• تعهد الرئيس الأمريكي نيكسون بعدم توسع الناتو شرقا يلتزم به من يخلفه وفقا لقواعد التوارث الدولي • التضييق الاقتصادي على روسيا يضر بجميع الأطراف • وقف إطلاق النار ليس نهاية المطاف لكنه خطوة لتسهيل التسوية السلمية • قبول أي دولة بالاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إجراءات طويلة تواصل القوات الروسية عمليتها العسكرية داخل أوكرانيا، التي بدأت قبل نحو أسبوعين، وأرجعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أنها ردا على تنصل السلطات الأوكرانية من الالتزام بالاتفاقيات الموقعة طيلة السنوات الماضية، مشيرا إلى ضرورة أن يكون لأوكرانيا "وضع محايد" لمنعها من الانضمام إلى حلف "الناتو". وعلى الجانب الآخر، تعتبر أوكرانيا أن ما فعلته روسيا يمثل "عدوانا وانتهاكا لسيادتها"، وطالبت المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانبها؛ لردع روسيا عن تقدمها، لتفرض الولاياتالمتحدة ودول من الاتحاد الأوروبي، عقوبات على روسيا، بالإضافة إلى إمداد أوكرانيا بالمساعدات الإنسانية وعتاد السلاح. ويستمر الوضع ويسير بالتوازي نحو قاعات التفاوض للوصول إلى حل ينهي الأزمة، وذلك بعقد جولات تفاوض بين الجانبين ومحاولات دولية للوساطة، ورغبة في مزيد من تفسير أبعاد الأحداث التي مضت، وانعكاسها على ما تم وما سيجري. وفي هذا الصدد، حاورت "الشروق" الدكتور منير زهران، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، رئيس وفد مصر الدائم في الأممالمتحدة بجنيف سابقا، الذي أشار -بصفته الشخصية- إلى وجود عهد أمريكي سابق ب"عدم توسع الناتو شرقا"، ولفت إلى أن رغبة أوكرانيا في دخول الناتو أمر "يثير حفيظة بوتين" ويشعره بأن "أمن بلاده مهدد". ونوه إلى وجود بعض التعارض بين أحكام ميثاق الأممالمتحدة، بشكل "يزيد من حقوق دول على حساب أخرى"، رغم أن مبادئ الميثاق أكدت "المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء". وأوضح أن قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي أمر "يحتاج إلى وقت ولن يتم بين يوم وليلة"، مضيفا أن تقديمها لطلب الانضمام في خضم الحرب، يمكن اعتباره "خطوة تصعيدية". وإلى نص الحوار: • العملية العسكرية على أوكرانيا، هل يقصد بوتين بها الحفاظ على أمن بلاده القومي أم يرغب في تغيير ميزان القوى العالمي؟ - يجب أن يُوجه هذا السؤال إلى الرئيس الروسي بوتين نفسه، لكنني أجيب هنا بصفتي الشخصية كمتابع للأحداث ومعايش للوقائع منذ "الحرب الباردة" وحتى وقتنا الحالي. يقرر أحد الاشتراطات الهامة التي وضعها الاتحاد السوفيتي على يد الزعيم "بريجنيف" ب"ألا يتجه حلف شمال الأطلسي شرقا"، وهو ما تعهد به الرئيس الأمريكي الأسبق "نيكسون"؛ لتكون القاعدة الأساسية لبدء مرحلة التهدئة بين القوتين. ومن المفروض بعد تَعَهُد أي رئيس، أن يمتد ذلك لمن يخلفه، حتى وإن تغير الحزب الحاكم، فالتعهد هنا ليس شخصيا بل تعهد دولة، وهو مبدأ معروف في القانون الدولي يسمى ب"التوارث الدولي". ومع احتفال حلف الناتو بعيده ال50 عام 1999، أصبح عدد أعضائه 30 دولة حاليا، ودخل في عضويته عدد من أعضاء حلف وارسو (الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفيتي السابق)، ومع تطور الأحداث، أعتقد أن الحالة الراهنة برغبة دولة مثل أوكرانيا (إحدى الجمهوريات السوفيتية السابقة) في الانضمام لحلف شمال الأطلنطى "يثير حفيظة الرئيس بوتين"؛ لأن دخول دولة تربط بينها وبين بلاده حدود مشتركة لحلف الناتو "أمر يهدد أمن روسيا". وفي تقديري، بوتين يضع في ذهنه أنه سَمح بتجاوزات سابقة بدخول دول مثل رومانيا وبولندا ومولدوفا إلى حلف الناتو، ولو تجاوز تلك المرة؛ سيكون الموقف مثل "التمساح الذي يفتح فمه ملتهما الجمهوريات السوفيتية السابقة كلها". • هل جولات التفاوض الجارية بين روسياوأوكرانيا فعّالة أم تحتاج أولًا إلى قرار دولي بوقف إطلاق النار ليدعّم جديتها؟ - لم يصدر أي قرار عن مجلس الأمن عندما عُرِض الموضوع عليه بسبب "الفيتو الروسي"؛ ما أدى إلى إحالة القضية للجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار قرار "الاتحاد من أجل السلام" والجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر توصيات. ومن خلال قراءة ميثاق الأممالمتحدة، نجد أن المبادئ المنصوص عليها في المادة الثانية تنص على "المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء"، بينما الفصل الخامس من الميثاق (المتعلق بمجلس الأمن)، يمنح 5 دول عضوية دائمة، وتمتع أعضائه بحق الاعتراض (الفيتو)، ولهذا نجد تعارضا بين مبادئ الميثاق الواردة في المادة الثانية، وما جاء في الفصل الخامس المتعلق بمجلس الأمن. وبعيدا عن إطار مجلس الأمن، فإن المفاوضات بين الجانبين يمكن أن تؤدي إلى اتفاق بوقف إطلاق النار، فحتى لو وصلنا إلى قرار دولي، فإن أول المعنيين بتنفيذه هم "أطراف النزاع"، وليس باقي الأطراف الدولية. • ما رؤيتك لموقف مصر حتى الآن من الأزمة؟ -مصر دولة محبة للسلام، وغير منحازة كقاعدة أساسية، وبحسب بيان اجتماع الجامعة العربية، فإن التأكيد جاء على أن "موقف الدول العربية محايد"، وذلك وفقا لتصريح السفير حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية. والتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، يحمل في مضمونه الدعوة لوقف إطلاق النار وتسهيل عملية الحوار. ووفقا للفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، هناك مجال لتسوية المنازعات بالطرق السلمية، التي من بينها "التفاوض"، والقرار الذي صوتت لصالحه مصر ليس فقط بشأن وقف إطلاق النار، وهو ليس نهاية المطاف، بل مرحلة من "التسوية السلمية المنشودة"، وفي رأيي "هذا لا يعتبر انحيازًا لأي من أطراف الأزمة". • ما تفسيرك لعدم تصويت بعض الدول المقربة من روسيا (مثل الصينوإيران) ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والاكتفاء فقط بالامتناع عن التصويت؟ - لا يمكننا تفسير تصرف الامتناع عن التصويت على نحو واحد وتعميمه على كل الدول الممتنعة، ف"كل دولة لها حساباتها"، فالصين مثلا في هذه الحالة قد ترغب في الانضمام إلى روسيا والوقوف ضد الولاياتالمتحدة التي تتربص لها منذ ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها أرادات ألا تصوت لجانب روسيا، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة، ومن الممكن أن يفسر ذلك بأنها "تريد أن تلعب دورا أكبر مستقبلا كوسيط يجعلها تقف بندية أمام الدول الكبرى"، بوصفها "قطب جديد في النظام العالمي". ومن جهة إيران، فإنها الآن مرتبطة بمفاوضات فيينا التي تهدف إلى إعادة الولاياتالمتحدة للاتفاق النووي معها، وتلتزم بأحكامه التي تم الاتفاق عليها في 2015؛ لذلك يمكن أن نفسر "تحييد" إيران لموقفها بأنه يهدف إلى "تشجيع الولاياتالمتحدة لإنجاح المفاوضات". • هل توسع العقوبات المفروضة على روسيا يدفعها لتغيير موقفها أم سيكون محفزا لاستمرارها بمنطق "ليس لديّ ما أخسره"؟ - بداية يجب أن أوضح أن "تلك العقوبات تصنف كقرارات سيادية من الدول التي اتخذتها، ولم تصدر عن مجلس الأمن". وموقف بوتين لا يمكنني تحديده، لكن ما أراه أن العقوبات طالما لم تتخذ شكلا إلزاميا (أي من كل الدول، وليس فقط من الدول الأطراف في العملية، مثل الولاياتالمتحدة ودول حلف الأطلسي والاتحاد الأوربي، التي تدّعي أنها ليست طرفا في تلك الحرب، بينما تُدعم أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية والإنسانية). والعقوبات سلاح ذو حدين، الأول يمكن أن يضر الدول المعنية بالعقوبات (روسيا في تلك الحالة)، والثاني يضر الدول التي فرضت العقوبات من خلال شركاتها وبنوكها، التي كانت تستفيد من خلال أنشطتها وتعاملاتها مع روسيا. • في خضم الأزمة وقع الرئيس الأوكراني طلبا لانضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، هل يعقد ذلك الأزمة؟ - أوكرانيا تفعل ذلك على سبيل "التصعيد فقط ومعاندة روسيا"، بينما نجاحها في الانضمام من عدمه لا يمكن تحديده ويجب مراقبتها، فالتقدم بالطلب شيء وقبوله شيء آخر، وما حدث يذكرني بإحدى الحكايات الطريفة، التي تروي أن "رجلا أراد الزواج بابنة الملك، وكلما يسأله الناس عن مدى تقدمه في مشروع زواجه المنشود، أخبرهم بأنه ما يزال في خطواته الأولى، إلى أن فاجأهم ذات مرة بأنه أتمّ نصف المشوار، وعندما سُئِل عن توضيح ذلك، قال (أنا وأبي وافقنا، وتبقى الملك وابنته)"، ما يوضح أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتطلب إجراءات صعبة، وهناك الكثير من النماذج التي تشير إلى ذلك، من بينها "تركيا"، فقبول العضوية يشترط أن يصوت أعضاء الاتحاد الأوروبى بالإجماع على الطلب، وكذلك توفيق الدول الراغبة في الانضمام لقوانينها الداخلية؛ لتكون متماشية مع قوانين ومعاهدات الاتحاد الأوروبى. وبصفتي شاهدا على تطورات وتوسعات الاتحاد الأوروبي في جميع مراحلها من السبعينيات بوجودي في بروكسل، فمثلا كان التوسع الأول بزيادة الأعضاء من 7 إلى 10 دول، بدخول (البرتغال، واليونان، وإسبانيا)، واستمرت العملية سنوات عديدة، رغم أنها أوروبية لحما ودما. وبنظرة عامة للموضوع، فإن أوكرانيا تقدمت بطلبين، أولهما للناتو، والثاني للاتحاد الأوروبي، والأكثر قبولا لدى روسيا هو الثاني؛ لأن طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تعاون اقتصادي، بينما الناتو "عسكري"، وفقا لنص المادة الخامسة التي تؤكد "الدفاع المشترك"؛ ما يمكن أن يكون مهددا لها. وبخصوص تعقد الأزمة، فإن كل الأمور ستحل إذا كانت نوايا الطرفين خالصة، وأن يراعي كل طرف مشاغل الآخر، في المفاوضات. • هل يمثل حق الفيتو درعا لروسيا في كل صداماتها العالمية؟ وما رؤيتك بشأن تلويح رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون بطرد روسيا من العضوية الدائمة لمجلس الأمن ومدى إمكانية تحقيقه؟ - حق الفيتو موجود في مجلس الأمن فقط، ولا يوجد في أي منظمة دولية أخرى؛ لذا نطالب بإصلاح نظام الأممالمتحدة، إلغاء ما يسمى ب"المقاعد الدائمة وحق الفيتو"، ويكون الجميع على قدم المساواة، الذي أكدته مبادئ ميثاق الأممالمتحدة؛ لأن "العضوية الدائمة بها إخلال لمبدأ المساواة فيما بين الدول الأعضاء"، و"ممارسة حق الفيتو انتهاك لمبدأ ديمقراطية العلاقات الدولية". وما فعله "جونسون" مثل الذي يصيح في الصحراء، فليس من حق بريطانيا أو أمريكا تلك الخطوة، ف"العلاقات الدولية تحكم بالقانون وليس الفتونة". ولتعديل ميثاق الأممالمتحدة، يلزم الرجوع للمادة 108 من الميثاق، التي تؤكد أن تعديل مواده يلزم أن يحوز على تأييد وتصديق أغلبية الثلثين، ويشترط أن تضم تلك الأغلبية جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فالعملية تنقسم إلى شرطين، أولهما: الحصول على أغلبية الثلثين وأن يصوت كل من الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن لصالح التعديل (الصينوروسياوالولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا)، وكذلك التصديق على التعديل في الأجهزة التشريعية لتلك الدول.