خلال الأزمة الاقتصادية التى امتدت لعامين، تحدت آسيا جميع المتشائمين. فعلى خلاف الولاياتالمتحدة وأوروبا، لم تعان البلدان الآسيوية (ربما باستثناء اليابان) من أى مشكلات اقتصادية جدية. ولم يشهد النمو الاقتصادى تباطؤا يذكر فى 2009، فى الوقت الذى وقع فيه بقية العالم المتقدم أسيرا للركود. كما أكدت الهند والصين، على سبيل المثال، أن اقتصاداتهما حققتا نموا قدره نحو 8% فى عام 2009، وأنهما سوف تواصلان النمو بالمعدل السريع ذاته فى 2010. ويقدر صندوق النقد الدولى أن آسيا، بما فيها اليابان الدولة المعمرة المتباطئة سوف تستمر فى النمو على الأرجح بمعدل 5.75% فى عام 2010. وفى المقابل، من المتوقع أن تنمو الولاياتالمتحدة والاقتصادات الأوروبية بمعدل قليل يبلغ 1.25% فى 2010. وحيث إن آسيا هى النجم الساطع فى عالم كئيب، فقد أصبح الجميع تقريبا يرونها باعتبارها تمثل مستقبل العالم. ولا يتوقع المجتمع الدولى من آسيا الاستمرار فى زيادة قوتها ونفوذها فحسب، لكنه أيضا يعتمد عليها فى تحمل المزيد من المسئولية عن العالم. لكن ما يجب أن يحد من التوقعات بشأن الدور الآسيوى فى الشئون الدولية هو الإدراك الثاقب للمشكلات والتحديات التى تواجهها المنطقة. وربما كان أداء آسيا خلال الأزمة الاقتصادية أفضل كثيرا من أداء الولاياتالمتحدة وأوروبا، لكن آسيا لديها مصاعبها ومشكلاتها الخاصة.
وتواجه آسيا ثلاثة تحديات كبرى على الأقل فى العام الجديد التحدى الأول: قد تكون المنطقة فى حالة رخاء من الناحية الاقتصادية، لكن بها بعض النقاط الأكثر سخونة فى العالم. ذلك أن الحرب فى أفغانستان تمتص المزيد من القوات العسكرية الأمريكية، بينما لا توجد فى الأفق نهاية لهذا الوضع. وتواجه باكستان، الدولة التى تملك سلاحا نوويا، كارثة التطرف والإرهاب، مما يجعلها تمثل كابوسا أمنيا حقيقيا بالنسبة لآسيا. كما أن حكومتها أضعف من أن تستطيع القضاء على قوات طالبان التى تجد مأوى لها فى داخل الحدود الباكستانية. وتواصل كوريا الشمالية، التى تحدت الولاياتالمتحدة وقامت باختبار صاروخين نوويين، التصرف بطريقة عوجاء، حيث تدعو إلى المفاوضات وتحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة فى يوم، ثم تقوم بأفعال استفزازية (مثل نقل أسلحة محرمة للخارج وإجراء تجارب للصواريخ) فى اليوم التالى. ودون القيام بعمل إقليمى فعال لمواجهة هذه التهديدات الأمنية، لن تكون آسيا منطقة آمنة. وفى الوقت الحالى، تعتمد الدولتان الأقوى فى آسيا، وهما الصين والهند، صراحة على أمريكا كشرطى آسيا. لكنهما يجب أن تدركا أن العم سام أصبح رجل شرطة ضعيفا. وإذا لم يقدم البلدان مساهمة أكبر فى أمن آسيا، فسوف يتكبدان ثمنا باهظان جراء الفشل الأمريكى المنطقة. التحدى الثانى: تحتاج الصين والهند إلى تحسين علاقتهما فى 2010. ففى 2009، اتخذت كل من الدولتين خطوات فى غير محلها أدت إلى تراجع العلاقات بينهما. فقد اتهمت الهند الصين بأنها أصبحت متنمرة، فى حين رأت بكين أن نيودلهى غيورة وتافهة وسيئة الأداء. وتدهورت العلاقات الثنائية جراء ذلك. ولعل جذور التوتر بين البلدين الآسيويين الكبيرين أعمق من مجرد النزاعات الحدودية التى لم تجد حلا (فى عام 1962، هزمت الصين الهند فى حرب حدودية قصيرة). ومنذ فترة طويلة، اتخذت الصين من باكستان مصدر الخطر الأول بالنسبة للهند حليفا إستراتيجيا بغرض كبح طموحات الهند. ومن أجل ترجيح الميزان لغير مصلحة الهند، أمدت الصين باكستان بمساعدات عسكرية واقتصادية كريمة، بل أنها ساعدت باكستان فى تطوير برنامجها للسلاح النووى. وبالطبع، تشعر الهند بالاستياء العميق إزاء تدخل الصين فى محيطها. وفيما يتعلق بالصين، فإنها لا تجد فى الشراكة الإستراتيجية الناشئة