إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية    وزير الري يتابع موقف مشروعات الخطة الاستثمارية للعام المالى الحالى 2025 / 2026    77 عامًا وحقوق الإنسان لم تعرف فلسطين والدعم المصرى مستمر    البوصلة    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025    استقرار اسعار الذهب اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    وزارة التموين والتجارة الداخلية تؤكد توافر كميات كبيرة من زيوت الطعام بالأسواق والمنظومة التموينية    ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 14 ديسمبر 2025    بروتوكول تعاون بين الاتصالات والنيابة العامة لتنفيذ 10 مشروعات تطوير رقمى    تعرف على سعر الدولار أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم 14 ديسمبر    في اتصال هاتفي .. بدر عبدالعاطي يبحث مع وزيرة خارجية بريطانيا سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الرؤى بشأن التطورات الإقليمية    جوتيريش: استهداف قوات حفظ السلام بجنوب كردفان جريمة حرب    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    قائد الجيش الأوكراني: نتصدى لأكبر هجمات روسية منذ بدء الحرب على طول خط الجبهة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب مدينة «كراتشي» الباكستانية    اختبار صعب لمرموش مع مانشستر سيتي قبل الانضمام لمعسكر المنتخب    كأس عاصمة مصر.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة سيراميكا    100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول    الميركاتو الشتوى على صفيح ساخن.. الدورى السعودى يغرى محمد صلاح بعرض جديد.. روما يخطط لإنقاذ عمر مرموش من دكة مانشستر سيتي.. رادار جيرونا يرصد شوبير.. و3 أندية أوروبية تهدد حلم برشلونة فى ضم جوهرة الأهلى    الأرصاد: انخفاض كبير في درجات الحرارة وأمطار متفاوتة الشدة على عدد من المحافظات    الداخلية تنفى وجود تجمعات بعدد من المحافظات.. وتؤكد: فبركة إخوانية بصور قديمة    اليوم.. محاكمة الشيخ سمير مصطفى بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    اليوم.. انطلاق اختبارات التقييم لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    محمد الخشت: شكل نظام الحكم وطبيعة المؤسسات السياسية يدخلان في نطاق الاجتهاد البشري المتغير    معرض عن رحلة العائلة المقدسة بمتحف الطفل بالتعاون مع المركز الثقافي المجري    لماذا تسخرون من السقا؟!    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    هام من الصحة بشأن حقيقة وجود فيروس ماربورغ في مصر.. تفاصيل    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    بمشاركة اشرف عبد الباقي.. ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح في دورته الثالثة (صور)    دون خسائر بشرية.. اندلاع حريق في منزل بساحل سليم أسيوط    اليوم.. محاكمة المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة بقضية الدارك ويب    إعلام إسرائيلى : إيطاليا أعربت عن استعدادها للمشاركة فى قوة الاستقرار بغزة    بدء الصمت الانتخابي فى 55 دائرة ضمن المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    45 دقيقة متوسط تأخيرات قطارات «طنطا - دمياط».. 14 ديسمبر    حادث جامعة براون وتحذير الأرصاد الأبرز.. جولة إخبارية لأهم الأحداث الساخنة (فيديو)    مصرع حداد سقطت عليه رأس سيارة نقل بالدقهلية    ستار بوست| عبلة كامل تتحدث بعد غياب.. وقرار غير حياة عمرو يوسف    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    لميس الحديدي: اتفرجت على "الست" مرتين.. الناس بتصفق بعد كل مشهد    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    فيلم فلسطين 36 يفتتح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية بحضور مخرجته وكامل الباشا    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    الكتب المخفضة تستقطب زوار معرض جدة للكتاب 2025    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    طفل يلقي مصرعه خنقًاً.. ويُكشف عنه أثناء لعب أصدقائه بقرية اللوزي بالداقهلية    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفغانستان.. الشريعة الإسلامية تلزم احترام حقوق النساء والفتيات
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 09 - 2021

فى السابع عشر من شهر أغسطس/آب، وفى أول مؤتمر صحفى يذاع لها على التليفزيون منذ دخول كابل، استمع العالم إلى تطمينات طالبان بعدم التعرض بالأذى لمن قاومها أو الانتقام ممن عمل ضدها، بل والأهم من ذلك أنها طمأنت المجتمع الأفغانى حيال استمرار النساء فى العمل، واستمرار الفتيات فى الذهاب إلى المدرسة «طالما كانت هذه الأنشطة تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية».
