نشر الكاتب السياسي الأمريكي بيتر بينارت مقالا مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز حول سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه تايوان. ويرى جيمس ستاينبرج أستاذ العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية في جامعة سيراكيوز الأمريكية أن هذا المقال يسيء تفسير نهج الإدارة الجديدة للعلاقات عبر مضيق تايوان، والأهم أنه يسيء فهم الضرورات المطلوبة للحفاظ على الاستقرار والازدهار في شرق آسيا، في وقت تتبنى فيه الصين بشكل متزايد نهجا صارما تجاه تايوان يهدد بإنهاء أكثر من أربعة عقود من السلام في غرب المحيط الهادئ.
وفي مقاله، يؤكد بينارت أن الرئيس بايدن يتخلى عن سياسة "الصين الواحدة" التي تعني عدم الاعتراف بوجود تايوان دولة مستقلة ذات سيادة، وينتقد بينارت الاتصالات المتزايدة سواء الرسمية أو غير الرسمية بين الولاياتالمتحدةوتايوان.
ولكن ستاينبرج، يقول في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية أن إدعاءات بينارت بشأن السياسة الأمريكية تجاه الصين تتناقض مع تصريحات الإدارة الأمريكية نفسها.
ففي 3 فبراير الماضي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس "سياستنا لم تتغير".
لكن من المهم أن نتذكر المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه السياسة وهو أن الخلاف بين الصينوتايوان يجب أن يتم حله من خلال الوسائل السلمية حصراً وألا يسعى أي من الطرفين لتغيير الوضع الراهن من خلال العمل الأحادي بما في ذلك القوة أو الإكراه.
ويرى ستاينبرج الذي عمل خلال الفترة من 2009 إلى 2011 نائبا لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الأولى، أن هذه السياسة مازالت صالحة اليوم كما كانت منذ 43 عاما، لأنها بشكل دقيق ردعت أي تصرف "متهور" من جانب كل الأطراف التي تتمسك بالسلام والازدهار المستمرين في المنطقة.
ولكن إذا كان هناك طرف يمكن اتهامه بالسلوك المتهور فلن يكون تايوان ولا الولاياتالمتحدة وإنما سيكون الصين التي تبدو راغبة بصورة متزايدة في نسف المبدأ المؤسس لسياسة "الصين الواحدة" الأمريكية.
ويرى بعض الأشخاص ، بمن فيهم أعضاء بالكونجرس ومفكرون مؤثرون مثل رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس أن سلوك الصين يدعو إلى التخلي عن أحد الركائز الأساسية لسياسة صين واحدة وتقديم ضمانات أمريكية واضحة لتايوان.
لكن من المهم أن نتذكر أن أحد العناصر الرئيسية للتفاهم الذي تم التوصل إليه عند تطبيع العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية كان على وجه التحديد إنهاء الالتزام الأمني لأمريكا تجاه حكومة تايوان والذي أقره الرئيس دوايت أيزنهاور في عام 1954. فالعودة إلى التزام أمريكي صريح ومفتوح بأمن تايوان لن يخدم مصلحة أحد وقد يؤدي إلى حرب لا ينتصر فيها أحد ؛ وفي هذا فإن بيتر بينارت على حق.
ويقول ستاينبرج: "بصفتي شخصًا كان منخرطًا بعمق في العلاقات عبر مضيق تايوان على مدار الخمسة وعشرين عامًا الماضية ، يمكنني أن أقر بصعوبة العمل من أجل ضمان توازن سياسة الصين الواحدة وبالنجاح الملحوظ الذي حققته".
ويرى ستاينبرج، أن الحفاظ على المبادئ الأساسية لسياسة الصين الواحدة يتطلب في الوقت نفسه التكيف مع الظروف المتغيرة الناشئة عن تنامي القوة العسكرية والاقتصادية للصين واستعدادها المتزايد لاستخدام هذه القوة لإخضاع الآخرين لإرادتها.
فالولاياتالمتحدة تحتاج لتعزيز قدرتها على الردع، إلى أن تثبت للصين أنها تعني ما قالته عندما أصدر الكونجرس قانون العلاقات مع تايوان في عام 1979، وأن إنهاء الولاياتالمتحدة للضمان الأمني لتايوان يعني أيضا اعتبار أي جهود مبذولة لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية، بما في ذلك المقاطعة أو الحظر، وتهديد السلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ مصدر قلق بالغ للولايات المتحدة.
ولكن أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف، ليست تغيير التوازن الدقيق الذي حققته أمريكا بين الصينوتايوان، وإنما التأكد من أن كل الأطراف تدرك تماما ما الذي تتوقعه منها الولاياتالمتحدة في هذا الشأن.
وقد تكون الاتصالات المتزايدة، الرسمية وغير الرسمية، بين الولاياتالمتحدةوتايوان ، مفيدة في تحقيق الغرض على وجه التحديد. فهي ليست تهديدًا ولا استفزازًا للصين، ولكنها وسيلة لضمان وجود اتصال سليم وعدم وجود سوء تفاهم بين واشنطن وتايبيه في وقت تتزايد فيه التوترات عبر مضيق تايوان.
فنظرًا لخطورة الأحداث المتعمدة أو العارضة التي يمكن أن تؤدي إلى صراع مباشر ، تصبح الحاجة إلى قنوات الاتصال هذه مهمة الآن أكثر من أي وقت مضى وتخدم مصلحة الصين بقدر ما تخدم مصلحة تايوان.
ويختتم ستاينبرج، الذي زار تايوان في الشهر الماضي ضمن وفد رسمي أمريكي والتقى برئيسة البلاد وممثلي الأحزاب السياسية الرئيسية وعدد من المفكرين، تحليله بالقول إنه على الإدارة الأمريكية وهي تقوم بمراجعة شاملة لسياستها تجاه الصين أن تدرك حقيقة أن هناك أسبابا قوية للإبقاء على سياسة الصين الواحدة، وهناك أسباب قوية أيضا لتعديل هذه السياسة بما يتناسب مع حقائق الوقت الراهن.