تعمل بعض الجمعيات الأهلية على تأهيل الأسر وبخاصة الأمهات للتعامل مع إعاقة الأبناء وتقبلها. كانت هدى تنتظر المولود بفارغ الصبر، أول فرحة للزوجين وأول حفيد لأسرة سامح. أجرت كل التحاليل اللازمة لضمان سلامة طفلها وكانت النتائج على ما يرام، فهدى ما زالت عشرينية، كما أن شجرة العائلة خالية من أى أمراض وراثية. «عندما كنت أرى أما تصطحب طفلها الذى يعانى من إعاقة ما، كنت أشعر بالشفقة عليها دون أن أفكر للحظة واحدة أننى فى يوم من الأيام سأكون مثلها». فى اليوم الثالث للولادة، وقع الخبر عليها كالصاعقة، المفاجأة كانت أكبر من تحملها فهى لم تفكر أبدا أن طبيب التحاليل سيخطأ فتنقلب حياتها رأسا على عقب. تروى هدى التى أتم طفلها عامه الثالث: «كنت كالمجنونة، أطوف فى البيت بين جدرانه الأربعة وأهذى، ثائرة، ألوم نفسى والطبيب، وأتمنى الموت. كانت الدنيا تبدو سوداء بدون أفق، أضيق من خرم الإبرة». ميلاد طفل معاق ذهنيا من أصعب المحن التى قد تهبط على الأسر من السماء، وتحتاج الأم إلى نوعية خاصة من المعاملة والتأهيل النفسى. تقول نانى صالح مديرة جمعية الحق فى الحياة والتى حرصت منذ تأسيسها أن يكون كل مجلس إدارتها من أمهات وآباء المعاقين ذهنيا: «هناك ثلاث شرائح من الأمهات: أم رافضة تماما للاعتراف بالإعاقة، وثانية تعلم أن طفلها لديه إعاقة لكنها منهارة نفسيا ويائسة، وثالثة تتجاهل المشكلة أصلا ولا تعطى أى اهتمام لطفل وكأنه كيان مهمل لا تريد رؤيته، وهذا لأمر الأخير خطير جدا لأن هؤلاء الأطفال على درجة عالية من الحساسية ويشعرون فورا بمدى تقبل أو نفور ذويهم وبالتالى ينعكس ذلك على نفسيتهم ونموهم». تمر الأم بمراحل نفسية مختلفة قبل أن تصل إلى تبنى أى من هذه المواقف، فهى تبدأ عادة بالشعور بالغضب، وتطرح على نفسها أسئلة ترتبط بمدى رضا الله أو سخطه، ثم قد تكره طفلها وتلوم نفسها خاصة إذا كانوا من حولها لا يساعدونها للخروج من هذه الدائرة المفرغة، فدور الزوج مهم جدا لتتجاوز هذه المرحلة. ففى بعض الأحيان كما يؤكد المختصون يرفض الأب الإنفاق على الطفل المعاق ويفضل تخصيص مصروفاته لأشقائه الطبيعيين إن وجدوا». تتفق هناء حسين، مديرة جمعية بيتى مع هذا الرأى مؤكدة أن المحيط قد يضخم المشكلة ويصور الأم على أنها المتهمة الأولى لأنها تناولت عقارا أو لم تهتم بحملها كما ينبغى»، ما يسعى إليه المدربون إذن هو أن يوصلوا الأسرة لمرحلة تقبل الأمر الواقع واستعادة توازنها. فتنظم بعض الجمعيات النشطة بالنسبة للإعاقة الذهنية دورات للتأهيل النفسى للأم على وجه الخصوص، ومن بين هؤلاء السيدة نانى صالح التى مرت بتجربة إنجاب بنتين معاقتين وتمكنت من تحويل المحنة إلى منحة بعد تأسيس واحدة من أقدم الجمعيات فى هذا المجال: «نعقد دورة كل 3 أشهر، حيث تجتمع أمهات حديثات العهد بالتجربة وأخريات أكبر عمرا لتبادل الخبرات، وهو يسمى بجماعات المساندة النفسية. نقدم أيضا من خلال هذه الدورات نماذج ناجحة لأطفال متميزين حصلوا على ميداليات أو حققوا بطولات فى شتى المجالات لنبرهن على أن هؤلاء الأطفال قابلون للتطور لكن مع بذل مجهود أكبر، وأن من الممكن الاستمتاع بتربيتهم مثل الأطفال الآخرين». وتوضح إيمان عرفة إخصائية إرشاد أسرى بجمعية الإغاثة الإسلامية أنهم يسعون لجمع أمهات يعانى أولادهن من أنواع ودرجات مختلفة من الإعاقة، «فى محاولة لإشعارهم أنهن لسن بمفردهن فى مواجهة هذا المصير». المشكلة أن عدد هذه الجمعيات رغم أهمية الدور الذى تؤديه قد لا يفى بالغرض، كما تقول هدى إحدى الأمهات: «الأم فى مصر تفتقد لما نسميه شبكة معلومات تقودها للخدمات المختلفة، فالوصول للخدمات الجيدة صعب للغاية ومكلف، بل ويعتمد على الجهود الذاتية». وقد ساهم موقع الفيس بوك فى حل المشكلة من خلال تجميع أكبر عدد من الأمهات المعنيين وإحداث نوع من التواصل، إلا أن الكثيرات ليس فى مقدورهن استخدام هذه التقنية.