ينبغى التوضيح أنه لا يوجد فى الإسلام تفسير واحد وموحّد للشريعة يمكن لأيٍ كان أن يحتكره أو يتحكم فيه. فمن أهمّ ما يميّز الإسلام عن غيره من الأديان السماوية هو غياب الكهنوت، إذ لا يوجد فى الإسلام رهبان ولا حاخامات ولا قساوسة، ولهذا فكل المؤمنين فى الإسلام سواسية كأسنان المشط.
ووفقا للقرآن، لا يحقّ لأحد أن يُكره أحدا غيره فى الدين، ولا أن يفرض عليه أى تشريع دينى (البقرة 2/ 256: «لا إكراه فى الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ»). وأفضل شاهد على هذه المقاربة المساواتية التى ميزت الدين وشريعته نجده فى التنوع الذى تزخر به التأويلات الدينية والاجتهادات التشريعية وفى تعددية المذاهب الفقهية القائمة إلى يومنا هذا. ويلاحظ أن النساء، كالرجال، لديهن الحقوق والمسئوليات نفسها فيما يتعلق بتفسير الشريعة، ومن المهم أن يُسمح لهذا التراث الغنى والمتنوع بالاستمرار فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، بما فى ذلك أفغانستان.
من المؤكد أن كل السلطات فى أفغانستان، سواء الرسمية أو الفعلية، على دراية بالفرق الواضح بين الشريعة والفقه فى التراث القانونى الإسلامى. فلفظ الشريعة، ويعنى حرفيا الطريق أو المسار الذى يفضى إلى مورد الماء، يحيل على الرسالة الإلهية بما هى مجموعة القيم والمبادئ الدينية المُرسلة لتوجيه البشر إلى كيفية إدارة شئون حياتهم من أجل الفوز فى الدنيا والنجاة فى الآخرة، والشريعة هى القيم الإسلامية التى يتشارك فيها المسلمون مع البشرية قاطبة لأنها قيم عالمية ولأن الإسلام رسالة إلى العالمين، ومجموع هذه القيم يشكل مقاصد الشريعة، التى يُبيّنها القرآن وتتجلّى فى ممارسات الرسول، والتى يعتقد المسلمون أنها مقدّسة وأبديّه وصالحة لكل زمان ومكان.
أما الفقه، وهو مشتق من فَقِهَ بمعنى فَهِم وعلم، فهو العلم الذى كان نتيجة جهد بشرى لفهم هذه الرسالة الإلهية وترجمتها إلى قواعد وقوانين دنيوية، ولذلك فهو بشريّ يتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص وعلى العكس من الشريعة، فالفقه بشريّ ليس مقدّسا، وهو متغيّر وليس أبديّا. ويرجع إلى الفقه فضل تفاعل قيم الشريعة ومبادئها ومقاصدها مع واقع المسلمين ومع سياقاتهم المتغيّرة عبر الزمان والمكان، وهذا ما ساعد على استمرار صلة الشريعة الإسلامية بالأزمنة المختلفة التى يعيشونها وعلى المحافظة عليها.
ولكن عندما يشيع سوء فهم خطير يؤدّى إلى التسوية بين الشريعة الإلهية، بما تحمله من سلطة وبما لها من مكانة فى قلوب المسلمين وعقولهم، والفقه بما هو اجتهاد بشرى غير المعصوم من الخطأ ولا يمكن أن يكون نهائيا ومطلقا، فإن الكثيرين يدّعون أنهم ينطقون بالشريعة، بينما هم فى الحقيقة يتكلمون عن الفقه، وبذلك يضفون على الفقه قداسة لا تخصه وإنما هى تخصّ الشريعة.
طالما اشتمل الفقه أصنافا متعددة من الفهم ومن التفسيرات الإنسانية للشريعة. وفى واقع الأمر يحظى الاختلاف بين الفقهاء بالاعتراف على نطاق واسع مثلما يحظى بالاحترام فى التراث التشريعى الإسلامى. وقد روى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «اختلاف أمّتى رحمة». هذا التشجيع على «المعارضة» وعلى تقبل الاختلاف فى الرأى هو أحد أسباب وجود المذاهب الفقهية المختلفة وبقائها إلى اليوم واستمرارها فى أداء دورها التنظيمى فى المجتمعات الإسلامية.
•••
مع بدء أفغانستان لفصل جديد من تاريخها تستمر خلاله الشريعة فى لعب دورٍ محورى، بات من الضرورى ألا نحيد عن قيم الشريعة ومبادئها ومقاصدها الفعلية، المتمثلة فى ما يلى:
1 الكرامة المتأصلة فى كل البشر، رجالا ونساءً على السواء. وهذا مبدأ تؤكّد عليه جميع المصادر الأصلية للإسلام، وألزمت المسلمين كافّة بحمايته، كما ألزمت أولياء الأمور باتخاذ جميع التدابير لضمان تلك الحماية.
