قالت كوندوليزا رايس منذ سبع سنوات إنه «سوف تظل هناك بعض الشكوك دائما» حول تحديد مدى اقتراب العراق من السلاح النووى، ولكننا «لا نريد أن يكون الدليل الدامغ عبارة عن سحابة نووية». والآن ينصب التركيز على إيران، وليس العراق. إذ ظهرت المشروعات النووية الإيرانية فى الأخبار مرة أخرى. ووفقا لما جاء فى التايمز الأسبوع الماضى فقد تبين مما زعم أنها «وثائق المخابرات السرية» أن إيران تعمل على اختبار المكون الرئيسى الأخير للقنبلة النووية. وتعرض ملاحظات، أو مزاعم، الصحيفة «خطة مدتها أربعة سنوات لاختبار البادئ النيترونى، أو مكون القنبلة النووية الذى يحفز الانفجار». وبالأمس، أدان الرئيس أحمدى نجاد الوثائق باعتبارها تزوير أمريكى آخر. ولكن حتى لو تعاملنا معها على أنها حقيقية، فهل تعتبر «دليلا دامغا» بالفعل وما الذى تظهره الوثائق فى كل الأحوال؟ ومن وجهة نظرى، لابد أن من قراءة الوثائق مع أخذ الاهتمام الإيرانى طويل الأمد بفيزياء الاندماج النووى فى الاعتبار. ففى مارس 1976، زار جيم كالاهان وزير الخارجية البريطانى حينها إيران وأخبره الشاه أنه مهتم بشكل خاص ببرنامج الاندماج النووى فى المملكة المتحدة، وأنه «إذا ما أتيحت أى فرصة تدرج بمقتضاها إيران فى البرنامج، فإنهم سوف يكونون سعداء بذلك». واستمر هذا الاهتمام لأكثر من ثلاثين عاما. وفى 1993، اتفقت إيران مع الصين على التعاون فى دراسة الاندماج النووى، وصار هناك برنامج عمل متواصل فى طهران. يمثل الاندماج النووى الآلية التى تسطع بموجبها الشمس وتتواصل بها الحياة على الأرض. وتعتمد المفاعلات النووية والقنابل الذرية على الانشطار؛ وتعتمد القنابل الهيدروجينية على الاندماج. ولم توجد حتى الآن مفاعلات الاندماج التى تنتج الطاقة، لأنه حتى بعد خمسين عام من المحاولة، مازالت الطاقة اللازمة للوصول إلى الاندماج تفوق ما يتم الحصول عليه من الناتج عنه. ومع ذلك، فمازالت الدول الصناعية مصممة على البحث فى هذا المجال. وفى الوقت الحاضر يبنى مشروع المفاعل التجريبى، المشترك بين الاتحاد الأوروبى وأمريكا واليابان والصين والهند وكوريا وروسيا، نموذج مفاعل اندماج فى كادراش فى فرنسا. وتسمح معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بالأبحاث فى هذا المجال. وتصف «وثائق المخابرات» التى نشرتها التايمز مشروعا مدته أربعة أعوام، وبناء على ذلك فإنه إذا كان الإيرانيون بصدد بناء بادئ نيوترونى خاص بالقنبلة النووية، فلم تتم معالجة الموضوع على وجه الاستعجال. وعلى العكس، فعندما وصل علماء مشروع مانهاتن إلى لوس ألاموس فى بداية1943 وأُجرى اختبار ترينتى فى يوليو 1945. وتذكر الوثائق أن «الخطة تتمثل فى تطوير التعاون مع المراكز البحثية والجامعية من أجل القيام بالمشروع خارج المركز»، وأن العينات سوف يتم انتاجها «عن طريق التعاون المتبادل...[ثم تُعرَض] على مراكز البحث الأخرى بهدف التسويق». ومن غير المرجح توزيع مشروعات للأسلحة النووية بين جامعات متعددة، أو تسويق قطع الأسلحة لمراكز البحث. وتطالب الوثائق بفيزيائيين حاصلين على درجة الدكتوراه وآخرين حاصلين على درجة الماجستير للقيام بالعمل. ولا يشبه هذا برنامجا وطنيا ذا أولوية قصوى. بل هو أقرب إلى مشروع بحثى فى الجامعة. ثم إن هناك ديوترايد اليورانيوم، وطبقا لما ذكرته التايمز فإنه «بينما يمكن أن تكون هناك استخدامات مدنية أخرى للنيوترون، فإن ديوترايد اليورانيوم له استعمال واحد فقط وهو أن يكون عود الثقاب المجازى الذى يشعل القنبلة النووية.» وهذا تصريح مدهش. ففى الواقع تقول إشارة الوثيقة الوحيدة إلى ديوترايد اليورانيوم إنه يفضل عدم استخدامه، بل يُستعاض عنه بالتيتانيوم. ويساعد هذا على فهم ما يفعله الإيرانيون. يستخدم ديوتريد التيتانيوم فى تخزين غاز الديوتريوم حيث يمكن توليد ذلك الغاز عندما يسخن. ويبدو لى، من ثم، أن وظيفة ديوتريد اليورانيوم هى توليد غاز الديوتريوم الذى يمكن استخدامه فى مولد النيوترون الذى يركز على البلازما. فيمكن لمولد النيوترون عندئذ إنتاج نظائر من أجل استخدام المعامل، حيث توجد إشارة إلى عينات للسوق. ومن غير المعروف أن ديوتريد اليورانيوم يستخدم باعتباره بادئا نيوترونيا فى الأسلحة النووية؛ إذ لم يستخدم كبادئ فى الأسلحة الأمريكية أو البريطانية أو السوفيتية حينما كان يتم تطويرها. لماذا إذن التركيز على ديوترايد اليورانيوم باعتباره بادئا يستخدم فى الأسلحة؟ أولا، لأن عبدالقادر خان، العالم الباكستانى المعروف الذى سرق تصميمات الطرد المركزى من شركة تخصيب اليورانيوم الألمانية فى الميلو وبدأ مشروع السلاح النووى الباكستانى، زعم أن الباكستانيين كانوا يستخدمون ديوترايد اليورانيوم كبادئ. وثانيا، ذكر الفيزيائيون الصينيون أنهم قاموا بتفجير ديوترايد اليورانيوم مستخدمين متفجرات كيميائية، وبذلك حصلوا على شعاع من النيوترونات. وهكذا فالحجة هنا أن الصين تستخدم الآن ديوترايد اليورانيوم كبادئ، وهى التى مررت التصميم إلى باكستان، التى مررته بدورها إلى إيران. وهذا ممكن، ولكنه لم يظهر فى الوثائق حتى الآن. إذ يحتاج البادئ النيترونى فى الأسلحة إلى توقيت دقيق: ويصعب هذا باستخدام الانفجار بواسطة المفجرات الكيميائية. كما يعتبر خان مصدر غير جدير بالثقة إلى حد بعيد. ولم تناقش الوثيقة الحصول على النيوترون بواسطة الانفجار؛ بل ناقشت استخدام النيترون النابض الذى يفترض الحصول عليه باستخدام المجالات المغناطيسية المتذبذبة. ربما أكون مخطئا. حيث يمكن استخدام العمليات التى تدخل فيزياء الانشطار أو الاندماج فى كل من التطبيقات العسكرية أو المدنية. ولكننى بصراحة شديدة لم أقرأ شيئا فى الوثائق المنشورة فى التايمز يصلح لاستنتاج أنهم يصفون بادئا نيوترونيا خاصا بالأسلحة النووية!! Guardian Syndication