«مصر مارد عملاق غنى بجميع الإمكانات التى تؤهله لتبوء مكانة عالية سينمائيا وفنيا ولكن هذه الإمكانات غير مستغلة على الإطلاق».. بتلك العبارة وصف المخرج النيجيرى فيكتور أوكهاى، رئيس لجنة تحكيم مسابقة أفلام الديجيتال فى الدورة الأخيرة بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، حال السينما المصرية.. وبقدر ما كانت العبارة مدحا لقدراتنا السينمائية بقدر ما كانت ذما فى عدم تمكننا من استغلالها بالشكل الأنسب.. فلماذا فشلنا فى استغلال الإمكانات المتاحة؟.. وما الذى ينقص السينما المصرية لتحلق فى سماء العالمية؟.. أسئلة كثيرة طرحناها على صناع السينما المصرية وجاءت الإجابة فى السطور التالية. الفنان يحيى الفخرانى، الذى رأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام العربية بمهرجان القاهرة السينمائى، قال إن المخرج النيجيرى كان يدعو إلى استغلال تكنولوجيا الديجيتال فى صناعة أعداد كبيرة من الإفلام، خاصة أن بلاده باتت تصنع نحو ألف فيلم فى العام فى إطار أفلام مستقلة. وأضاف الفخرانى: أما بالنسبة للسينما الروائية الطويلة، فبالطبع لدينا إمكانات مهدرة ولكنى أريد أن أشدد على فكرة السيناريو فهو الأهم ويجب على كتابنا أن يتجهوا إلى موضوعات محلية أكثر جرأة ويخوضوا مناطق جديدة، فالسينما الجيدة تنبع أولا من موضوع جيد. وعما إذا كانت السينما المصرية مؤهلة الآن لاقتحام السوق العالمية بحيث يكون الفيلم المصرى على قائمة الأفلام المطلوبة كنظيره الهندى والأمريكى مثلا، قال الفخرانى: أعتقد إننا نحتاج إلى مزيد من الوقت، فرغم أنى أرى السينما الآن تسير فى اتجاه جيد وصارت أفضل كثيرا من ذى قبل إلا أنها فى حاجة إلى مزيد من الوقت كى تنتج أفلاما مؤهلة لتضع أقدامها فى الأسواق العالمية وأريد أن أؤكد أن ذلك لن يتأتى إلا إذا ركزنا على مواضيع أكثر محلية وجرأة. المخرج محمد خان يلخص مشكلة السينما المصرية فى كلمة واحدة وهى «الإنتاج»، ويقول: لدينا إمكانات كثيرة غير مستغلة ولكن بالنسة لى لم يكن لدى يوما مشكلة مع الورق، فعلى سبيل المثال لدى حاليا أربعة مشاريع سينمائية، اثنان منها متوقفان واثنان أبحث لهما عن منتج، والمشكلة بشكل عام تكمن فى الإنتاج، الذى يبحث عن السهل فقط ويكتفى باسم النجم، فالوضع الآن برمته صعب، فالأزمة الاقتصادية صعبة ولا توجد السيولة الكافية. ورأى خان أن الحل يكمن فى البحث عن وسيلة لتقليل تكلفة صناعة السينما لإتاحة الفرصة أمام المخرجين كى ينطلقوا فى تقديم أفلام جيدة، موضحا أن سينما الديجيتال حل مثالى للخروج من تلك الأزمة كما فعل هو شخصيا مع فيلم «كليفتى»، وقال: تم عرض هذا الفيلم كتجربة وحيدة ولا توجد تجارب أخرى تساندها وتجعل منها اتجاها يساعد الفيلم، ولكن الآن وإلى حد كبير أصبحت تجربة الديجيتال تحظى بفرصة جيدة لم تكن متوافرة فى السابق ولا مانع إطلاقا أن تكون جميع أفلامى بعد ذلك ديجيتال لأنه هو المستقبل بالفعل. ومن المخرجين الكبار الذين قدموا للسينما علامات كوميدية مميزة قبل أن تضيق بهم السينما حاليا يأتى محمد عبدالعزيز، ويقول بلهجة لا تخلو من الغضب: الاحتكار وراء أزمة السينما المصرية، فلدينا جيوش من المبدعين ولكن كيف نخرج من عباءة المحتكرين؟.. وقد ابتعدت عن السينما منذ أن قام النظام الاحتكارى بالسيطرة على إدارة السينما ككل واستولى على الإنتاج والتوزيع ودور العرض مما خلق حالة من التهميش للكيانات الصغيرة، التى خرجت على يديها أهم الأفلام فى