2 المساواة بين الرجال والنساء أمام الله. وهذا مبدأ يُعبّر عنه القرآن بشكل لا لبس فيه من خلال التأكيد على أن الله تعالى خلق الرجال والنساء من نفس واحدة. وخاطبهم سويا وذكّرهم بتساويهم فى الخلق وبتساويهم إزاء الله فى مسئولية وجودهم وبتساويهم كذلك فى الجزاء فى الآخرة (النساء 4 / 1، التوبة 9/ 71، والأحزاب 33/ 35). كما نجد تأكيدا على هذا المبدأ نفسه فى السنة النبوية أيضا.
3 وجوب إقامة العدل والقسط. والعدل هو المصطلح العام الذى ينطوى فى يومنا هذا على مبدأ المساواة بين البشر لتحقيق العدالة الفعلية. والعدالة كانت دوما جزءا لا يتجزأ من فلسفة القانون فى الإسلام، وهكذا ينبغى على أية قوانين أو تعديلات قانونية تقدم باسم الشريعة والإسلام أن تعكس قيم العدالة والمساواة. أما القسط، فيُحيل بشكل خاص إلى الوعى العميق بأشكال الظلم المنهجية والهيكلية التى تتجلى فى أى مجتمع، ويحيل كذلك على وجوب تحقيق العدالة بالتمييز الإيجابى لفائدة الفئات المتأثرة بهذا الظلم بمن فيها النساء. وكثيرة هى الآيات التى تكررت فى القرآن لتحث على القسط (ومن ذلك على سبيل الذكر لا الحصر: النساء 4/ 135، المائدة 5/ 8، النحل 16/ 90). وعلى نفس المنوال، نجد إدانة شديدة فى القرآن للتطفيف، بمعنى عدم المساواة والتمييز (الآيات 16 من سورة المطففين).
4 الالتزام بضرورة حماية المجموعات المستضعفة، بما فى ذلك الناجون والناجيات من العنف. فالرسول يحث المؤمنين على منع الإساءة عندما قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
•••
هذه المبادئ، التى هى لبّ الشريعة، تتسق مع المبادئ والقيم العالمية لحقوق الإنسان، وتؤدّى عند اتّباعها وتطبيقها إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وإلى إقامة العدالة فى القانون وفى الممارسة العملية. وهكذا يمكن القول إن الشريعة من هذا المنظور هى أقرب إلى مفهوم الأخلاقيات التى توجّه البشر نحو العدالة والسلوكيات الصحيحة.
لطالما سعى الفقهاء المسلمون عبر العصور إلى معالجة تغير السياقات والاحتياجات فى مجتمعاتهم. وإلى إيجاد حلول مناسبة للقضايا المستجدة، فكانوا يرجعون إلى نص القرآن المقدس، ويتدبرونه بواسطة المعارف التى تتطوّر عبر الزمن وفى ضوء الخبرات المكتسبة والقضايا المستجدة دون أن ينقطعوا خلال ذلك عن تطبيق المناهج الفقهية الإسلامية التى أتى بها علم أصول الفقه، ومن الممكن لهذا التوجه المجدى والغنى أن يخلق معرفة إسلامية صالحة للأزمنة المتبدلة وللأمكنة المختلفة قادرة على أن تستمر فى النهوض بوظائفها، بل وعلى أن تزدهر فى أفغانستان اليوم بطريقة يتكيف فيها التشريع الإسلامى مع احتياجاتها، ويعالج القضايا المتعلقة بالعدالة والنوع الاجتماعى.
وقد يتساءل المرء عن كيفية تحقيق ذلك. يمكن للفقهاء القيام بذلك اليوم باستخدام منهجية الاجتهاد (أى بَذل الجهد لتكوين حكم حول مسألة شرعيه)، والاجتهاد هو منهجية محورية فى الفقه الإسلامى طالما استخدمت لإيجاد حلول للمسائل المستجدة مع الاسترشاد بمجموعة القيم الكُليّة (الشريعة). كانت هذه هى الممارسة التى اتبعها الفقهاء القدامى بالشكل الذى سمح لهم بتطوير حلول للوفاء باحتياجات مجتمعاتهم الجديدة. وكانت الافتراضات التى جاءوا بها تضرب بجذورها فى معارف وقيم ومعايير ومؤسسات زمنهم، والتى هى شديدة الاختلاف عن واقع مجتمعاتنا اليوم واحتياجاتها، بما فى ذلك المجتمع الأفغانى.
