التأكيدات الروسية بتشغيل المفاعل الإيرانى «بوشهر»خلال الصيف المقبل،والتحذيرات المخابراتية التى لا تتوقف عن اقتراب إيران من امتلاك القوة النووية،حملت أبعادا جديدة هذه المرة مع الهجوم الإيرانى العلنى التى جسدتها حالة الهجوم الحاد الذى وجهته إيران للقمة العربية الأخيرة بحجة مساندتها للإمارات فى قضية احتلال الجزر الثلاث، وحقيقة رفض الكثير من العرب الحوار مع إيران . وتعليقا على هذا المشهد الذى يكشف النواية الإيرانية إتفق الخبراء على أن القنبلة النووية الإيرانية لن تهدد إسرائيل ولن تفيد العرب بل تضرهم ، فقال: د. عبدالمنعم المشاط - أُستاذ العلوم السياسية ومُدير مركز البحوث والدراسات بكلية الاقتصاد والنائب فى مجلس الشورى- أن هذا سيؤدى إلى عدم توازن فى القوى .. وهو ما يُحدث خللاً فى الشرق الأوسط، فلا توجد دولة عربية تمتلك أسلحة نووية، ولا تُريد امتلاكها، وبالتالى سيكون خلل التوازن هنا فى صالح إسرائيل، التى تُحاول بقدر الإمكان توريط أمريكا لضرب إيران، .. و«أوباما» لن يفعل ذلك بسبب وجود القوات الأمريكية فى العراق والعديد من المناطق الأخرى، كما أنه ليس من مصلحة أحد ضرب إيران لأنها قد يكون لديها بالفعل أسلحة نووية توازن ما لدى إسرائيل. الأمر نفسه أكده لنا الكاتب الصحفى «صلاح عيسى» قائلا: «إيران لاتزال مُفاعلاتها النووية حتى الآن للطاقة السلمية، ولا يوجد دليل حول ما إذا كانت هذه المُفاعلات لأغراض أخرى، فالموضوع ينطلق من مخاوف عدم امتلاك إيران لتكنولوجيا تُمكنها من تخصيب اليورانيوم ليصلح كوقود نووى لإنتاج الأسلحة .. فنحنُ أمام مجموعة من الهواجس، وإيران تبذل مجهوداً لتُثير ريب وشكوك العالم حول أهدافها من المُفاعلات التى تنشئها، وهو ما يجعل العالم يخشى من مُهاجمتها. وهى نفس السياسة التى اتبعها من قبل صدام حسين ظناً منه أن هذا يزيده قوة».. وهو ما يجعل المَلف الإيرانى - كما تقول الكاتبة والباحثة السياسية «د. منار الشوربجى» - سيظل مُهماً ومفتوحاً طوال الفترة القادمة، فجوهر القضية هو وجود دولة نووية قوية بالمنطقة فى مواجهة إسرائيل، الأمر الذى يهدد بدوره أمن المنطقة .. لذلك تبنت مصر فكرة أن تكون المنطقة خالية من السلاح النووى، مُنذ عقود طويلة، حتى لا نصل للمرحلة الحِرجة التى نحنُ فيها الآن. فموقف مصر ثابت من هذه المسألة - كما أشار الدبلوماسى وسفير مصر السابق لدى إسرائيل «محمد بسيونى» - قاصدا إعلان المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يجب على إسرائيل أن تفعله مِن خلال تفكيك وإيقاف مُفاعلاتها النووية. ورفض بسيونى فى المقابل استخدام القوى العسكرية ضد إيران، لكن عليها أن توقف مشروعاتها النووية من تلقاء نفسها لتحقيق توازن استراتيجى بالمنطقة. الساحة.. المستباحة ويرى الكاتب والصحفى «سعد هجرس» أنه من حق إيران أن يكون لديها مصادرها للطاقة النووية، ولن نستطيع أن نلومها على ذلك بل بالعكس .. البلاد العربية تخلفت ولم تستطع اللحاق بهذه المسألة، لذلك يُحسب لإيران الطموح النووى السلمى لأنه مشروع، لكن مُخاوفنا من هذا الطموح هى مخاوف مشروعة أيضاً، خاصةً أن الصراع فى المنطقة العربية انحصر بين الولايات المُتحدة وإسرائيل مِن جهة .. وإيران من جهة أخرى. والخطورة أن الصراع يُقام على ساحتنا، فنحنُ هُنا مفعول به، فهناك مشروع إيرانى، لكن لا يوجد مشروع نووى عربى