مصر تبحث تعزيز الاستثمارات السعودية في صناعات البتروكيماويات والأسمدة    مفاجأة لجميع موظفي الحكومة خلال الأسبوع الجاري    محافظة الجيزة: إزالة العوائق بمحيط مدرسة ترسا الجديدة بالطالبية    "الفاشر تحت الحصار".. هجمات دامية وتفاقم إنساني في دارفور(فيديو)    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء أكثر من 550 ألفا من سكان مدينة غزة    التعادل يحسم قمة آرسنال ضد مانشستر سيتي.. شاهد هدفا المباراة    السجل الذهبي.. برشلونة الأكثر تتويجًا بكأس العالم للأندية لكرة اليد وماجدبورج الثاني    العرب بلا ذهب للمرة الأولى منذ 10 سنوات في مونديال ألعاب القوى    بداية فصل الخريف رسميًا غدًا.. حالة الطقس الاثنين 22 سبتمبر 2025 في مصر    "الشؤون الدينية" تُعلن التسجيل لرخصة التطويف بالمسجد الحرام    في أحدث ظهور.. ملك أحمد زاهر تشارك صورا من حفل تخرجها    ابنة الوزير في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي تتصدر التريند.. لهذا السبب    بفستان مثير.. مي سليم تخطف الأنظار في أحدث ظهور    هل الكسوف والخسوف غضب من الله؟ الأزهر للفتوى يجيب    دار الإفتاء: زواج الأخ من زوجة أخيه جائز بشرط    محافظ المنيا ورئيس هيئة الرعاية الصحية يبحثان تطبيق التأمين الصحي الشامل وتطوير الخدمات الطبية    قصر العيني 200 عام: قرنان من الريادة الطبية والإنسانية    بالمستند.. اكاديمية المعلم تقرر مد فترة التدريبات وحجز اداء الاختبارات امام اامعلمين للحصول علي شهادة الصلاحية    سفير كندا بالأمم المتحدة: الاعتراف بفلسطين لحظة ضرورية وليست قرارا اندفاعيا    دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة يناير 2026    وزير العمل: جهود مكثفة لمواجهة شركات التوظيف الوهمية وحماية الشباب    عبير صبري زوجة خالد الصاوي في زمالك بولاق.. وجلسة تصوير تضعها فى صدارة التريندات    سيد رجب ورياض الخولي يقدمان العزاء في شقيقة أحمد صيام    سفير أنقرة يشكر رئيس الوزراء لدعم الاستثمارات التركية في قناة السويس    رسميًا.. اللواء أشرف نصار رئيساً لنادى البنك الأهلي والسرسي نائبًا    عضو مركز الأزهر: ثلاثة أوقات تُكره فيها صلاة النفل بلا سبب    «فادي فريد يقود الهجوم».. الظهور الأول لتامر مصطفى لقيادة الاتحاد السكندري في مواجهة زد بالدوري (صور)    مجلس النواب يرحب باعتراض رئيس الجمهورية على بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية    موانع التطعيمات المقررة للتلاميذ داخل المدارس    ثلاثة عوامل خطرة تزيد من احتمال الإصابة بمرض الكبد الدهني القاتل    موعد صلاة العشاء ليوم الأحد .. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    العراق يشغل أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية جنوبي بغداد    شريهان أشرف تقدّم خطوات مكياج دافئ وهادئ لخريف 2025 في «ست ستات» على DMC    في واقعة الإسورة الأثرية.. النيابة توصي بمنع دخول حقائب مرممي الآثار وتفتيشهم عند الخروج وتركيب كاميرات مراقبة    تفاصيل انفجار خط غاز بحر مويس في بنها بسبب خطأ سائق حفار.. فيديو وصور    تنفيذ قرارات إغلاق لعدد من المحلات المخالفة جنوب الغردقة    تأجيل محاكمة 11 متهما بقضية "خلية حلوان" لجلسة 2 نوفمبر المقبل    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بالبحيرة    أدعية الصباح اليوم.. طاقة روحانية وسكينة في النفوس    السودان.. مقتل مسئول حكومي شمال دارفور ونزوح 7500 شخص بالفاشر    135 مخالفة زيادة أجرة وخطوط سير خلال حملة بمواقف الفيوم "صور"    إعلامي: كارلوس كيروش سيكون مديرا فنيا للأهلي ولكن بشرط    الرئيس السيسي يوجه برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب    محافظ المنوفية: 550 مليون جنيه استثمارات لتطوير التعليم بالمحافظة    غياب لامين يامال.. قائمة برشلونة لمباراة خيتافي في الدوري الإسباني    4 أفلام في 2025.. مصطفى غريب يحصد جائزة أفضل ممثل كوميدي من «دير جيست»    فوز السكة الحديد وبروكسي.. نتائج مباريات الأحد في الدور التمهيدي لكأس مصر    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس.. هل تظهر في مصر؟    