جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب النقل والشهادة الإعدادية بالجيزة .. اعرف التفاصيل    «التضامن» تشارك فى احتفالية ذوى الإعاقة    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    عضو "شركات السياحة": لا سياحة حقيقية دون منظومة نقل متكاملة    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    البورصة المصرية تلتقي بأطراف السوق لمناقشة مقترحات تطوير آليات التداول    وزير الخارجية يؤكد أهمية استعادة الشمولية بمبادرة حوض النيل الجنوبي والشرقي (صور)    الجنائية الدولية: عقوبات أمريكا على عضوي المحكمة اعتداء صارخ على استقلال هيئة قضائية    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    حكمان مصريان بمعسكر إعداد الحكام المرشحين لكأس العالم 2026    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    محافظ الجيزة: إجازة رسمية للطلاب من الامتحانات الإثنين 19 يناير بمناسبة عيد الغطاس    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    مفتي الجمهورية: اللغة العربية معجزة إلهية خالدة ووعاء حضاري جامع    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    الصحة والمالية بالشرقية ناقشا توحيد أسس الحافز التكميلي وتعظيم الموارد الصحة    5 لاعبين على رادار الزمالك فى الشتاء رغم إيقاف القيد.. تعرف عليهم    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟ أمين الفتوى يجيب    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    ترامب يوافق على 10 مليارات دولار أسلحة لتايوان.. والصين تحذر من نتائج عكسية    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    صوتي أمانة.. "غازي" عنده 60 سنة ونازل ينتخب بكفر الشيخ: شاركت أنا وعيلتي كلها| صور    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    ضبط شخصين يوزعان كروت دعائية وأموال على ناخبين بأجا في الدقهلية    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    البرهان يزور القاهرة لبحث تهدئة الأزمة السودانية وتعزيز العلاقات الثنائية    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار العشرين لسندات توريق بقيمة 1.1 مليار جنيه    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الداخلية تضبط شخصين يوزعان أموالا بمحيط لجان أجا بالدقهلية    محافظ الجيزة يعتمد مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الأول للصفوف الدراسية    ضبط شخص ظهر في فيديو داخل أحد السرادقات بالمعصرة وبحوزته جهاز لاب توب وسط حشود من المواطنين.    عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    مركز التنمية الشبابية يستعد للبطولة التنشطية لمشروع كابيتانو مصر    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر ويشارك في احتفالات اليوم الوطني    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    في خطابه للأميركيين.. ترامب يشنّ هجوما قويا على بايدن    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن ملل كمال جنبلاط وسؤال رفيق الحريري وصمت المطارنة
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 11 - 2021

منذ أقل من شهر ومن بين كل شوارع العالم الخطيرة والمحكومة من قبل العصابات، اتجهت الأنظار نحو شارع صغير يفصل بين حيى الشياح وبدارو (عين الرمانة) فى مدينة بيروت. استطاع شارع بما يرمز إليه من تاريخ وسياسة ودم وبشر وحجر أن يستقطب معظم القنوات الإعلامية، المحلية والأجنبية، ناهيك عن استعادة مفردات من قاموس الحرب الأهلية اللبنانية.
بعيدا عن الكلام الأكاديمى وعلاقة لبنان المتنوع ثقافيا بالإقليم. وبعيدا عن علاقة الموقع الجغرافى بالسياسة والمسمى بالجغراسياسة. بعيدا أيضا عن معدلات الفقر المتصاعدة ومؤشرات الهجرة المكثفة وتردى البنى التحتية أو حتى سعر صرف العملة المحلية. بعيدا عن كل هذا. لماذا هذا الاهتمام الإعلامى بأحداث الطيونة والشياح وبدارو؟ لماذا يحصد اشتباك مسلح فى شارع لبنانى هذا الاهتمام منذ ثلاثة أسابيع حتى الآن؟
•••
لن أخوض فى ما قاله الإعلام أو أهل السياسة. استوقفنى اهتمام سيد الكرملين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين القابض على خريطة بلاد الشام بقوته غير الناعمة. أدلى القيصر الروسى بتصريح لا يظهر مدى أهمية لبنان السياسى فقط بل مدى تأثير صراع أهلى فى شارع ذى رمزية تاريخية على ضفة البحر الأبيض المتوسط على موازين القوى العالمية.
ثمة جواب وجدته عند الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعى اللبنانى الراحل جورج حاوى فى كتاب الزميل غسان شربل «جورج حاوى يتذكر الحرب والمقاومة والحزب». يروى حاوى كيف أن نظرية الانتصار الوشيك لا تقاس بالأمتار والمسافات، وأنها عملية سياسية مركبة تأخذ بالحسبان عناصر عديدة لعل أهمها تداخل الإقليمى بالدولى. يشرح كيف أصيب الزعيم الدرزى كمال جنبلاط بالملل فى ذروة الحرب الأهلية فى العام 1976. فى تلك المرحلة، انقسم لبنان بين ما تسمى «القوى الانعزالية» بقيادة حزب الكتائب وبين ما تسمى «القوى الوطنية والتقدمية» بقيادة اليسار اللبنانى. يقول حاوى «كنا قاب قوسين أو أدنى من بكفيا (معقل حزب الكتائب ومسقط رأس آل الجميل)، وبالتالى من جونية. وبما أننى من المنطقة (من بلدة بتغرين المتنية) كان يسألنى جنبلاط بإلحاح: كم تبعد المروج والكسارات عن بكفيا؟ وكم بقى من المسافة لتلتحق القوات المشتركة بقوات الحزب الشيوعى فى بتغرين وقوات الحزب السورى القومى الاجتماعى فى ضهور الشوير؟ كنت أجيبه أن المسافة نحو كيلومترين تقريبا، فكان يجيبنى «يا عمى ألا يمكن اجتياز هذين الكيلومترين؟».
