كان 2009 موعد ست دول عربية مع الانتخابات التى اخترعتها البشرية كوسيلة من وسائل التغيير السلمى. ولكن انتخابات العرب التى أجريت العام الماضى من الكويت شرقا إلى موريتانيا غربا لا تعترف بتلك الخاصية من خصائص الانتخابات فجاءت النتيجة «محلك سر». تونس انتخابات عائلية جدًا على الرغم من أن تونس شهدت انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة فإن برودة المعركة الانتخابية وأسماء المرشحين جعل المكان الأنسب لنشر أخبارها هى صفحة مواقف وطرائف. ففى انتخابات الرئاسة خاض الرئيس زين العابدين بن على السباق ليفوز بفترة رئاسة جديدة. وفى انتخابات البرلمان حصل زوج ابنته محمد صخر الماطرى وشقيقة زوجته على مقعدين نيابيين. وهكذا انتهت الانتخابات بشقيها الرئاسى والبرلمانى ليتلاشى أى أمل فى التغيير باستثناء صعود «الصهر» الماطرى الذى تتحدث الأنباء عن تجهيزه لوراثة «عرش» الجمهورية التونسية. واستنكر المحلل السياسى التونسى صالح الزغيدى فى اتصال ل«الشروق» السؤال حول إمكانية حدوث أى نوع من الحراك السياسى بعد انتخابات أكتوبر قائلا «منذ 50 سنة وتسير تونس على نفس النهج عموما فى إطار دولة تهيكلت على أساس نظام الحزب الواحد وحتى الأحزاب الأخرى أغلبها موالية للسلطة. وأوضح الزغيدى: «الانتخابات الرئاسية لا تمثل سوى محطة لتأكيد شرعية السلطة القائمة وتجديد الزبائن لديها، وانتخابات أكتوبر 2009 لم تشذ عن هذه القاعدة التى تعمل على مدار ال50 سنة الماضية». وأرجع هذا الأمر إلى عدم تغير الإطار السياسى والقانونى والإعلامى الذى تتم فيه الانتخابات. مضيفا «يبقى الحال كما هو عليه إذا لم تقع تحولات مهمة لتحقيق الديمقراطية فعلا لا كلاما». الجزائر.. الرئيس الأبدى على الرغم من الحالة الصحية غير المواتية للرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة التى جعلته يسافر إلى فرنسا للعلاج فقد حرص على تغيير الدستور قبل شهور من انتخابات الرئاسة لإزالة العقبة التى تحول دون استمراره فى السلطة وهى المادة التى تضع حدا أقصى لعدد ولايات الرئيس. وتم تعديل الدستور وترشح بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة وجرت الانتخابات فى التاسع من إبريل الماضى فلم يكن فيها أى اختلاف عما جاء فى تونس بعدها بستة أشهر. فالرئيس عبدالعزيز بوتفليقه فاز بنسبة 90،2% ليستمر فترة رئاسية ثالثة بعدما عدل الدستور الذى كان لا يسمح للترشح لأكثر من فترتين. ويبدو أن الرئيس بوتفليقه كان على استعداد لإحداث تغييرات على أى صعيد غير الصعيد السياسى. فقد رضى بأن تنحصر إنجازاته على الصعيد الأمنى وربما الاقتصادى دون المساس بالوضع السياسى المتجمد بالبلاد. ويرى المحلل السياسى الجزائرى هابت حناشى فى اتصال مع «الشروق» «أن البرنامج الانتخابى لبوتفليقة بنى على أساس نقطة محورية هى تحقيق المصالحة الوطنية. وأعتقد أن الرئيس حقق شيئا من الأمن، حيث قلص حجم الجماعات الإرهابية، ونزلت المئات من عناصرها من الجبال وسلموا أسلحتهم». وتابع: «لكن هذا الإنجاز بقى محصورا فى القضية