•••
إن مبادئ العدالة والمساواة بين الجنسين تعنى أن النساء والفتيات يحقّ لهن السعى إلى التعليم والوصول إليه على قدم المساواة مع الرجال. فالآيات الأولى التى نزلت على الرسول أمرت البشر جميعا رجالا ونساءَ بالتعلم: «اقرأ باسم ربّك الذى خلق» (العلق 96/ 15)، وإلى السعى إلى اكتساب المعرفة (الآيات 78 من سورة النحل 16/ 78، الإسراء 17/ 85، طه 20/ 114). إضافة إلى أن العديد من الأحاديث المسنودة إلى الرسول تدعو الرجال والنساء إلى السعى فى طلب المعرفة («اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» أو «اطلبوا العلم ولو فى الصين»). وكانت الكثير من صحابيات الرسول صلّى الله عليه وسلّم راويات للحديث، مما يُشير إلى تقبّل وضعهن كمصدر للمعرفة. ومنذ الأيام الأولى من الإسلام وإلى اليوم ساهم الكثير من المسلمين، رجالا ونساءً، فى كل الحقب وفى البلدان المختلفة فى إنتاج المعرفة فى مختلف المجالات، ممّا ينفى أى ادعاء بشرعية حرمان الفتيات من الحق فى التعليم.
•••
مع الظهور الأخير لحالات متزايدة من الزواج القسرى، بما فى ذلك زواج القُصر، من المهم التأكيد على أن صحّة عقد الزواج فى الإسلام تستلزم الوفاء بالعديد من الشروط، ومن أهمها شرط القبول الحر من قبل كلا الطرفين. القرآن يحظر بوضوح الزواج القسرى فى الآية 19 من سورة النساء التى تقول: «لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كرها». ويؤكّد الحديث النبوى الشريف على نفس ما جاء فى القرآن الكريم من منع إجبار النساء فى الزواج، إذ يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم صراحةً فى حديث صحيح منسوب إليه إنه لا يجوز للمرأة أن تُنكح دون رضاها. وعلى الرغم من عدم وجود آيات قرآنية أو دليل فى السنة يقتضى موافقة الولى فالعادات والأعراف فرضت أن يتطلب الزواج هذه الموافقة من الولى دون أن ينفى ذلك شرط رضا المرأة. وتكفل الكثير من مواثيق حقوق الإنسان، ومنها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الحقّ فى عقد الزواج دون إكراه وبرضا الطرفين الكامل، كذلك الحق فى الاختيار الحر للشريك. وهذا الحق مكفول بالفعل فى العديد من البلدان الإسلامية مثل باكستان وتونس والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية.
ولكى يتسنى للطرفين العازمين على الزواج إبداء الرضا والقبول، ينبغى أن يكونا على دراية تامة بتبعاته، والفقه الإسلامى واضح حيال ذلك من حيث اشتراط أهليّة العاقدين العقلية والقانونية والفكرية والبدنية، وصلاحيتهما لوقوع العقد بينهما وإبداء الرضا والقبول. وهذا الشرط يعنى بالضرورة أن زواج القصّر بحكم تعريفه لاغ وباطل. إنّ الزواج القسرى بمثابة اغتصاب، وهى جريمة شنعاء يُحرّمها الشرع ويعتبرها شكلا من أشكال الحرابة وهى حدّ من الحدود ذات العقوبات المغلّظة. والزواج القسرى، بما فى ذلك زواج القصّر، لا يعدّ شرعيا من جهة المصالح المرسلة (والتى يقابلها فى عصرنا وفى القوانين المعاصرة مبدأ المصلحة العامة) وذلك بالنظر إلى الآثار الضارة التى يلحقها بالنساء والفتيات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الدمار النفسى، والحمل المبكر الذى يضر بالأم والطفل ويقلل من إمكانية الحصول على تعليم. كما يحدّ الزواج القسرى وزواج القصر أيضا من قدرة الفتيات والنساء على تطوير أنفسهن وإمكانياتهن لكسب الدخل أسوة بالرجال، وهو الحق الذى يعطيه لهن القرآن (النساء 4/ 32). ويتسق تشديد الأدلّة الشرعية على حظر زواج الإكراه وزواج القصّر مع معايير حقوق الإنسان التى تحظر بدورها زواج من هم تحت سن الثمانية عشرة بالنسبة إلى الذكور والإناث على السواء. وكذلك فعلت الكثير من البلدان الإسلامية مثل بنجلاديش وتركيا والجزائر وسيراليون والمغرب التى راجعت النصوص الخاصة بالحد الأدنى لسن الزواج فى تشريعاتها ورفعته إلى 18 و19 وحتى 21 عاما.
