«سلام» يعرب عن تطلعه لدعم التعاون مع مصر في مختلف المجالات    محافظ أسيوط يتابع اللمسات الأخيرة لمنافذ ومعرض دائم أسفل كوبري فيصل    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية ومحافظ سوهاج يفتتحون محطة معالجة ثلاثية للصرف    وزير الزراعة يعلن قرار المفوضية الأوروبية بخفض فحوصات الموالح المصرية إلى 10% بدلًا من 20%    بث مباشر| لقاء دكتور مصطفى مدبولي مع الهيئات الاقتصادية وغرف التجارة والصناعة بلبنان    حماس: نتوقع من محادثات ميامي وضع حد للخروقات الإسرائيلية    حكايات منتخب مصر مع أمم أفريقيا| طاهر أبو زيد.. قدم ذهبية صنعت مجد لقب 1986    كأس أمم إفريقيا 2025 | أوغندا تبحث عن بصمة جديدة وسط مجموعة نارية    جسّد أسمى معاني التضحية.. نقابة الأطباء تنعى وفاة طبيب بطلق ناري بقنا    ندوة تناقش 3 تجارب سينمائية ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    اطلاق بوستر الدورة ال16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    عبدالغفار يلتقي وزير الصحة الموريتاني لبحث سبل التعاون في عدد من الملفات    شاهد الان بث مباشر.. الأهلي يواجه سيراميكا كليوباترا اليوم في كأس عاصمة مصر    الأهلي يواجه أصحاب الجياد في ربع نهائي دوري مرتبط سيدات الطائرة    وزيرة التخطيط ووزيرة التنمية المحلية ومحافظ سوهاج يتفقدون المنطقة الصناعية غرب جرجا    ضبط 99530 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدي الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    مصر ترحب بتعيين برهم صالح مفوضا ساميا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    عاجل- نواف سلام يؤكد: العلاقة مع مصر تتجاوز تبادل المصالح    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    رئيس الإنجيلية: ميلاد السيد المسيح يحمل رجاء يغيّر العالم ويمنح الأمل لجميع البشر    وفاة 7 أشخاص وإصابة 5 آخرين في حريق سيارة سوزوكي على الطريق الإقليمي    زفاف نجل حنان ترك وسط الأقارب ورواد السوشيال يتساءلون عن غيابها    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    انتخابات النواب 2025، ننشر الحصر العددي لدائرة السنبلاوين وتمى الأمديد في الدقهلية    الاحتلال ينصب حاجزا عسكريا عند مدخل ترمسعيا شمال رام الله    رسائل السيسي لقادة فرنسا والسودان والكونغو الديمقراطية تتصدر نشاط الرئيس الأسبوعي    وزير الخارجية يلتقى نظيرة الجزائرى لبحث تعزيز العلاقات الثنائية    بوتين: حتى الآن لا نرى أي استعداد لدى نظام زيلينسكي للتسوية    وزير الزراعة يبحث مع مزارعي الإصلاح بالبحيرة وأسوان حلول لرفع الأعباء عن كاهلهم    محافظ أسيوط يعلن افتتاح صيدلية "إسعاف 24" بحي شرق    جهود متسارعة لإنقاذ اتفاق دمج «قسد» مع الحكومة السورية قبل نهاية العام    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    بدر الرفاعي: شعرت بألفة خاصة تجاه كتاب «إعلام الجماهير»    خلاف جون إدوارد وأحمد حمدى يعجل برحيله عن الزمالك وبيراميدز يراقب موقفه    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    "الوزراء": الحكومة تمنح تيسيرات لزيادة عدد الغرف الفندقية وتحويل بعض المنشآت السكنية    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    الأرصاد تحذر من أجواء شديدة البرودة وانخفاض الصغرى على القاهرة ل 11 درجة    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    وزير الصحة يلتقي الأطباء وأطقم التمريض المصريين العاملين في ليبيا    الداخلية تضبط 20 شخصا من أنصار