البيت الأبيض يحدد صفقة «تيك توك» التي تمنح أمريكا السيطرة على الخوارزمية    مدينة الدواء "جيبتو فارما".. أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن| فيديو    أستراليا تعلن اعترافها رسميًا بدولة فلسطين    البورصة المصرية تخسر 11.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الاحد 21-9-2025 في محافظة قنا    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    وكيل «تعليم بورسعيد» يشهد أول طابور صباحي بالعام الدراسي الجديد (فيديو)    تنورة وعروض فنية.. مدارس دمياط تستقبل العام الدراسي الجديد.. ولجنة وزارية تتفقد مدارس المحافظة (فيديو)    توزيع البلالين والأعلام على التلاميذ يتصدر مشهد أول يوم دراسة ببني سويف    رغم العراقيل الإسرائيلية.. قوافل "زاد العزة" تواصل طريقها من مصر إلى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخلاقيات اللعب عند الكلاب
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 12 - 2009

تعلمنا فى مدارسنا وبيوتنا أن الوازع الأخلاقى مقدرة لا تتوافر إلا عند الكائنات البشرية. لم نعرف إلا لاحقا أن هذه المقدرة ليست بالضرورة مرتبطة بالبشر، بعد أن رأينا وعاشرنا وتعاملنا مع بشر لا يمتلكون هذه المقدرة. ثم فاجأتنا أحدث الدراسات العلمية، وفاجأت الفلاسفة وعلماء الأنثروبولوجيا خاصة، حين أثبتت بالبحث العلمى أن لبعض فصائل الحيوان قدرة على صنع منظومة أخلاق خاصة بها وقدرة على التزامها والتمسك بها.
كنا نعرف أن للحيوانات، أو لبعض أنواعها على الأقل، حياة اجتماعية خاصة بها، وأن الحيوانات تتعاون فيما بينها ويعطف بعضها على البعض الآخر ويواسيه إن ألمت به مصيبة أو أذى..
وعرفنا أن مسيرة تطور المخلوقات خصصت للتعاون والتعاطف بالقدر نفسه من الطبائع الذى خصصته للتنافس والخشونة والوحشية. بل إن أحد كبار الباحثين وهو عالم الأنثروبولوجيا بجامعة واشنطن «سانت لويس» روبرت ساسمان Sussman Robert وزميليه بول جاربر وجيم شيفيرود نشروا فى عام 2005 نتيجة بحث قاموا به وجاء فيها أنهم وجدوا أن 90٪ من التفاعلات الاجتماعية بين فصائل متنوعة من الحيوانات كانت من نوع التفاعلات الحميمة والهادفة إلى دعم الانتماء والالتحاق، وليست كما ساد فى التصور العام تنافسية أو تفريقية.
جاء أيضا أنهم توصلوا إلى أن فصائل كثيرة تميز بين ما هو صحيح أخلاقيا وما هو خطأ، وأن أنواعا منها تراعى «مبادئ» العدل والمساواة وتمارس المغفرة والثقة المتبادلة وإنكار الذات والتسامح والحرص على كرامة الحيوان الفرد والجماعة وبعضها يحترم قيمة المعاملة بالمثل.
أما الحديث جدا فيما اكتشفناه بأنفسنا خلال الأسابيع الأخيرة فهو أن البشر، أو بعضهم على الأقل، كثيرا ما يقصرون فى التزامهم احترام قواعد الأخلاق عندما يمارسون لعبة من ألعابهم أو عندما يشجعون فريقا منهم ينازل فريقا من قبيلة أخرى أو من فصيل آخر. فى الوقت نفسه، أو ربما قبله بقليل، كان آخرون فى الولايات المتحدة يكتشفون أن نوعا معينا من الحيوانات، وهو من عائلة الكلاب كالذئاب الرمادية والذئاب المتوحشة والكلاب الأليفة، يلتزم قواعد أخلاقية معينة عندما يقرر أفراده ممارسة لعبة من الألعاب.
ففى كتابهما الصادر بعنوان «العدالة الوحشية: الحياة الأخلاقية للحيوانات» لاحظت Pierce Jessica وزميلها Becoff Marc أن الحيوانات تلعب لتتسلى وتقضى الوقت ولكن أيضا لأنها تعتبر اللعب مهمة «تربوية» جادة.
هى تلعب وفى الوقت نفسه تتعلم ممارسة علاقات «نظيفة» عن طريق التدريب على الالتزام بقواعد «اللعب النظيف». لاحظا أيضا أن الحيوانات وهى تلعب يراقب بعضها بعضا لتتقن أصول اللعب وأخلاقياته وتنبه المخطئ إلى الخطأ.
يذكر المؤلفان أنهما اكتشفا من خلال التجارب الكثيرة التى أجرياها على حيوانات تلعب كفريق أن هناك ما يشبه التوجيهات أو النصائح المهداة إلى كل «فرد» يريد أن يشارك فى اللعب أو لعلها مفروضة عليه، وهى «اسأل أولا وراقب جيدا، وكن أمينا، والتزم القواعد، واعترف بالخطأ إن أخطأت».
