قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    ترامب: أتوقع التوصل إلى اتفاق قريب مع الرئيس بوتين    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    اللقب مصري.. نور الشربيني تتأهل لمواجهة هانيا الحمامي في نهائي بطولة العالم للاسكواش    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالمقطم    غيبوبة سكر.. نقل الجد المتهم في الاعتداء على حفيده للمستشفى بشبرا الخيمة    بقصة شعر جديدة، كاظم الساهر يحيي اليوم حفل دبي والإعلان عن عرض ثان بعد نفاد التذاكر    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات السبت 17 مايو 2025    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    إبداعات المنوفية| دمية.. قصة ل إبراهيم معوض    إبداعات المنوفية| بين الشك واليقين.. شعر ل وفاء جلال    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 17 مايو 2025    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    بعد رباعية الجونة.. إقالة بابا فاسيليو من تدريب غزل المحلة    رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    ترامب يلوّح باتفاق مع إيران ويكشف عن خطوات تجاه سوريا وبوتين    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    رويترز: إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    شديد الحرارة نهاراً وأجواء معتدلة ليلا.. حالة الطقس اليوم    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    نجم الزمالك السابق يفاجئ عمرو أديب بسبب قرار التظلمات والأهلي.. ما علاقة عباس العقاد؟    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    رئيس شعبة الدواجن: نفوق 30% من الإنتاج مبالغ فيه.. والإنتاج اليومي مستقر عند 4 ملايين    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    غرق طالب بترعة الكسرة في المنشاة بسوهاج    كل سنة وأنت طيب يا زعيم.. 85 عاما على ميلاد عادل إمام    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    رئيسا "المحطات النووية" و"آتوم ستروي إكسبورت" يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 17 مايو 2025    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    "بيطري قناة السويس" تُطلق فعاليات بيئية وعلمية ومهنية شاملة الأسبوع المقبل    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفعيل الشراكة الوطنية أو استمرار النزاعات الدينية
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 01 - 2010

نجع حمادى، بالنسبة لجيلى، كانت دائما تذكر ويذكر معها أحد أهم مشروعاتنا العملاقة فى العصر الحديث ألا وهو «مجمع الألومنيوم»... ومن ميزات هذه النوعية من المشروعات وبحسب أدبيات التحديث أو الكتب التى تناولت تجارب التحديث فى العالم الثالث هو قدرتها على توحيد العقول والقلوب حولها من خلال جهد مشترك بين الناس على اختلافاتهم، ذلك لأن العائد سوف يعم على الجميع دون تمييز، كذلك تأثير هذه المشروعات فى تطوير المجتمعات بكل هياكلها ومؤسساتها.. لهذا «فمجمع الألومنيوم» ليس مجرد مبنى أو هيكل إنشائى منبت الصلة عن الواقع وإنما هو رمز لمشروع مجتمعى تتحقق فيه الشراكة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد من أجل بناء الدولة الحديثة القادرة على استيعاب الانتماءات الأولية فى سياق حداثى.
هذا أول ما ورد على ذهنى عندما عرفت بما حدث فى نجع حمادى من قتل عشوائى لمواطنين مصريين.. ولكن لماذا تذكرت هذا الأمر.. ولماذا جرى ما جرى؟
فى البدء «تديين» المجتمع: أربعة عقود أربع مراحل.
منذ مطلع السبعينيات تراجع، ولاعتبارات كثيرة، المشروع الجامع القادر على جمع المصريين بصفتهم المواطنية، لحساب الانتماءات الأولية فى ظل أفكار تعيد النظر فى الوضع القانونى لغير المسلمين، وتتعامل معهم باعتبارهم أهل ذمة.. وهو المفهوم الذى تم تجاوزه عمليا من خلال شراكة وطنية بدأت مع مطلع الدولة الحديثة.. حيث ناضل الجميع معا من أجل الاستقلال والنهضة. وكانت هذه بداية الآلام.. ففى هذه اللحظة تم تديين المجتمع (وهو تعبير استخدمناه مبكرا فى كتاباتنا منذ الثمانينيات)، حيث أعيد تقسيم الناس على أساس دينى. فى هذا السياق مرت العلاقات الإسلامية المسيحية منذ حادثة أخميم (1970) إلى يومنا هذا بأربع مراحل وذلك كما يلى:
أولا: المرحلة العُنفية (1972 2000)؛ حيث شهدت هذه المرحلة عددا من العمليات من قبل جماعات العنف المسلح التى استهدفت الأقباط والكنيسة.. وكانت فى مجملها مرفوضة من عموم المصريين: مسلمين ومسيحيين.