واضح الملامح .. ووفقا ل «د. سلوى شعراوى» - عضو مجلس الشورى وأستاذ السياسات العامة بكُلية الاقتصاد - فإنه فى ظل هذه التكهنات والمخاوف لا يُمكن التنبؤ بسيناريو مُحدد لصورة المنطقة العربية، بل هُناك أكثر من سيناريو، فلو كانت العلاقات الإيرانية العربية إيجابية، فمِن المُمكن أن تكون القوة الإيرانية النووية عامل قوة للعرب، وهذا من المحتمل حدوثه .. لأن السياسة لا تعنى أن هناك صديقا دائما أو عدوا دائما، وفى الوقت نفسه نجد إسرائيل لا تسمح بوجود دولة أخرى قوية غيرها، وهو ما دفعها لضرب العراق، لكن مع إيران العملية أصعب . عقوبات وهمية فى ظل هذه الأجواء يُحاول «أوباما» - كما يقول «عبدالمنعم المشاط» - إقناع الدُول الكُبرى بفرض عقوبات على إيران، لكن روسيا والصين لديهما مصالح مع إيران مثل النفط والتحالف الاستراتيجى وغيرهما، وبالتالى تُصبح العُقوبات هُنا شكلية، والنظام الدولى الآن لم يعُد نظاماً أمريكياً، بل هو نظام تعدُدى توافقى، ولم يعد اتخاذ القرارات الاستراتيجية من نصيب أمريكا بمُفردها، بل من نصيب روسيا والصين واليابان، والظروف غير مُهيئة للحد من التسليح النووى الإيرانى. وبالتالى من الصعب جداً أن تُراهن الدُول العربية على الموقف الدولى، كما أن الدول العربية ليس لديها موقف موحد ضد إيران أو أى قضية أخرى، ومِن المُحتمل على المدى الطويل أن تظهر نتائج أخطر كالتحالف بين إسرائيل وإيران وتُركيا ضد الدول العربية . سوء فهم ومثلما من الصعب أن نتصور أن المُفاعل النووى الإيرانى إضافة للدول العربية - كما يقول «د. رفعت السعيد» رئيس حزب التجمع والنائب بمجلس الشورى - فمن الصعب أيضاً تصور أنه قد تُنِتج إيران قٌنبلة نووية تُهدد بها إسرائيل، وهذا سوء فهم لما يحدث، فعندما يمتلك طرفان معاديان أسلحة نووية، فيعنى هذا تهديدا للمنطقة العربية لأنها مُجردة من هذه الأسلحة، ولا تستطيع الوصول إليها. وبالتالى التوازن هنا توازن قوتين لا توازن منطقة، وبالتالى تُصبح الدول العربية فى مركز ضعيف، إما أن تخضع للإدارة الأمريكية والإسرائيلية وإما تخضع للإدارة الإيرانية .. وهو نفس ما تراه «د. منار الشوربجى».. فلا يوجد دليل واحد على أن إيران تقوم بإنتاج سلاح نووى، لكن تظل هناك أصوات حمقاء فى أمريكا تُطالب بالخيار العسكرى، وتدعمها إسرائيل، لكن أمريكا لا تستطيع اللجوء إلى الخيار العسكرى، خاصةً وهى متورطة فى العراق وأفغانستان، لهذا أمريكا لا تجد سبيلاً سوى خيار العقوبات، والذى سيأخذ وقتاً طويلاً كما صرحت «هيلارى كلينتون» فى لقائها مع التليفزيون الكندى. ويوضح «سعد هجرس»: «الغرب مُنافق ومواقفه ازدواجية، بمعنى أن الغرب يُريد أن يمنع إيران من حقها النووى، فى الوقت الذى يغض فيه الطرف عن الترسانة النووية الإسرائيلية، فالسياسة الأمريكية لها وجهان مع إيران، الأول هو التلويح بالعقوبات، والثانى هو الصفقات التى تتم من تحت المائدة، وإن تم هذا الاتفاق، فسيُصبح هذا خطراً على المنطقة لأن الاتفاق الأمريكى الإيرانى سيكون على حِساب الدول العربية». السيناريو الصعب الطريق أمام الولايات المُتحدة هو طريق الدبلوماسية غير المُباشرة، هكذا تقول «د. سلوى شعراوى»: «قاصدة التفاوض عن طريق طرف ثالث للسيطرة على القوى الإيرانية، فأمريكا تقوم بالتلويح بسياسة العصا والجزرة، فهى لا تُريد أن تشن حرباً مثلما شنتها على العراق.