احتشد آلاف المواطنين في 25 مركز تسجيل في مدينة صغيرة بشرق دولة أرض الصومال (صومالي لاند) لتسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين للتصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستشهدها هذه الدولة الصغيرة في شرق أفريقيا. ورغم أن أرض الصومال التي أعادت إعلان استقلالها قبل ثلاثين عامًا، غير معترف بها دوليًا فإنها دولة ديمقراطية، وتعتبر من الدول الأفريقية القليلة التي قاومت بشكل أفضل جهود الصين لربط دول القارة الأفريقية بفلك بكين على حد قول مايكل روبين، الباحث السياسي في معهد أمريكان إنتربرايز للدراسات السياسية. وقال روبين في تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إنه في أول يوليو 2020، فاجأت تايوان وأرض الصومالالصين ووزارة الخارجية الأمريكية بإعلان توقيعهما اتفاقية لإنشاء مكاتب تمثيل متبادلة. ونشر مجلس الأمن القومي الأمريكي على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي تعليقا على هذا التطور قال فيه "من الرائع أن نرى تايوان تكثف شراكتها في شرق أفريقيا في وقت تشتد فيه الحاجة إلى ذلك"، في المقابل سارع تشين جيان ، سفير الصين في الصومال ، لزيارة دولة أرض الصومال لمحاولة إقناع الرئيس موسى بيهي عبدي بتغيير اتجاهه، لكن بيهي رفض وترك الوفد الصيني في حالة انتظار . في الوقت الذي هددت فيه بكين دولة أرض الصومال دون جدوى. وبينما أدت صعوبات السفر الجوي بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد إلى تباطؤ التبادلات التجارية بين تايوان وأرض الصومال، يستعد مكتبا التمثيل للدولتين للانطلاق بمجرد توفر اللقاحات على نطاق واسع. وقال روبين إن مسؤولي أرض الصومال أبلغوه بأنهم بحثوا عن تايوان لأنها تستثمر فقط ولا تسعى لفرض نفوذها على الدول الأخرى كما تفعل الصين. ويرى أعضاء الحكومة الحالية لأرض الصومال ومعارضوها السياسيون أن بلادهم محصنة ضد الرشوة الصينية أو الوقوع في فخ بكين بفضل النقاش الديمقراطي والصحافة الحرة التي تضمن مسائلة الطبقة السياسية الحاكمة في أرض الصومال. في المقابل فإن النفوذ الصيني في كينيا أعمق بكثير. فمن الصعب أثناء التحرك بالسيارة في شوارع العاصمة نيروبي آلا ترى لافتات الشركات الصينية والإعلانات التي تعلن عن المعارض التجارية الصينية وغيرها من رموز الاستثمار الصيني في كينيا. وخلال هذا الأسبوع يحل الموعد النهائي لكي تسدد الحكومة الكينية قرضا بقيمة 1.4 مليار دولار إلى الصين كانت قد حصلت عليه كينيا لبناء خط سكة حديد من نيروبي إلى نيفاشا. و قد يواجه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا صعوبة في سداد تلك الدفعة بالإضافة إلى 5 مليارات دولار إضافية مستحقة للصين ، لكن كينيا لا تزال محظوظة نسبيًا، فديونها البالغة 6.4 مليار دولار للصين لا تمثل سوى 10% من إجمالي ديونها، وبالتالي فقدرة الصين على إملاء شروطها على نيروبي تظل محدودة. والصحافة الكينية تناقش وتحذر من مخاطر الديون الصينية. مرة أخرى، ليس من قبيل المصادفة أنه مهما كانت العيوب الموجودة في ديمقراطية كينيا، فإنها لا تزال تحتفظ بما يكفي من الضوابط والتوازنات الأساسية بحيث لم يتمكن أي شخص بمفرده من التوقيع على الصفقات التي من شأنها أن تسمح للصين بالسيطرة على البلاد. الأمر نفسه ينطبق على جنوب أفريقيا. حيث تعادل ديون تلك الدولة الديمقراطية للصين حوالي 4% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي. وأشارت صحيفة ديلي مافريك المستقلة في جنوب أفريقيا إلى أن الديمقراطية تحصين لجنوب إفريقيا ضد مصيدة الديون الصينية. "أفريقيا ليست الصين. إن الديمقراطية الأفريقية ليست منحة تكرم بها الحكام على الشعوب في يوم من الأيام؛ إنه النظام المفضل لدى الغالبية العظمى من المواطنين في ضوء التجربة السابقة". وفي أبريل 2020 هدد الرئيس التنزاني جون ماجوفولي، بإنهاء مشروع بقيمة 10 مليارات دولار لأن شروط القرض الصيني الذي وافق عليه سلفه كانت سيئة للغاية لدرجة ألا يقبلها إلا "سكير". وعلى الجانب الآخر أصبحت جيبوتي فعليًا مستعمرة صينية. وتعادل ديونها للصين أكثر من 80% من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي وقت سابق من الشهر الحالي وقعت حكومة جيبوتي اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار لتوسيع ميناء جيبوتي وهو ما يضيف المزيد إلى أعباء ديون جيبوتي. كما تخنق مصيدة الديون الصينية أنجولا ، وهي دولة تصنفها منظمة "فريدوم هاوس" على أنها غير حرة ، حتى بعد إعادة الهيكلة الأخيرة. ويشعر المواطنون الكاميرونيون بشكل متزايد أنهم لا يحققون أي استفادة من الصفقات التي أبرمتها حكومتهم مع بكين. كما تعاني إثيوبيا، من الديون الصينية ، التي تراكمت في عهد رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين. في حين أن خليفته آبي أحمد يتفاوض على شروط جديدة أخف. ومن المرجح أن تغريه الأموال الصينية، خاصة أنه يدير ظهره للديمقراطية. كما تتجه الصومال بشكل متزايد نحو الصين حيث يسعى الرئيس الصومالي محمد عبد الله فارماجو إلى تجنب الديمقراطية الدستورية لصالح دكتاتورية مركزية. وبالفعل وقّع اتفاقيات لن لا يمكن أن تمر في أي مراجعة ديمقراطية. ويرى روبين أن السفارة الأمريكي في مقديشيو تدعم الرئيس الصومالي ، وتساهم في محاصرة أرض الصومال وهو ما يصب في النهاية في صالح الصين. ورغم أن السياسات الأمريكية الأخيرة قوضت سلطة أمريكا في التحدث عن الديمقراطية، لكن ذلك لا يغير الضرورة الاستراتيجية لاحتضان الديمقراطيات والحذر من الديكتاتوريات. فالدول التي تتبنى الديمقراطية مثل بوتسوانا وأرض الصومالوجنوب إفريقيا أكدت باستمرار أنها قادرة على تحصين نفسها بشكل أفضل ضد الاستغلال الصيني. على النقيض من ذلك ، سرعان ما سقطت الدول الديكتاتورية مثل جيبوتيوالصومال وإثيوبيا في فخ النفوذ الصيني.