أجابه حاوى والكلام له «قلت له يا كمال بك هذه المسافة لا تمر بشكل مباشر، هذه المسافة تنزل من بكفيا إلى بيروت ومنها إلى تل أبيب فواشنطن وموسكو ودمشق ثم إلى زحلة فالكسارات»!
بحثت عن الطريق الذى سلكته أحداث الطيونة الشياح، فوجدته متعرجا جدا فى هذا الظرف الإقليمى والدولى. لاح أمامى الدرب الذى سلكه الرئيس الشهيد رفيق الحريرى قبل ثلاثة عقود من الزمن. فى العام 1998م، اجتمع رفيق الحريرى بمجلس المطارنة الموارنة فى مقر البطريركية المارونية فى بكركى. تناول المجتمعون الراهن من قضايا ومن هموم جماعات لبنان المسكونة بالهواجس السياسية والاجتماعية والديموغرافية السرمدية. حينذاك، كان الإحباط المسيحى قد بلغ مداه طوال ثمانى سنوات. كان ذلك فى عز عهد الوصاية السورية على لبنان التى بدأت فى العام 1990. توجه أحد المطارنة بسؤال محدد حول أسباب عدم إطلاق سراح قائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أجابه الحريرى مباشرة «لكنه مجرم.. هكذا يقول القضاء اللبنانى». يسود صمت يكسره أحد الأساقفة بسؤال «لماذا لم يحاكم أحد سواه»؟. يرد الحريرى «لنتفق، هل تريدون إطلاق سراحه أم سجن الباقين»؟ ضحك الجميع وأولهم البطريرك المارونى الراحل نصرالله صفير الذى فهم رسالة الحريرى وقرر طى موضوع أكبر من الضيف ومن كل المشاركين فى الاجتماع.
كان قد مضى على الحريرى رئيسا للحكومة نحو الست سنوات، خبر خلالها على دروب لبنان وخط بيروت دمشق وخطوط العالم العربى، وأبرزها خط بيروت الرياض، وخطوط «الأمم»، ولا سيما خط بيروت باريس. دروب جعلته يُدرك أن «الوصفات السحرية» للأمن الوطنى والاقتصادى اللبنانى موجودة ليس فى بيروت وحدها. ثم من قال إن رفيق الحريرى سيبرع فى اختيار هكذا إجابة على سؤال من هذا النوع.
•••
نعم، فى لبنان كل شىء مسيَّس. كل قضية وكل حدث وكل خبر وربما كل لقمة خبز وشارة سير وحبة رمل وحجارة. كل توقيف وكل حكم قضائى مسيَّس. يكفى إضافة كلمة سياسة بعد كل مفردة وإسقاطها على واقع هذا البلد المجبول بالأزمات. مارونية سياسية. شيعية سياسية. حريرية سياسية. اتهام سياسى. مال سياسى. إنماء سياسى. تحقيق مُسيَّس، وهكذا دواليك. لعل أهم هذه المفردات هو الأمن. الأمن هو المجال المفعم بالسياسة أصلا.
عدت أبحث عن «الأسرار» التى تحيط بالطريق الممتد من نهاية الشياح إلى أول بدارو مرورا بالطيونة (أقل من ثلاثمائة متر). الأمتار قليلة. الجغرافيا خطيرة ومُشبعة بالرمزيات. السياسة هناك تحتاج إلى سعة عالية من أجل تنزيلها (download) على «التطبيقات» اللبنانية، السياسية والطائفية. الأهم من ذلك تلك الدروب التى تؤدى إلى شمال الكرة الأرضية (فيينا نموذجا) أو إلى جنوبها عند باب المندب. من حقول البصرة شرقا إلى حقل كاريش فى إسرائيل شمال فلسطين المحتلة غربا. مفاوضات وغاز وحروب على طول خطوط سايكس بيكو. ناهيك عن ضغط اقتصادى هائل على كامل الدول المعنية المنهكة أصلا جراء جائحة كورونا وأزماتها الاقتصادية المفتوحة.
وكما كانت الطريق من الكحالة إلى جونية تمر فى العام 1976 بدمشق وتل أبيب وواشنطن وموسكو فإن الكثير من طرقات منطقتنا باتت متعرجة ومتداخلة ومتشابكة إلى حد القول إنها ستبقى متوترة إلى أن تهدأ بالتراضى. الأمن سياسى لكن لا يتحقق إلا بالتراضى. «الأمن بالتراضى» ليس شعارا فقط.. إنه عبارة عن معادلة لبنانية وغير لبنانية عُمرها من عمر قلعة بعلبك وكل قلاع العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.