مرشحين بسبب التشاجر فى الإسماعيلية    أستاذ لغويات: اللغة العربية تمثل جوهر الهوية الحضارية والثقافية للأمة    مراسم استقبال رسمية لرئيس الوزراء لدى وصوله السراي الحكومي بالعاصمة بيروت    حمد الله يعتزل اللعب الدولي بعد التتويج بكأس العرب    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    أفضل أوقات استجابة الدعاء يوم الجمعة – اغتنم الساعة المباركة    العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتابع إجراءات تشغيل البالون الطائر بالأقصر    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    نجاة الفنان وائل كفوري من حادث طائرة خاصة.. اعرف التفاصيل    ننشر المؤشرات الأولية لعمليات فرز الأصوات بالدائرة الثالثة بالشرقية    مؤشرات أولية طبقا للحصر العددي، تقدم سيد حنفي في دائرة الخليفة    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    «قلبي اتكسر»| أب مفجوع ينهار على الهواء بعد انتهاك حرمة قبر نجلته    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بيت المساكين».. سردية رهيفة لثنائية العقل والإيمان
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2022

«بيت المساكين» (الصادرة أخيرا عن دار الكرمة للنشر) هى الرواية الأولى للكاتب الشاب مينا عادل جيد. مينا أعلن عن نفسه لجمهور القراء والمهتمين فى مصر بكتابه الرائع «كنت طفلًا قبطيًّا فى المنيا»، أصداء تلقى الكتاب كانت مذهلة بكل ما تعنيه الكلمة؛ قوبل الكتاب بحفاوة كبيرة، واستحق عنه بجدارة حصد جائزة أحسن كتاب فى معرض القاهرة الدولى للكتاب دورة 2021 وكُتب عنه الكثير من المقالات والإشادات الرائعة بأقلام صفوة من النقاد وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية المرموقين.
قبل أن يصدر مينا روايته «بيت المساكين» أخرج مجموعة قصصية لافتة بعنوان «البطرخانة» كانت إرهاصًا مضيئا بموهبة أصيلة وكاتب واعٍ يفكر كثيرًا ويقرأ كثيرًا قبل أن يخطو خطوته التالية. مينا عادل جيد؛ صوت إبداعى مبشر وواعد، ويخطو خطواته الأولى بثقة وثبات، وها هو يقدم لنا هذه الرواية البسيطة الجميلة التى لا أتردد فى وضعها ضمن أجمل الروايات التى صدرت فى 2021.. على الأقل بالنسبة لى.
يستكمل مينا رحلته فى البحث تحت طبقات الوعى والمعرفة؛ متأملًا ومراجعًا ومسائلًا ذاته وطبقته الاجتماعية وانتماءه الدينى، لكن هذه المرة «روائيًّا» وليس «أنثروبولوجيًّا» كما فعل فى «كنت طفلًا قبطيًّا فى المنيا».
تدور أحداث «بيت المساكين»؛ فى واحد من أهم وأكبر الموالد القبطية العريقة؛ مولد السيدة العذراء فى الصعيد، فى الثمانينيات تقريبًا، أجواء الرواية مستوحاة من تجربة أسرة «مينا» بمولد دير العذراء مريم بجبل الطير فى المنيا الذى زارته العائلة المقدسة ضمن محطات رحلة هروبها إلى مصر، يقول مينا «المولد كان بالنسبة لأسرتى بمثابة حج أو مصيف سنوى مقدس، لدرجة أن جدى لأبى كان يدخر من دخله طوال شهور السنة كلها لكى ينفق ما ادخره طوال سنة فى سبعة أيام فقط نقيمها فى المولد، وأنا حضرت هذه الأيام فى طفولتى وتعلقت بها للغاية، ومولد العذراء فى المنيا هو أكبر الموالد القبطية فى مصر، وفى تقديرى الشخصى، إذا كان المسرح هو أبو الفنون فى حضارات أخرى، فإن «المولد هو أبو الفنون فى مصر».
عبر صفحات الرواية ال 159 نتابع بعيون الراوى الطفل الصغير صموئيل مشاهدات وطقوس المولد؛ بكل ما تعنيه الكلمة؛ من أصغر مفردة أو علامة ثقافية بالمعنى الأنثروبولوجى الواسع للكلمة، وليس بمدلولها الطقسى المسيحى فقط، إلى مدائح المداحين وأغانى المولد وألعابه وطقوسه.. إلخ.
