قال عنه نجيب محفوظ باعتباره واحدا من شلة الحرافيش: «كانت السخرية محور حياة محمد عفيفى، ينبض بها قلبه، ويفكر بها عقله، وتتحرك فيها إرادته.. فهى ليست بالثوب الذى يرتديه عندما يمسك القلم، وينزعه إذا خاض الحياة.. ولكنها جلده ولحمه ودمه وأسلوبه عند الجد والهزل، ولدى السرور والحنان». أمس ذكرى ميلاد الكاتب الساخر الكبير محمد عفيفى، الذى ساد اتفاق جمعى على أنه كان أشبه ما يكون بموسوعة ثقافية، عاشق للتأمل، ليس الضحك فقط هو كل إفادتك ومحصلتك منه لكنك تخرج بحصيلة من المعلومات العامة، والنوادر، وبعض حقول الثقافة الجغرافية منها والتاريخية، أكثر ما يميزه أنه ذو فلسفة شديدة للأشياء. ♦ النشأة والبدايات ولد فى محافظة الشرقية قرية الزوامل بمصر عام 1922. درس فى مدرسة التوفيقية بشبرا بالقاهرة وأتم الثانوية العامة عام1938، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1943، ثم درس دبلوم الصحافة عام 1945. ♦ أعمال رائدة يعتبر «تائه فى لندن» أوفر أعماله حظا من الشهرة، ويجزم كل من قرأ ل(عفيفي) أن له لمسة خاصة لا تتوافر لأى كاتب آخر مهما ذاعت شهرته وتخرّج فى مدرسته الأديب والمبدع (د. أحمد خالد توفيق) الذائع الصيت. قدم عفيفى خلال مشواره العديد من الاعمال أبرزها: فانتازيا تاريخية، وتائه فى لندن، ضحكات صارخة، التفاحة والجمجمة (الصادر عن دار الشروق)، ابتسم من فضلك، سكة سفر، ضحكات عابسة، ابتسم للدنيا، فانتازيا فرعونية، حكاية بنت اسمها مرمر، وعفيفى فى كتابه الصادر حديثا عن دار الشروق كان حريصًا على إبراز جانبه الرومانسى من خلال قصة عشق رقيقة تجمع بين مرمر وحمادة.. و«العسل» ثالثهما!. مرمر فتاة لا تستطيع أن تقرِّر أى شيء فى حياتها حيث ترضخ لضغوط أهلها فى كل شيء، وتفرض عليها التقاليد طريقًا لا ترضاه، وبعد أن تفشل فى حياتها تقرِّر أن تعتمد على نفسها وتستعيد حريتها. فى هذا الكتاب، يقدم لنا أيضَا «محمد عفيفى» صورًا أخرى لكفاح المرأة بكامل سخريته وخفة دمه المعروفة ضد قيود المجتمع وضوابطه فى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، من خلال قصص «ست بنات إضافيات». فى حكايته «بنت ما» يقول عفيفى: كفاية بوس يا ولاد الكلب باسكوا حنش! وكانت أمى جالسة تقور كوسة عندما قصدنا إليها نستفسر لأ ما كانتش بتقور كوسة، كانت بتقمع بامية! وشرفك كوسة وشرفك أنت بامية كوسة بامية مرمر! نخسر بعض عشان طبخة؟ ها! بدأت أنا بالاستفسار عن مسألة لغوية: ماما! هو حنش يعنى إيه؟ بسم الله الرحمن الرحيم! يعنى تعبان فاتسعت عينا مرمر ذعرا طب ليه بابا عايز تعبان يبوسنا؟ من كتر بوسكم فى بعض فتدخلت أنا: لكن التعبان إذا باسنا موش يمكن يقرصنا؟ وله أيضا كتاب بديع تحت عنوان «ترانيم فى ظل تمارا»، صادر عن دار الشروق، وبرسومات الفنان الكبير حلمى التونى، ووراء هذا الاسم صاحب نوبل نجيب محفوظ الذى اختاره لتلك القصص الأدبية، وهو آخر كتابات الأديب والكاتب الساخر محمد عفيفى، الذى توفى عام 1981، يتأمل فيها عفيفى حركة الحياة «هنا أحب الجلوس فى هذا الجو المعتدل من أوائل الخريف، حيث أحظى من الشمس بدفئها دون لسعتها. فليس من أجل عطر تمارا أجلس تحتها، لأنها قلما تجود بعطرها إلا قبيل الغروب والنهار يسلم المفاتيح للمساء. وأمينة دهشت عندما أخبرتها للمرة الأولى منذ سنوات أننى قد أسميت هذه الشجرة تمارا، ولكنها لم تلبث أن قالت معترفة: طب والنبى لايق عليها فقلت لها شارحا سر تلك التسمية: شجرة تمر حنة ح اقول لها ايه إلا تمارا؟ وانت لازم تناديها باسمها؟ طبعا، عشان تعرف انى باكلمها هى. وكانت أمينة تعرف أننى أحب أن أكلم الأشجار غير متوقع أن ترد على طبعا فاكتفت على سبيل التعليق بأن تصعبت وقالت مازحة: ربنا يكملك بعقلك! ♦ محطة الختام توفى محمد عفيفى عام 1981 بعد صراع مع المرض.. محاولًا بطريقته أن يرسم الابتسامة على شفاههم كما كانت عادته دائما فى حياته فيجعلها أيضا رسالته بعد مماته، ولقد تم تنفيذ الوصية كما أراد فلا نعى، ولا عزاء، ولا حزن إلا حزن ضحوك مبتسم كما كان هو دائمًا. اقرأ نصه البديع الساخر حول رحيله لتكتشف كم كان كاتبا كبيرا وجميلا: «عزيزى القارئ: يؤسفنى أن أخطرك بشيء قد يحزنك بعض الشيء وذلك بأننى قد توفيت، وأنا طبعا لا أكتب هذه الكلمة بعد الوفاة (دى صعبة شوية) وإنما اكتبها قبل ذلك، وأوصيت بأن تنشر بعد وفاتى، وذلك لاعتقادى بأن الموت شيء خاص لا يستدعى ازعاج الآخرين بإرسال التلغرافات والتزاحم حول مسجد عمر مكرم حيث تقام عادة ليالى العزاء، إذا أحزنتك هذه الكلمات، فلا مانع من أن تحزن بعض الشيء، ولكن أرجو ألا تحزن كثيرا».