«مش عارف أحلم، الحمد لله على الستر والصحة». عم محمد صياد من قرية «كفر ميت العبس» بمحافظة المنوفية، ورث المهنة صغيرا عن أجداده. هو لا يمتلك حلما واضحا لنفسه أو أسرته يجعل عامه المقبل سعيدا. يصمت ويمسك بمجداف القارب استعدادا للإبحار، ثم يتمتم بكلمات هامسة، «يمكن لو اصطدت كل يوم اثنين كيلو سمك، تبقى حياتى حلوة». أحلام عم محمد الشخصية ترتبط بمهنته، ويحصرها فى ثلاث أمنيات: محاضر شرطة المسطحات «المزورة» تنتهى، وتكون فيه عدالة التوزيع للسمك «الزريعة»، والحكومة تحاسب اللى ردموا النيل. يتذكر محمد أنه غاب عن البلد لمدة ثلاثة أشهر، وعاد ليجد أربعة محاضر من شرطة المسطحات بتهمة مخالفة قواعد الصيد، حتى خلال غيابه عن البلد. القارب الصغير يتهادى على صفحة المياه المتموجة، الشمس المائلة للغروب، أشجار الموز على الشاطئ المقابل، قارب يمر بالجوار يحمل سيدة تعمل أيضا صيادة. تستجمع السيدة قوتها وآمالها ولكن تخرج الشبكة فارغة. «يارب». نظرات المواساة متبادلة، فمن المفترض أن هذا الوقت من كل عام موسم غنى للصيد، ويقول محمد إنه على الرغم من التزام بدفع الرسوم السنوية، إلا أن «الجمعية الزراعية بترمى السمك الزريعة الصغير، لأصحاب المزارع ولصيادين محددين»، ولهذا تقل الثروة السمكية من عام لآخر، فيحلم الصياد بعدالة التوزيع. «لو حصل هايبقى السمك بالطن»، يتمنى عم محمد. ويرد صوت بعيد «ما تقولش كدا أحسن يجيبوا علينا ضرايب»، ويضحك الجميع. يصل القارب لمنطقة لا يزيد عمق المياه فيها على نصف متر، تنتشر بها مناطق طينية مرتفعه، «لو التراب دا اللى ردموا بيه النيل اتشال، والسمك لقى مكان، تبقى حياتى كلها حلوة مش السنة دى بس». شهر مايو 2004 بداية المعاناة الحقيقية، عندما جاء قرار بتعميق مجرى النهر لزيادة الحركة الملاحية، ونقلت الشركة المنفذة ناتج الحفر فى مياه النهر بالقرب من الشاطئ بطول كيلو ونصف وعرض 100 مترو بفرع دمياط بزمام قرية أسنيت بالقليوبية. يعتبر محمد ما سبق جريمة إعدام لجزء من النيل وإتلاف للثروة سمكية، هذه المنطقة كانت مصدر الرزق الأساسى للصياد وآخرين، فالعمق وتيارات الهواء الهادئة الأنسب لتجمع الأسماك. محمد كتب شكوى مفصلة «بس مش عارف أروح فين، إذا كان مسئولو الرى اللى المفروض يمنعوا اللى حصل، عارفين وساكتين».