يراوح مينا بين السرد والحوار لطرح أفكاره المتسائلة والمشاغبة حول الممارسات والطقوس الموروثة؛ يغازل بحنان ونعومة ثنائية «العقل والإيمان» التى تشكل أزمة حقيقية لأصحاب التدين الأعمى الذين يرفضون بأى شكل وضع أى تصور موروث محل سؤال أو شك أو مراجعة!.
فى ظنى يستلهم مينا روح العظيم نجيب محفوظ فى نصيه المدهشين «حكايات حارتنا» و«أصداء السيرة الذاتية»؛ نحلق مع شخصية «جوارجيوس المسكين» الذى أراه معادلا سرديا لشخصية عبدربه التائه فى «الأصداء» ذلك الشيخ أو الولى الروحانى الناطق بصوت الحكمة الإلهية والأسرار الربانية والصادح بلحن الوجود الشجى.
نرى ذلك فى شخصية «جوارجيوس المسكين» الذى يخاطب الراوى ب «الراعى الصالح الطيب» الذى يحمل حَمَله على كتفيه، ويشفق عليه من الذبح حتى لو كان قربانا للسيدة العذراء كى تتشفع فى شفاء أمه من مرض السرطان.
سبعة أيام ممتعة نصحب فيها صموئيل الصغير فى مولد العذراء بجبل الطير فى المنيا؛ نجوس فى حنايا الجبل وثناياه؛ نشم الروائح التى يختلط فيها الفقر بالقداسة، والبخور والحنطة بروائح الصرف الصحى، ونشع الزمن بسير القديسين والحكايا والأحلام.
صموئيل الذى يراوح بين محبته بجوارجيوس المسكين حفيد المساكين؛ وإعجابه الدفين والعميق بصرامة وحدية تفكير أخيه الأكبر بطرس؛ الذى تعلم الفلسفة وقرأ الآداب واطلع على المعارف الحديثة، وأحب السينما خاصة الإيطالية، ويحلل مشاهدها ببراعة واقتدار؛ إنه فى النهاية أيقونة العقل الجامح الذى لا يرضى بالخنوع ولا الطاعة ولا الاستسلام للموروث؛ كل شىء يخضع للحساب والسؤال والشك والمراجعة؛ فيما يطل الطفل الصغير المندهش المتطلع بين نموذجى جوارجيوس المسكين وبطرس الشاك المتسائل؛ ويحسم بسلوكه المسألة كلها؛ يذرف الدموع على حمله الصغير ويتحمل رائحة الوشام الكريهة وهو يدق الصليب على جلد يده.
بالتأكيد. برع مينا فى توظيف خبراته ومعارفه ومعايشاته التى قضاها مع أسرته واكتسبها منهم؛ لقد وعى تماما بقيمة وثراء تجربة طفولته فى مولد العذراء بعد أن بزغ اهتمامه الأنثروبولوجى الخالص، واطلاعه على كتبٍ مهمة؛ مثل كتاب «الموالد والتصوف فى مصر» لنيكولاس بيخمان، وغيرها من الكتب التى بها بحث ميدانى وتحليل دقيق للممارسات الثقافية فى الموالد والأعياد والطقوس الدينية.. يقول لى «ثم بعد قراءتى لرواية «أيام الإنسان السبعة» لعبدالحكيم قاسم، الفريدة من نوعها، اتخذت قرار كتابة الرواية، قلتُ لنفسى: أنا أيضًا لدىّ ما أقوله عن الموالد فى مصر، وجلست أكتب بدون خطة واضحة لسير الرواية أو شخصياتها أو حجمها أو لغتها، ولكنى كنت أكاد أرى أجواءها، وأسمع أصوات الأسواق والبيوت والمدائح والتراتيل القديمة والوشامين، وأصحاب «المراجيح».. إلخ.
وفى وسط تلك الأجواء وجد مينا نفسه طفلًا صغيرا ذكيا يراقب ويتأمل ويندهش، فحرص على أن يكون الراوى طفلًا، يقدم من خلال وعيه وفضوله وسؤاله تجربة هذه الرواية الرهيفة الصادقة فى تصويرها؛ بلغة راوحت بين الرصد والتسجيل والتوثيق دون أن يفارقها حس شعرى يتألق فى ومضات دقيقة هنا أو هناك عبر النص.
رواية جميلة تصور لنا قطعة حميمة من ثقافة وتاريخ وتصورات أشقاء لنا فى هذا البلد منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.