تاريخ السينما. وأضاف عبدالعزيز : للأسف.. الشركتان المسيطرتان على السوق الآن ليس لهما أدنى هم سوى الإيرادات.. وأنا لست ضد الشباك، لكن أن يتم الاستغناء عن الجانب الفنى من أجله ونبحر فى جوانب السلوكيات الشاذة والمناطق العشوائية.. فهذا غير مقبول.. وللأسف لم يعد هناك فرصة أمامنا لكى نتدخل أو أن نقوم بتعديل المسار.. وكم من الفنانين الكبار هرسهم ترس السوق التجارية! المنتج هشام عبدالخالق، أحد أضلاع التحالف الثلاثى مع شركتى أوسكار والنصر والماسة، وأحد المتهمين بالاحتكار، رفض الآراء السابقة وقال ساخرا: دائما نتحدث عن إمكاناتنا وتاريخنا و«نطنطن» بأننا أول من دخل «كان» ونزهو بتاريخ نحن لم نصنعه بأيدينا.. فى حين أن حاضرنا الراهن ليس به أى إنجاز مماثل.. ونحن بذلك نشبه أحمد مظهر فى فيلم «الأيدى الناعمة». وأشار عبدالخالق إلى أن الأزمة الحقيقية تتمثل فى سوء إدارة الصناعة ككل، فالجميع منكفئ على ذاته وينظر فقط إلى السوق الداخلية والجمهور دون أى رغبة فى تطوير تلك الصناعة، موضحا أن البعض يلجأ إلى توليفة معروفة لتحقيق النجاح فى التسويق الداخلى مكتفيا برقصة وأغنية شعبية لضمان النجاح الجماهيرى، على حساب النجاح الفنى واستمرار الصناعة. وأضاف: أنا متهم دائما ب«الجنون» لأنى أنفق كثيرا على الأفلام ولكنى أكون فخورا بينى وبين نفسى عندما أسمع ذلك. وأعرب عبدالخالق عن دهشته من فخر البعض بكلمة أفلام مهرجانات وقال: من الممكن أن نصنع فيلما عن العيال فى «الترعة» ويدخل المهرجان لكن يبقى التسويق هو الأهم، ففيلم «المسافر» الذى أنتجته وزارة الثقافة بتكلفة عشرين مليون جنيه وعرضته أبوظبى أمام حشد من الأجانب أضاع كل محاولاتنا فى تسويق الفيلم بالخارج لأن جميع من شاهدوه لم يعجبوا به وخرجوا يسبوه. وجهة نظر النقاد كانت أشد قسوة، حيث ترى الناقدة ماجدة موريس أن أى سينمائى فى العالم يتمنى العمل فى مصر لما تضمه من ممناطق جغرافية متنوعة وبحار ونيل وصحراء وآثار بالإضافة لإمكانات بشرية ومادية فضلا عن تاريخ سينمائى عريق.. لكننا حاليا نعانى من وسائل الإنتاج المشتتة بين بيروقراطية مقيتة وسيطرة رؤية «التاجر» وليس رؤية المنتج السينمائى فى صناعة السينما المصرية. وأشارت موريس إلى أن أفضل السيناريوهات لا تجد لها سبيلا للتنفيذ، ونجد كبار المخرجين والكتاب جالسون على «دكة الاحتياطى» منذ سنوات طويلة، رغم أنه من الطبيعى أن يكونوا محور تهافت شتى شركات الإنتاج. أما الناقد أحمد يوسف فشدد على أنه لا يوجد شىء اسمه الإمكانات لأن الإمكانات الحقيقية هى ما نستطيع تجنيدها لصالح العمل، موضحا أنه يتعجب عندما يسمع أن هناك 500 مخرج بنقابة المهن السينمائية ولا يعمل منهم أكثر من عشرة أو عشرين مخرجا ويزداد العجب عندما نجد أهم هؤلاء العشرة لا يصنع أفلاما إلا كل عدة سنوات! ودعا يوسف وزارة الثقافة لإصدار قانون يمنع الاحتكار على أن تتدخل فى عملية الإنتاج السينمائى بشكل حقيقى لا أن تلجأ إلى إنتاج فيلم بتكلفه 20 مليون جنيه وتكتفى بذلك، كما أن هذا المبلغ كان يكفى لصناعة أربعة أو خمسة أفلام رائعة. واتفقت معه الناقدة صفاء الليثى، وقالت: لدينا استوديوهات عالمية وقد رأيت بنفس استوديو «مومباى» مثلا الذى يذهب إليه صناع السينما فى العالم واكتشفت أن مساحته صغيرة ولا تقارن باستوديوهات عديدة لدينا، ورغم ذلك فإنتاجنا ضعيف لأننا نستسهل الأمور، لأن الربح بات الهدف الأهم حاليا، كما تزداد المشكلة تعقيدا فى ظل غياب النظام.