الأمنية، فإلى الآن لايزال الوضع السياسى يراوح مكانه، ولم تتسع رقعة النشاط السياسى، والتزمت أحزاب المعارضة الصمت، ولم يعد هناك رأى ورأى أخر، إنما هناك رأى واحد هو رأى الحكومة، ممثلة فى ثلاث أحزاب مهمة هى «أحزاب الائتلاف الرئاسى». وحول مستقبل الجزائر السياسى يقول «سيبقى على ما هو عليه الآن، فلا تظهر فى الأفق بوادر التغيير أو حتى النية فى التغيير، بل هناك تراجع فى حجم الحريات السياسية والإعلامية». مضيفا أن الطريق الوحيد لإحداث التغيير هو فتح الحريات السياسية والإعلامية، وفتح الطريق للمجتمع المدنى والنقابات، وعلى هذه الأخيرة أن تفرض نفسها سلميا. وأشار حناشى إلى «أن بوتفليقة يحاول خلق النمو وإنعاش الاقتصاد مع إغفال الإصلاحات السياسية، وبالفعل هناك انجازات اقتصادية مهمة، خصوصا فى المنشآت القاعدية مثل الطرقات والرى والسكن والفلاحة، لكن عدم وجود انعاش سياسى فى المقابل سوف يضر بهذا المسعى ويحد من دوره، ويجعل شوائب البيروقراطية مثل الرشوة وسوء التسيير وعدم التخطيط، طاغية فى الحياة الاقتصادية». انتخابات لبنان.. النتائج ليست مقدسة انتخابات انتظرتها طويلا جهات محلية وإقليمية ودولية على أمل طى صفحات من التوترات السياسية والوقوف على أعتاب مرحلة جديدة قادرة على إيجاد مخرج حقيقى وليس مؤقت لأزمة الفرقاء اللبنانيين. جاءت هذه الانتخابات بعد صراع استمر ثلاثة أعوام بين قوى 14 آذار (الأكثرية النيابية) وبين قوى 8 آذار (المعارضة الحالية)، والذى انتهى بتسوية مؤقتة بين الفرقاء فى الدوحة 21 مايو 2008، وارتضى الأطراف انتخاب الرئيس التوافقى الجديد وتشكيل حكومة عمرها أقل من عام. لكن السيناريو الأوقع الذى تنبأ به البعض وأثبتته الشهور التى تلت فوز قوى 14 آذار فى انتخابات لبنان البرلمانية الذى قال بأن أيا كان المعسكر الفائز فى الانتخابات فلن يستطيع بمفرده تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وستبدأ أزمة جديدة فى لبنان حول تركيبة هذه الحكومة والسياسات التى ستعتمدها وتفاعلها مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية. وفى هذا الصدد يقول المحلل السياسى اللبنانى جهاد فاضل « لقد تبين بعد فوز قوى 14 آذار أنها لا تستطيع أن تحكم وحدها كما هو الحال فى الديمقراطيات الحقيقية، فلابد أن يحكموا جميعا وأن تتخذ القرارات بالإجماع. وهو الأمر الذى اعتبره ينطوى على عيوب كما له حسنات « فحتى القرارات البسيطة التى تتطلب اتخاذها على وجه السرعة لابد من وجود إجماع حولها مما يعطل سير كثير من الأمور بالبلاد». وتابع فاضل: «أثناء تشكيل الحكومة من قبل الحريرى والتى استمرت حوالى 4 أشهر تبين أن الأكثرية لا تستطيع أن تفرض الحكومة فيكفى للمعارضة أن تقول لا حتى يتعثر تشكيل الحكومة». كذلك تخوف بعض المراقبين من استمرار الطابع الطائفى للحكومة وأن يفتقر تكوينها وعملها إلى الوحدة والتجانس بين الوزراء. وهو ما أكده فاضل قائلا: « الانتماء لدولة لبنان لايزال ضعيفا... لا تشعر أن هناك وزير للبنان بل هناك وزير لطائفة ما. والوضع الحالى