئلة وكأنها اتهام على نحو: «هل هذه بالفعل سيرتك الذاتية؟». وأضافت، «فى البداية عند نشر رواية «دارية» ومع توجيه السؤال بهذه الصيغة كنت أسأل نفسى، لماذا عندما يكتب أحدهم سيرة ذاتية يتم وصفه بالشجاعة، ولكن ومع جيلنا تحديدا يصبح ذلك مثارا للتشكيك فى القيمة الفنية للنص. وتابعت الموجى: قرأت لميرال الطحاوى ومى التلمسانى ومنتصر القفاش، قبل مقابلتى الأولى لهم، شعرت بحالة من «الونس»، عندما قرأت لهم لأنها كانت لحظة وحدة كبيرة بالنسبة لى، دار شرقيات كانت مكانا مليئا بطاقات المحبة والفكر.