تناقش الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام القليلة القادمة، تقرير مارتن شينين، المقرر الخاص لنشر وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية خلال الحرب على الإرهاب. ويتكون التقرير من أربعة أجزاء تضم مقدمة وفصل حول قانون الطوارئ والقوانين المنظمة للحرب ضد الإرهاب، ويليه فصل آخر حول تحديات وآفاق تغيير بعض تشريعات مكافحة الإرهاب، وأخيرا فصل حول الاستخلاصات والتوصيات. وذكر التقرير أن شينين قد زار مصر خلال الفترة من 17 وحتى 21 من أبريل الماضى، «فحص خلالها قانون الطوارئ وأحكام القانون الجنائى المتعلقة بجرائم الإرهاب، وتعديل المادة 179 من الدستور التى تعطى الإطار القانونى للحرب على الإرهاب» فى البلاد. وأشار التقرير فى مقدمته إلى أن المقرر الأممى الخاص التقى خلال زيارته مصر والتى كانت بدعوة من الحكومة عددا من الوزراء هم وزراء الخارجية والداخلية والعدل والشئون القانونية والبرلمانية إضافة إلى رئيس مجلس الشعب والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيسا لجنتى الشئون القانونية والتشريعية، ولجنة الشئون الخارجية والأمن القومى، وأخيرا نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، فضلا عن عدد من المحامين، والأكاديميين، وقادة المنظمات غير الحكومية. وأشار التقرير إلى أن شينين لاحظ أن مسودة قانون مكافحة الإرهاب يضم فى تعريفه للإرهاب أفعالا «لا تستتبع عنفا جسديا ضد الأفراد، مثل احتلال المبانى، أو منع أو إعاقة أى ممارسات فى مراكز دينية (مساجد أو كنائس)»، وعلق المقرر الخاص على التعريف المقترح بأنه «يصف بالإرهاب أفعالا ليست ضمن أفعال الإرهاب، ويمكن أن ينص عليها قانونا وتجرم فى أى جزء آخر من القانون، إذا اقتضى الأمر». وأوضح التقرير أن المقرر الخاص «نصح بقوة المسئولين المصريين الذين التقاهم بعدم النص فى القانون المقترح على أى كلمات من شأنها أن تصف المنظمات بكونها إرهابية بناء على أهدافها» وأن ينص القانون بدلا عن ذلك على تجريم «أفعال محددة»، كما أنه تحدث ضد «توقيع عقوبة الإعدام على قادة تلك المنظمات» فى حال إدانتهم. يذكر أن الأممالمتحدة لا تشجع تطبيق عقوبة الإعدام على أى جريمة كانت، فى أى دولة من دول العالم، كما أن محاكم القانون الجنائى الدولى، مثل محكمة جرائم حرب يوغسلافيا، أو حتى المحكمة الجنائية الدولية، لا تطبق هذه العقوبة. ومن المعروف أن عددا كبيرا من دول العالم يتجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام من قوانيه الجنائية، وتتركز أغلب تلك الدول فى القارة الأوروبية، فيما تظل أغلب الولاياتالأمريكية مؤيدة ل«أقصى العقوبة». وعند حديثه عن «الاعتقال الإدارى دون محاكمة»، أشار التقرير إلى أن المسئولين المصريين لم يستطيعوا تقديم رقم محدد لعدد المعتقلين إداريا وفقا لقانون الطوارئ، المستمر فعليا بحسب التقرير منذ إصدار قانون رقم 162 لسنة 1958. وبحسب التقرير تشير العديد من «المصادر» إلى أن هناك الآلاف من الأشخاص المعتقلين بموجب المادة الثالثة من قانون الطوارئ. وأضاف التقرير إلى أن المادة 3 من قانون الطوارئ تتيح لقوات «مباحث أمن الدولة» اعتقال المشتبه فيهم لا سيما هؤلاء الذين «يشكلون خطرا على النظام والأمن العام». ويذكر التقرير أنه بحسب القضايا الموثقة التى قدمت للمقرر الخاص فإن مباحث أمن الدولة غالباً ما تعمل على «تمديد أو تجديد حبس المشتبه بهم بالمخالفة لإحكام المحاكم القاضية بإطلاق سراحهم»، خاصة أن الكثير من أقارب المعتقلين يقدمون تظلمات للمحاكم أو استئنافات ضد حبس ذويهم. وأشار التقرير إلى أنه وفقا لهذه الآلية يقبع فى المعتقلات «أشخاص أمضوا سنوات، بل ربما أكثر من عقد»، وذلك عبر تجديد حبس المعتقلين