بين واشنطن والهند شيئا يمكن أن تحبه. وفى ظل إدارة بوش، تبنت الولاياتالمتحدة خطة استراتيجية بعيدة المدى لدعم قوة الهند (عبر منح الهند الإمكانية غير المقيدة تقريبا لأجل الحصول على الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وبالطبع مدها بالوقود النووى من أجل توسيع ترسانتها النووية) بهدف استخدامها لتقييد موارد الصين الاستراتيجية. وفى ظل تدهور العلاقات بين الهند والصين، ربما تكون الولاياتالمتحدة قد حققت هدفها الاستراتيجى. غير أن العداء المستحكم بين القوتين الصاعدتين يمكن أن يؤدى إلى كارثة، لا يقتصر تأثيرها على المليونين ونصف المليون نسمة هم عدد سكان البلدين، ولكنه يمتد ليشمل المنطقة بأسرها. ومن ثم سيتعين على كل من بكين ونيودلهى اتخاذ إجراءات ملموسة لتهدئة لغة الخطاب المتبادل، وإصلاح العلاقات فيما بينهما فى 2010. والتحدى الثالث: ربما يدخل التعافى الاقتصادى الآسيوى مرحلة من عدم اليقين فى 2010. وإلى وقتنا هذا، كان أداء آسيا أفضل كثيرا من أداء بقية العالم. لكن الاقتصادات الآسيوية الكبرى لم تعد هيكلة اقتصاداتها بشكل حقيقى. كما أن بعض الإجراءات التى اتخذت بغرض تجنب الركود يمكن أن تأتى بأثر عكسى فى السنوات القادمة. وعلى سبيل المثال، فإنه باستثناء الهند، تعتمد جميع الاقتصادات الآسيوية الكبرى اليابان والصين وكوريا الجنوبية وتايوان بشكل مفرط على الصادرات. وفى الوقت الذى تعانى فيه الاقتصادات الكبرى فى العالم من ارتفاع البطالة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادى، ربما تواجه الصادرات الآسيوية جمودا فى الطلب على سلعها، إن لم يكن انخفاضا، فى السنة الجديدة. وإذا لم تتمكن هذه الاقتصادات المعتمدة على التصدير من زيادة الاستهلاك المحلى، فإن معدلات النمو سوف تنخفض على الأرجح فى 2010. ويمثل تنفيذ ما يطلق عليه «إستراتيجية الخروج» تحديا ثانيا. فقد ضخت جميع حكومات هذه الدول مقادير ضخمة من الإنفاق المالى والائتمان فى الاقتصاد خلال عام 2009، من أجل تحفيز النمو. لكن مثل هذا الإنفاق والائتمان لا يتمتع بالاستدامة. والأسوأ من ذلك أنه فى حالة الصين زاد التوسع الضخم فى القروض التى تقدمها البنوك فى 2009 (حيث أصبحت القروض تمثل حاليا 25% من الناتج المحلى الإجمالى) من مخاطر حدوث فقاعة منازل، وظهور القروض السيئة فى المستقبل. فقد أصبحت أسعار الشقق فى بكين وشنغهاى تقترب من مثيلاتها فى المدن الأمريكية والأوروبية ذات الأثمان المرتفعة. وفى اليابان، سيؤدى استمرار الإنفاق المالى الذى يجرى تمويله بالعجز إلى زيادة الدين العام ليصل إلى مستويات فلكية (لقد أصبح الدين العام فى اليابان يقترب بالفعل من 200% من الناتج المحلى الإجمالى). غير أنه فى ظل تباطؤ سرعة آلة الصادرات الشهيرة نتيجة نهاية مرحلة الإفراط فى الاستهلاك من جانب الأمريكيين، فربما لن تجد الحكومات الآسيوية بدا من الحفاظ على مستوى الإنفاق العام فى 2010.
فى الوقت الراهن، من المرجح أيضا أن تقوم هذه الحكومات بمواجهة الضغط المتزايد من جانب الولاياتالمتحدة وأوروبا كى تعيد تقييم عملاتها. ذلك أن الصين بشكل خاص، سوف تواجه تزايد هذه الضغوط لتبلغ مستويات عير محتملة فى 2010، لأن عملتها، الرنمينبى، قد أصبحت بالفعل مرتبطة بالدولار، وتعتبر مقيمة بأقل من قيمتها بكثير. وبينما يساعد تقييم العملات بأقل من قيمتها الصين والدول الآسيوية الأخرى على زيادة صادراتها، فإن هذه الاستراتيجية تضر بالولاياتالمتحدة وأوروبا. ومن ثم قد يكون عام 2010 هو عام حرب العملات تتلوها حرب تجارية بين الصين وبقية العالم. وعلى كل حال، فإن عام 2010 الذى يعتبر عام النمر وفقا لدائرة الأبراج الصينية، لن يكون عاما يبعث على الملل.