ليس أكثر من انسجام اضطرارى لتشكيل الحكومة». انتخابات العراق المحلية.. تحالفات حتى إشعار آخر على الرغم من الظروف السياسية والأمنية الخاصة التى عصفت بالعراق على مدار السنوات الماضية فإننا يمكن رصد بعض التغيرات الطفيفة التى أحدثتها الانتخابات المحلية فى بلد يحاول لملمة كيانه السياسى الذى انهار بالغزو الأمريكى له فى مارس 2003. ففى 31 يناير 2009 أجريت انتخابات لاختيار مجالس محلية للمحافظات بمشاركة أغلب التيارات والكتل السياسية والطائفية. وأبرز المفردات التى طالها التغيير فى الانتخابات هى القوائم الانتخابية التى لم تعد مقسمة طائفيا، بل أصبح أغلبها يضم خليطا من الطوائف الأخرى. فمثلا القائمة التى قادها رئيس الحكومة «نورى المالكى» تحت شعار «دولة سيادة القانون» تضم إلى جانب حزب الدعوة الشيعى الذى يتزعمه، الحزب الإسلامى التركمانى، وحزب كردى. إلا أن بعض المراقبين يرون أن هذه التحالفات السياسية بين التيارات المختلفة هى آنية تكتيكية أكثر منها تحالفات إستراتيجية بعيدة المدى. وفى هذا السياق يقول المحلل السياسى العراقى محمود عثمان «الانتخابات العراقية المحلية أحدثت تغير فيما يتعلق بالعمل بنظام القوائم الانتخابية المفتوحة» وهو ما اعتبره خطوة للأمام قياسا بالانتخابات السابقة التى تميزت بالعمل بنظام القوائم الانتخابية المغلقة». وحول الدور الذى يمكن أن تلعبه هذه المجالس فى الحياة السياسية قال عثمان «لدى هذه المجالس مشكلاتها الخاصة التى تحد من قدرتها على خدمة المواطنين، فهم يشكون من قلة الصلاحيات الممنوحة لهم فى حين يشكو الحكم المركزى فى بغداد من قيام هذه المجالس بأعمال دون الرجوع إلى العاصمة، بالإضافة إلى قلة الموارد المخصصة لهم لتمويل المشاريع التنموية المختلفة». ومنحت هذه الانتخابات فرصة للمالكى لكى يقدم نفسه على أنه رجل دولة استطاع أن يخرج بالعراق من خطر الحرب الطائفية، وتمكن من تنظيم أول انتخابات ربما تكون حقيقية فى تاريخ العراق الحديث. وفى المقابل يتخوف البعض من تجمع السلطات تدريجيا فى يده خاصة بمطلبه الدائم بتعديلات دستورية فى اتجاه تقليص سلطات الأقاليم لحساب السلطة المركزية. انتخابات الكويت.. تغيير معنوى طبيعة النظام السياسى فى الكويت لا تسمح للانتخابات وإن جرت بأقصى درجات الشفافية والنزاهة بأن تقود إلى تغييرات ملموسة فى الحكومة ولا المشهد السياسى بشكل عام. جرت انتخابات الكويت البرلمانية 16 مايو 2009 بعد فترة تأزم سياسى بين الحكومة ومجلس الأمة بعد تقديم ثلاثة استجوابات دفعة واحدة إلى رئيس الوزراء، الذى استقال بدوره، فى حين دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعدما وجه انتقادات شديدة إلى النشاط البرلمانى. ورصد المراقبون بعض المؤشرات التى أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة حيث رأى وحيد عبدالمجيد «مدير مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع» «أن الانتخابات البرلمانية أحدثت نوعا من التوازن على الساحة السياسية فى المجتمع الكويتى، حيث دعمت من قدرة