ثانيا: مرحلة الاحتقان (2000 2004)؛ فبسبب تكرار أحداث العنف، وعدم حسم كثير من القضايا العالقة، أصبح من اليسير أن تتحول أية واقعة جنائية يكون أحد طرفيها مسلما والآخر مسيحيا إلى واقعة دينية.
ثالثا: مرحلة السجال الدينى (2004 ...)، وهى المرحلة التى بدأ فيها التجاذب العقدى: الفقهى واللاهوتى، حول أفضلية كل دين، وقد ساهمت الفضائيات والإعلام الالكترونى من غرف دردشة، واليوتيوب، ومواقع على تكوين عالم سجالى شبكى واسع.
رابعا: مرحلة التناحر القاعدى (2007 ...)، حيث بدأت تحدث مواجهات بين المصريين من المسلمين والمسيحيين لأسباب عديدة: بناء كنيسة، تحول دينى، علاقات عاطفية بين شباب من الجانبين، صراع على أرض...الخ.
ولم نلتفت منذ 2007، مع حادث العياط، أنه ما أن يبدأ التناحر القاعدى بين مواطنين عاديين بسبب الانتماء الدينى.. فإنه من السهل أن يتحول هذا التناحر إلى نزاع دينى ميدانى، وهو ما عبرت عنه مذبحة نجع حمادى بامتياز. وهنا مكمن الخطورة وأساس رصدنا أن ما نشاهده إنما يعد تحولا نوعيا فى مسيرة العلاقات الحياتية بين المصريين... (وقد حذرنا من هذا الأمر قبل سنتين فى دراسة بعنوان التوتر الدينى تجاوز حد الأمان، وفى مقال لنا قبل واقعة نجع حمادى بأسبوع فى العدد السنوى من الأهرام ويكلى 31/12 2009).
نحن وهُم
على مدى العقود الأربعة.. كُتِبَت آلاف الأسطر، وعقدت مئات اللقاءات فى محاولة لتفسير ما يحدث.. تنوعت المقاربات والمناهج، وتعددت مستويات التحليل... ولكن لم يتحرك أحد فى محاولة لإنقاذ النتائج السلبية التى تنتج عن كل مرحلة من مراحل العلاقة بين المصريين.. وساهم فى أن تتفاقم الآثار السلبية لهذه النتائج مجموعة من العوامل منها:
غياب الموحدات الوطنية التى كانت قادرة على توحيد الناس فى الإطار الوطنى الجامع لحساب انتماءات أولية متوازية.
الانحياز للمشروع النيو ليبرالى الذى بموجبه تخلت الدولة عن كثير من أدوارها الاجتماعية، فما كان من المواطنين إلا أن يبحثوا عما يؤمن لهم حياتهم خاصة فى مجالات ارتفعت تكلفة الحصول عليها مثل التعليم والصحة. فكان الارتداد إلى الكيانات الدينية هو الحل... وعليه باتت الرابطة الدينية تأتى قبل الرابطة الوطنية.
اللجوء إلى الانتماءات الأولية حيث باتت كل جماعة تعيد تشكيل وجدان وعقل أتباعها وتكوين ذاكرة تاريخية مستقلة لهم.. ما يعنى تكوين جماعات متجاورة غير متفاعلة.. لأن الوطن الجامع القادر على تشكيل الوعى الجمعى لم يعد قادرا على ذلك ولا يسعى لذلك.. والنتيجة أن أصبح لدينا أوطانا عدة فى داخل الوطن الواحد.