وكان اكتشافا مثيرا أدخل سعادة هائلة إلى قلوب كل من شارك فى البحوث التى خطط لها الباحثان جيسيكا ومارك حين اتضح لهما أن اللعب بين فريقين من الحيوانات يتوقف عندما تسود الخشونة وتتعدد الألعاب غير النظيفة.
من ناحية أخرى عمد المؤلفان إلى توثيق نتائج بحوثهما فاحتفظا بأفلام تصور صغار اللاعبين من الكائنات الحيوانية، أو الناشئين حسب التعبير المستخدم بين الكائنات البشرية، وهم يتفاوضون فيما بينهم بعناية على قواعد اللعب مستخدمين إشارات تضمن عدم الانحراف باللعب إلى التقاتل والشجار.
من هذه الإشارات مثلا حك الأجساد والركوب فوق بعضها البعض بهدف توضيح النوايا البريئة حتى لا يساء تفسيرها إذا مورست خلال اللعبة.
كان مثيرا للغاية ما قرأته عن «الانحناءة».
لم أكن أعرف أن حيوانات بعينها، ومنها الذئاب والكلاب، إذا أراد صغير فيها أن يلعب مع صغار من عمره أو مع الكبار فإنه يأتى إليهم وهم يلعبون وينحنى أمامهم. وللانحناءة أصول ومراسم. فهو يزحف على بطنه بطيئا.. بطيئا فى اتجاه من يريد أن يلعب معه، وقد ينبح أمامه أو يهز ذيله بعنف، ثم يركز عينيه عليه بنظرة ثاقبة حتى يؤذن له باللعب.
ويستخدم اللاعبون أحيانا هذه الانحناءة أثناء اللعب كإشارة صدق وأمانة وعلامة ثقة وأحيانا كاعتذار عن عضة كانت قاسية عن غير قصد. وفى أحيان أخرى يحلو للحيوان أن ينام على ظهره أثناء اللعب تأكيدا للاعبين جميعا على مدى اطمئنانه لهم وثقته فيهم.
وتقول الأستاذة جيسيكا إن الحيوان لا يفعل ذلك عادة خارج «ساحة اللعب» لأنها تجعله عرضة للاعتداء بينما يستطيع فى الملعب أن ينام على ظهره بعد أن عرف أن الملعب ساحة سلام وثقة متبادلة، كما ظهر من التجارب الميدانية المكثفة أن الحيوان الذى يخون الأمانة أثناء اللعب ويتصرف بخشونة متعمدة أو بنوايا عدوانية ومؤذية، عادة ما يجد نفسه منبوذا من قبل الجماعة بأسرها، مهما حاول الانحناء طلبا للمغفرة.
ظهر أيضا أن المنبوذين سرعان ما يرحلون بعيدا عن القطيع أو يهاجرون إلى أقاليم أخرى. لوحظ أيضا، وبأسلوب علمى مدقق، أن المنبوذين يموتون مبكرا.
أفهم أن الحيوانات إذا اختارت أن تذهب إلى الملعب فقد ذهبت لتلعب وليس ليأكل بعضها بعضا أو ليقاتله أو ليتحرش به جنسيا. تذهب لتلعب وهى تدرك تماما ومقدما أنها إذا خرقت قواعد اللعب النظيف تعرضت للعقاب. هذه الحيوانات لا يحكم تصرفاتها وسلوكياتها قبل اللعب وأثناءه وبعده ضمير. فالضمير رادع بشرى لا يتوافر فى عالم الحيوان.
مع ذلك يقول أنطونيو داماسيو فى كتابه «خطأ ديكارت» ويتفق معه دانيال واجنر فى كتابه «وهم الإرادة الواعية»، أن الغالبية العظمى من السلوكيات الأخلاقية للبشر يمارسها الإنسان بعيدا عن رادار الضمير، تماما كما يفعل الكثيرون من سائقى السيارات الذين يخططون لإبطال مفعول أجهزة الرادار المثبتة على الطرق السريعة أو للتحايل عليها، وكما فعل الغوغاء من البشر والمهيجون لهم حين تجاهلوا ضمائرهم أو تحايلوا عليها بالكذب والتهييج والوطنية الزائفة وتنكروا للأخلاق وأساءوا إلى لاعبين مصريين وجزائريين شهد الجميع لهم بالتزام قواعد اللعب النظيف.
مطمئن أنا إلى أنه مع تقدم البحث العلمى نحو فهم أفضل لأخلاقيات الحيوانات سيأتى يوم نجيد فيه الاستمتاع باللعب النظيف مستفيدين من أخطائنا ومستعينين بضمائرنا ومستعيرين من كائنات أخرى أفضل سلوكياتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.