•••
أخيرا، وفيما يتعلّق بالحقّ الهام فى المشاركة السياسية، فإن للنساء الحق فى المشاركة السياسية على قدم المساواة مع الرجال اتّساقا مع المادة السابعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التى صادقت عليها دولة أفغانستان فى عام 2003. وتُلزم الاتفاقية الدول الأطراف بالقضاء على التمييز ضد المرأة فى حياة البلاد السياسية والعامة، وكفالة إعطاء المرأة الحق فى المشاركة فى صياغة السياسات الحكومية على قدم المساواة مع الرجال.
إن التاريخ والممارسة الإسلامية متوافقان تماما مع هذا الالتزام الدولى، فالكثير من الروايات عن الرسول وعن الصحابة تزخر بأحداث سياسية لعبت فيها النساء، وأولهن خديجة زوجة النبى الأولى، دورا بارزا. ومن بين تلك الروايات أن الرسول لم يكتف ببيعة الرجال عندما رغب فى الهجرة إلى المدينة، بل طلب مبايعة النساء أيضا (الممتحنة 60/ 12). كما نجد أن زوجة النبى أم سلمة كانت هى من يقدم له المشورة القانونية والسياسية، وهى من أشارت عليه أثناء صلح الحديبية، وكذلك خلال فتح مكة. وفى المقابل لم يرد أبدا عن الرسول أو عن صحابته أو الخلفاء أى دليل يفيد الاستخفاف بآراء النساء أو منعهن من المشاركة فى السياسة لكونهن نساء، بل على العكس نجد أن آراء النساء كانت دوما محل تقدير واحترام، وقد ولّى الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الصحابية ليلى بنت عبدالله العدوية القرشية التى لقبت بالشفاء قضاء الحسبة.
•••
ختاما، ينبغى التأكيد على أنّ المعايير الدولية لحقوق الإنسان متأصّلة فى التعاليم والقيم والمبادئ الشرعية الإسلامية، لذلك ينبغى أن يؤديا سويا إلى ضمانات وطنية لتحقيق المساواة وعدم التمييز. إن أشكال التمييز، بما فى ذلك التمييز ضد النساء والفتيات، تُشّرع لمزيد من العنف ضدهن. وبالنظر إلى دور المساواة المركزى فى تحقيق العدالة فى يومنا هذا، لا يمكن أن تكون هناك عدالة من دون مساواة بين الرجل والمرأة فى فلسفة القانون فى الإسلام، ولا عدالة من دون مساواة بين الجنسين فى زمننا المعاصر.
بناء على كل ما سبق، ينبغى على أى صياغة مستقبلية للقانون أو أية تعديلات قانونية قابلة لأن تؤثر على حقوق النساء وحرياتهن الأساسية أن تتم بشكل تشاركى وشمولى. تُلزم اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» فى مادتها رقم 7 الدول الأطراف بالقضاء على التمييز ضد المرأة فى حياة البلاد السياسية والعامة، وتضمن إعطاء المرأة الحق فى المشاركة فى صياغة السياسات الحكومية على قدم المساواة مع الرجال. ومن الثابت أن القرآن ينص فى الآية 38 من سورة الشورى على الحق فى المشاركة الكاملة والمتساوية المضمونة لكل من الرجال والنساء. وعلى رجال الدين من مختلف المذاهب الفقهية إضافة إلى المجتمع الأفغانى الأوسع، بما فى ذلك الممثلون عن منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والمحامين، وعلماء الاجتماع، والزعماء التقليديين العمل المشترك لإنجاز هذه الإصلاحات القانونية، كما يمكن لهؤلاء أيضا دعوة خبراء من خارج أفغانستان مثل العلماء ومنظمات الأمم المتحدة والقادة الدينيين للمساعدة فى هذه العملية.
يحتاج أى إصلاح تشريعى مستقبلى إلى إدماج التعاليم الإسلامية ومعايير حقوق الإنسان العالمية والضمانات الدستورية الوطنية الخاصة بالمساواة وعدم التمييز، بالشكل الذى يأخذ فى الاعتبار واقع الرجال والنساء المعيش من أجل الإيفاء باحتياجاتهم واحتياجات مجتمعاتهم المتغيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.