فى هذا السياق، ومع مرور الوقت، تكلست المشاعر، وتصلبت المواقف... فمن جهة نجد المواطنين المسيحيين وقد تولد لديهم الإحساس بأنه لا توجد إرادة جدية لحل المشاكل العالقة، وأنهم تحملوا ما لا يمكن تحمله الذى كانت ذروته قتل شباب يصلون فى داخل كنيسة أبى قرقاص (بعد منتصف الثمانينيات)، وتعرضهم لعمليات إزاحة فى ديروط ونصب (مطلع التسعينيات من القرن الفائت)، أما المواطنون المسلمون فأصبحوا يشعرون بأن هناك قوى خارجية تسمح لنفسها بوضع ملف الأقباط على مائدة الاهتمام والنقاش، وأن هناك محاولات للتقليل من الإسلام لعل الشرارة الأولى فى هذا المقام بدأت مع واقعة السيدة التى أسلمت وتراجعت عن إسلامها..
وهكذا يقف كل طرف عند ذاكرته السلبية بالطبع التى تبلورت تجاه الآخر والتى ينتج عنها بحسب الباحث الفرنسى فى العلوم السياسية برتران بادى أن يقوم كل طرف بتعبئة أتباعه تجاه الآخرين، أولا: بالتبشير بفضائل الذات، وثانيا: بالتهجم على الآخر، فتصبح اللغة السائدة:
* نحن وهم.. وتتكون أساطير عن كل طرف تدعم بالدين وبالمتواتر من القصص الدارجة بغرض الإعلاء النهائى والحاسم للهوية الذاتية.. وتوسل السجال الدينى لكسب الآخر وربما القضاء عليه، والنتيجة أن العقد الاجتماعى الذى ربما يكون قد اتفق عليه يوما ما لم يعد نافذا أو أنه معطلا، وأن المسيرة النضالية التى قطعها المصريون يوما معا قد توقفت.
ما العمل؟
لابد من الاعتراف بأننا جميعا: دولة، ومجتمعا مدنيا، وكيانات دينية، قد فشلنا بوعى أو بغير وعى فى أن نجعل من الاندماج الوطنى حقيقة.. أى أن نجعل «التكافلات الأفقية» هى الجامعة للمصريين (تكافلات المصالح المادية لمختلف الفئات الاجتماعية من خلال النقابات والاتحادات والروابط والأندية والشراكة الاقتصادية...الخ)، أى التأكيد على أن هناك ما يمكن أن يربط بين المصريين غير الدين.. فالمصرى المسيحى يمكن أن يربطه بالمصرى المسلم بالرغم من الاختلاف الدينى الانتماء الطبقى، والانتماء المهنى، والرياضى...الخ.
إن حادثة نجع حمادى، تأتى لتلخص لنا الحالة التى وصلنا إليها.. فالثأر وجه لديانة أكثر مما وجه لفرد اغتصب فتاة.. كما أن التصريحات المختلفة من جميع الأطراف والتقارير الميدانية والتغطية الإعلامية والمعالجة الحكومية.. تشير إلى أى مدى اختلطت الأمور ببعضها البعض: القبلى والحزبى والدينى والسياسى، وعن حدود دور كل طرف، ومن يتحدث باسم من، وغلبة الحسابات الضيقة على الصالح العام. ففكرة الوطن تتضاءل بمقدار ما يختفى المشروع الجامع.. ووحدة المشروع النهضوى الوطنى القادر على استعادة أبناء الوطن الواحد..
والسؤال هل يمكن أن تواصل الجماعة الوطنية مسيرتها وهى تموج بالتوتر، ألا تكفى أربعة عقود من التوتر المستمر، ألا يخشى من أن ننزلق إلا ما هو أبعد من التناحر القاعدى إلى النزاع الدينى.. أليس هناك العديد من الأزمات الجديرة بأن ننشغل بها معا لأنها تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل هذا الوطن: من تناقص للموارد المائية، ولمصادر الطاقة، والبطالة، والأمية، والزيادة السكانية، وضعف مستويات التعليم والصحة... الخ، ولا ينفى ما سبق أن تتبنى القوى الوطنية سرعة توفير تشريعات قانونية لامتصاص الاحتقان تأخرت كثيرا وذلك فيما يخص: بناء دور العبادة، وتنظيم حرية العقيدة كما تنص المادة 46 من الدستور، وابتكار صيغ تمثيلية تتيح حضور الغائبين، ومواجهة جميع أشكال التمييز. إن هذا هو المدخل إلى تفعيل الشراكة الوطنية التى تتيح لمصر أن تتجاوز نجع حمادى القتل والتدمير إلى نجع حمادى مجمع الألومنيوم معا دون تمييز...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.