تُعد مدينة القاهرة إحدى المدن العامرة بالتاريخ والتراث المتنوع، ما جعلها محل اهتمام وقبلة لكثير من الباحثين داخل مصر وخارجها، لدراسة وتشريح وبحث معالمها؛ وفي هذا السياق نطرح آخر ما تم عرضه من أبحاث تتعلق بهذه المدينة العريقة. القاهرة بين الواقع والمأمول افتتحت نيفين موسى، الأستاذ بقسم الوثائق والمكتبات بكلية الدراسات الإنسانية للبنات بالقاهرة ورئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، مؤتمر تراث القاهرة بين الواقع والمأمول، قائلة إن مدينة القاهرة بقسميها التاريخي والخديوي من أهم وأكبر المدن التراثية في العالم بما لها من موقع متميز وثراء في النسيج العمراني وهو ما يعبر عن تاريخها الطويل بصفتها عاصمة سياسية وثقافية وتجارية رائدة في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط. وأكدت نيفين أن دار الكتب والوثائق القومية، لا تدخر جهدا في البحث والدراسة والنشر لكل ما يخص تراث المدن المصرية وعلى رأسها القاهرة في محاولة جادة للتعريف بالتاريخ الذي يعد أحد الركائز الأساسية في بناء الهوية المصرية، وكذلك من خلال ورش العمل والدورات المتخصصة في مجال التراث بصفة عامة والقاهرة بصفة خاصة. وشارك 26 أستاذًا وباحثا في المؤتمر، وضم خلال اليوم الأول عرضا لعدد من الأبحاث العلمية المختلفة المرتبطة بتراث مدينة القاهرة وتسليط الضوء عليها الذي يرتبط بمجال اهتمام مركز تحقيق التراث بالهيئة، لذا خضعت بحوثه للتحكيم من قبل لجنة علمية. وتدور محاوره حول: التراث المادي لمدينة القاهرة، التراث وترسيخ الهوية في ظل التنمية المستدامة، التراث اللامادي لمدينة القاهرة. دراسات متنوعة.. القاهرة قبلة للباحثين التاريخيين عُرضت خلال الجلسة الأولى في المؤتمر عدة أبحاث دسمة ارتبطت بمدينة القاهرة، وهي تراث القاهرة العثماني في العصر العثماني وكالة نفيسة البيضا نموذجا، للدكتور حسين إبراهيم العطار، والتطور الحضاري والعمراني لقلعة الكبش، للدكتورة شيماء عبدالفتاح، والنقوش الكتابية كوسلية تواصلية على العمائر الدينية في مدينة القاهرة حتى نهاية العصر المملوكي، وعمارة تكريتية في خارطة القاهرة التاريخية للدكتور إبراهيم فاضل الناصري من العراق. من المعالم التي تحدث عنها الباحثين في الجلسة، وكالة نفسية البيضا، وهي نفسية قاضن بنت عبدالله البيضاء، كانت مملوكة لعلي بيك الكبير واعتقها ثم تزوجها، ومن أعمالها مجموعة السكرية وهي مجموعة معمارية تشمل وكالة وسبيل وكُتاب ورَبع لإقامة الفقراء من المسلمين حينها، مكانها أمام مسجد المؤيد شيخ، وقد تم تسليط الضوء عليها أدبيا في أعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ، وتنتمي للعمارة العثمانية التي هي في الأصل مزيج من انصهار أفكار فنية وثقافية مختلفة نتيجة لتأثر العثمانيين بالدول التي وقعت تحت سيطرتهم لسنوات طويلة، وفق ما قاله الدكتور حسين العطار. وقلعة الكبش، التي تحدثت عنها الدكتور شيماء عبدالفتاح، وذكرت أنها لم تلق اهتماماً حتى الآن، وتقع خلف مسجد أحمد بن طولون، تشير المصادر إلى أنها تعود للعصر المصري القديم، وكان يوجد بها طلاسم لكبش بنى عليه بن طولون مسجده، وهي واقعة تاريخيا في الجزء الشمال الشرقي لجبل يشكر، وتعود تسميته إلى إحدى قبائل الفتح العربية العربية. عُمرت المنطقة وحظيت باهتمام كبير خلال فترة حكم بن طولون وخلفائه الذين عملوا على تشييد الأبنية، ثم عصر كافور الإخشيدي، وكان عصر صالح نجم الدين أيوب عصرا ذهبيا لهذه المنطقة حيث أقيمت فها المتنزهات، واستخدمت لفترة كمقر لنزول السفراء. كما تناول الدكتور إبراهيم الناصري، في مداخلته عبر الإنترنت منشآت الجالية التكريتية وآثارها، وهي مجموعة دار بن عبدالعزيز في حارة برجوان، وجددها فخر الدين التكريتي، ومن الأمثلة الأخرى حمام التكريتي حمام الجيوشين، حمام ابصاصي، حمام الرومي بجوار حارة برجوان، والمدرسة التي بناها شرف الدين ابن فخر التكريتي وكانت منبر للدراسات الدينية في المذهب الشافعي، وكنيسة مربنهام. وأوضح أن الإشكالية التي تواجه هذه العمارة أنه لم يٌسليط الضوء عليها وتعرضت لإهمال شديد والنسيان وإساءة الاستخدام؛ ما أودى بعضها إلى الزوال بفعل ضريبة التمدن. الجلسة الثانية تضمنت أبحاث عن جزيرة الزمالك للدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، واستدامة التراث المعماري الإسلامي بيمرستان السلطان المؤيد ابن النصر شيخ المحمدي نموذجا، وأضواء جديدة على أسوار مدينة القاهرة الشمالية في ضوء الاكتشافات الأثرية باب النصر نموذجا، والتراث العمراني لمدينة القاهرة بين الماضي والحاضر البيوت الأثرية نموذجا. وركزت هذه الجلسة بشكل أساسي على مراحل تطور وتوظيف الأماكن الأثرية وتغير شكلها من الماضي والحاضر، وكيف أصبحت مستغلة حاليا في أنشطة ثقافية وتنموية، ما يهدف إلى استعادة جماليات الماضي والحفاظ عليه من خلال الشراكة في تفاصيل الحاضر ومتطلباته، على سبيل المثال بيت السحيمي الذي يستغل لدعم الأنشطة الثقافية والفنية وتقديم الورش والدورات المرتبطة بالفنون الشعبية والهوية، وفق لخطة صندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة التابع لها البيت. ويهدف الباحثون والأساتذة المشاركون بشكل أساسي إلى التأكيد على نقطة الاهتمام بالتراث وتطويره وترميمه، وقد شهدت افتتاحية اليوم عرض مجموعات من محاولات إصلاح وترميم الآثار المصرية وتحديدا الإسلامية، كما التأكيد على جانب استغلال وتوظيف هذه الأماكن وعدم تركها للقمامة والإهمال أو الإزالة.