الحكومة على مواجهة التيارات الدينية والقبائلية المتشددة. كما أحدثت تغيرا فى تركيب البرلمان بحيث أصبح للحكومة تمثيل كاف فى البرلمان بعدما كانت أغلبية المقاعد للمعارضة مما كان يتسبب فى مواقف حرجة فى الحكومة عندما يتعرض أى وزير إلى الاستجواب من قبل البرلمان خوفا من أن يؤدى هذا الأمر إلى سقوطه. لم تعد الاستجوابات تثير حالات الفزع التى كانت تتسبب فيها من قبل». كما أشار إلى فوز عناصر نسائية للمرة الأولى فى البرلمان بعد محاولات جدية فى انتخابات 2006 و2008. «بالإضافة إلى انحسار ملحوظ للتيار الإسلامى المنظم الذى أرجعه إلى تواضع أداء هذا التيار فى الآونة الأخيرة وتعرض بعض عناصره إلى حملات إعلامية حادة، وضعف نمط حملاتهم الانتخابية، فى مقابل زيادة نسبة تمثيل النواب الشيعة. وأخيرا بداية تفكك وارتباك التصويت القبلى على الرغم من صموده ظاهريا». موريتانيا.. العسكر بصناديق الانتخاب فى الوقت الذى يصل فيه الوضع السياسى إلى طريق مسدود يتقرر عقد انتخابات فى محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة نجد تداعيات هذه الانتخابات تسفر بدورها عن أزمات جديدة فى سلسلة ربما لا تنتهى من عدم الاستقرار السياسى. فقد جرت الانتخابات الرئاسية الموريتانية فى 18 يوليو 2009 فى إطار اتفاق داكار الذى رعته المجموعة الدولية، ليضع حدا لأزمة سياسية خانقة عاشتها موريتانيا مدة عشرة أشهر فى أعقاب انقلاب عسكرى فى السادس من أغسطس 2008 يقوده محمد ولد عبدالعزيز ليطيح بالرئيس المنتخب سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله. وتمثلت فى مواجهة مفتوحة بين معسكرين أحدهما أغلبية النواب الداعمين للعسكر والثانى جبهة من الأحزاب والناشطين الداعمين لنظام الرئيس المخلوع سيدى ولد الشيخ عبدالله. وبدورها أسفرت الانتخابات عن أزمة جديدة لاتزال تفاعلاتها قائمة بفوز محمد ولد عبدالعزيز بنسبة تجاوزت 52.47% مما دفع بمنافسيه الرئيسيين قطبا المعارضة: مسعود ولد بلخير وأحمد ولد داده إلى رفض النتائج واعتبارها مزورة. ويمرر المجتمع الدولى شيئا فشيئا قبوله بنتائج الانتخابات على استحياء وهو الأمر الذى يؤدى إلى تشريع حكم محمد ولد عبدالعزيز، فى حين يسفر عن تخلخل القوى المعارضة ولو بشكل جزئى. فبعد ما نجحت المؤسسة العسكرية فى تحييد رئيس منتخب، ساد شعور الإحباط لدى رموز المعارضة التى علقت آمالا كبيرة على الانتخابات لتصفية خصمها العسكرى اللدود والرجوع لسلطة مدنية. ولن تنتهى العقبات التى تعترض طريق العسكر عند إضعاف الخصوم وإبعادهم من الساحة السياسية، بل تبقى الاستجابة للاحتياجات الداخلية للشعب الموريتانى الاختبار الأصعب لتثبيت شرعية الحكم الجديد. ويحتاج الجنرال الفائز أن يثبت قدرته على تحقيق الرهانات فى بلد مأزوم اقتصاديا ومؤسسيا، إذ تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان فقرا، حيث تتجاوز نسبة البطالة 22% فضلا عن مخاطر الهجرة السرية التى باتت تهدد التوازن الديمغرافى لموريتانيا، فى ظل ضعف الرقابة على الحدود وهشاشة نظام الهجرة