لمدة ثلاثين يوما تجدد طالما رأت وزارة الداخلية أن الشخص المعنى ما زال «يشكل خطرا على النظام والأمن العام». وشجع المقرر الخاص الحكومة المصرية خلال لقاءاته بمسئولين رفيعى المستوى، على وضع معايير حكومية لتشجيع ثقافة السلام والتسامح الدينى، فى معرض حديثه عن «مبادرة نبذ العنف» التى أطلقها قادة الجماعة الإسلامية المعتقلين. من المعروف أن الجماعة الإسلامية أطلقت هذه المبادرة فى يوليو 1997، فيما سمى وقتها «المراجعات»، والتى نظر لها فقهيا وشرعيا «دكتور فضل» واسمه سيد إمام، وهو من كبار منظرى «الحركات الجهادية المسلحة» فى العالم. وما زال أغلب قادة الجماعة الإسلامية معتقلين حتى الآن على الرغم من إطلاقهم هذه المبادرة منذ أكثر من عقد، وبحسب التقرير فإن الحكومة استخدمت هذه المبادرة على انها أداة مساومة أو شرط لإطلاق سراح المشتبهين بتهم الإرهاب، وهو ما سمى بحسب التقرير «إعلان التوبة». وذكر التقرير، أنه على الرغم من نص القانون المصرى على أنه يجب أن يتمتع جميع المصريين بحقهم فى الحرية والأمان من الاعتقال والتعذيب، سواء عند تطبيق قانون العقوبات أو قانون الطوارئ، وأنه يجب أن تخضع جميع السجون ومراكز الحجز والحبس والتوقيف إلى إشراف قضائى (المحاكم وجهاز النائب العام)، إلا أن المراكز التى تديرها مباحث أمن الدولة لا تخضع لأى نوع من الرقابة القضائية، لذا لم يكن يستطيع التقرير بحسب قوله «تجاهل العديد من التقارير حول اعتقال مشتبه بارتكابهم أفعالا تعتبر إرهابا، ونقلهم إلى مراكز سرية». وفى هذه السجون «السرية وغير الخاضعة لأى إشراف قضائى» يمكن وبسهولة حدوث حالات تعذيب، وهو ما أقر به عدد من المسئولين المصريين عند لقائهم شيفين، حيث زودت الحكومة المقرر الخاص بمعلومات تشير إلى أنه خلال الفترة ما بين 2006 و2009 اتهم خمسة ضباط فى قضايا تعذيب، وحولوا إلى السجن، كما أن 49 شخصا خصم من رواتبهم لاشتراكهم فى مثل هذه القضايا. لكن التقرير يذكر أن المقرر الخاص روع من كون التحقيقات التى جرت مع ضباط من أمن الدولة لم تصل إلى نتيجة. وعلى الرغم من أن التقرير أورد عددا من التحديات التى تعوق تعديل هذه الأوضاع، فإنه ركز على عائقين اثنين، أولهما هو المحاكم الخاصة، والآخر «الحرب العالمية على الإرهاب» ودور مصر فيها. ويذكر أن المتهمين فى قضايا الإرهاب تمت محاكمتهم فى محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية، وهى محاكم لا يتمتع فيه المتهم بنفس القدر من الضمانات القانونية، التى يحصل عليها المتهم أمام القضاء العادى. ومن المعروف أن أعدادا كبيرة من «قضايا الإرهاب» انتهت بأحكام الإعدام وغيرها من العقوبات المشددة بحق المتهمين. وأشار التقرير إلى أن المسئولين المصريين زودوا المقرر الخاص بمعلومات حول تحضيرهم لمواد قانونية حول التعاون الجنائى الدولى، للتتناسب مع «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، لتنضم إلى مواد قانون مكافحة الإرهاب المقترح. يُذكر أن تقارير صحفية تداولتها وسائل الإعلام فى الفترة الأخيرة اتهمت مصر بأنها استقبلت عددا من المعتقلين، الذين تم القبض عليهم فى أفغانستان وباكستان بواسطة المخابرات المركزية الأمريكية (سى.أى.إيه) للتحقيق معهم، حيث مارست قوات الأمن المصرية التعذيب بحقهم، لكن لم يجر أى تحقيق حول الأمر حتى الآن. وفى الختام، خلص التقرير إلى أن مصر بسعيها إلى انهاء حالة الطوارئ، تخطو خطوة مهمة للغاية فى طريق تطبيق المعايير العالمية لحقوق الإنسان. لكن المقرر الخاص طالب الحكومة المصرية فى لقاءه مع كبار المسئولين بأن يضعوا نصب أعينهم ضرورة أن يتماشى قانون مكافحة الإرهاب المقترح مع الاتفاقات الدولية للحقوق الإنسان، والتى وقعت وصادقت عليها الحكومة المصرية.