انطلاق فعاليات الأسبوع الدعوي حول مقاصد الشريعة في بناء شخصية الشاب المسلم بعين شمس    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    مصر تواصل دعم غزة.. دخول 9250 طنًا من المساعدات الإنسانية    رئيس الوزراء يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    نائب محافظ بني سويف يعقد اجتماعا لمتابعة سير العمل بمشروع مجمع مواقف محور عدلي منصور    مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    وليد جاب الله: مصر تحقق أعلى نمو فصلي منذ 3 أعوام بفضل انطلاقة قوية للقطاع الخاص    نجل ترامب يتوقع إنهاء الدعم الأمريكي لأوكرانيا    بكين تعلن عن ثالث مناورة مشتركة مع موسكو في مجال الدفاع الصاروخي    ميدفيديف: التوترات القائمة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي في صالح روسيا    الشرع: إسرائيل شنت أكثر من 1000 غارة و400 توغل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد    صفا سليمان تحقق إنجازا تاريخيا في بطولة جراند سلام للجودو    حسام عبدالمجيد: «سيبقي الزمالك دائمًا محارب قوي»    دياباتي يبتعد عن التتش.. خلافات مالية توقف تقدم مفاوضات الأهلي    الداخلية تكشف عن ملابسات فيديو يظهر خلاله شخص وهو يستعرض ب«مطواة»    تأجيل محاكمة رئيس حي شرق الإسكندرية بتهمة الرشوة لجلسة 11 ديسمبر للنطق بالحكم    تأجيل محاكمة 76 متهما بالهيكل الإداري بالقطامية    تشييع جثمان "عروس" قتلها زوجها بقرية مشتهر بطوخ    آية الجنايني تتألق بإطلالة لافتة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي (صور)    خالد الجندي: أعظم هدية قُدِّمت للمجتمع المصري برنامج دولة التلاوة    ميرفت القفاص: عمار الشريعي الغائب الحاضر.. وصندوق ألحانه ما زال يحمل كنوزا    تعليق صادم من الفنانة مي عمر عن آراء النقاد بها    وكيل صحة شمال سيناء يفاجئ وحدات نخل ويحيل مسؤولين للتحقيق    طب الإسكندرية تُطلق قافلة طبية شاملة لخدمة مركز التأهيل المهني بالسيوف    بالأرقام .. وزير الصحة يكشف أنواع الفيروسات التنفسية الأكثر انتشارا    وزير التعليم العالي ومحافظ القاهرة يشهدان بدء تنفيذ مشروع مستشفى جامعة حلوان    كمال درويش: أرض أكتوبر المتنفس الحقيقي للزمالك.. والأمور أصبحت مستحيلة على مجلس الإدارة    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    وزير الصحة: اللقاح الموسمي فعال وفيروس "ماربورج" غير موجود في مصر    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    منافس بيراميدز المحتمل - وصول بعثة فلامنجو إلى قطر لمواجهة كروز أزول    مؤسستا ساويرس وعبلة للفنون تجددان شراكتهما لدعم المواهب المصرية الشابة    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بسجلات تفصيلية جديدة لضبط السوق    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«طبيب أرياف».. رحلة الإنسان بين الحب والذنب والرغبة والاتهام
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 12 - 2020

الجميع متهم فى الرواية لكنهم ينجحون فى إقناع أنفسهم بالعكس ولا يعترفون بأخطائهم..
يقول المثل الشعبى العتيق: «الكتاب يبان من عنوانه»، حسنا، هذا لا ينطبق على رواية «طبيب أرياف»، أحدث روايات الكاتب الكبير الدكتور محمد المنسى قنديل، والصادرة مؤخرا عن دار الشروق، حيث إنها تبدو للوهلة الأولى رواية عن مغامرات طبيب فى الأرياف، ما سيدفع الأذهان لتصور نمطية الأحداث وسيرها وشخوصها، إلى جانب تقديم تصور لعالم الريف بمفرداته وأسلوب حياته وعالمه الخاص، إلا أنها، بالإضافة إلى كل ذلك، تحمل ما هو أعمق وأنضج من هذه التصورات السطحية، إنها رواية عن الإنسان المثقل بالهموم والخطايا، المذنب والمتهم والضحية فى آن واحد، الغارق فى اليأس والمتشبث بالأمل الواهى، المريض جسدا وروحا سواء بما قدمت يداه أو أيدى الآخرين.
نقرأ أحداث رواية «طبيب أرياف» بعيون الدكتور «علي»، الطبيب المنقول إلى الوحدة الصحية فى إحدى قرى صعيد مصر، ورغم وضوح الإشارات إلى زمن وقوع الأحداث نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين إلا أن أحلام الشخصيات ومعاناتها وآلامها يمكن أن تناسب أى زمن آخر.
بين كل شخصيات الرواية كان الطبيب هو الوحيد المحمل بالذنب طوال الوقت، يعانى من صدمات عدة أبرزها وأخطرها صدمة المعتقل الذى خرج منه إلى القرية بندوب فى جسده وروحه، فاقدا الثقة فى أقرب الناس إليه وباحثا عن بداية جديدة. يأسف ويتأسف للجميع، فى حين أن كل من حوله مصابون باللا مبالاة تارة واليأس تارة أخرى، لم يتبرأ من أخطائه ولحظات ضعفه ولم يعلقها على شماعة أخرى سوى نفسه، بل إن لديه بصيص شجاعة لتحمل نتيجة أفعاله، بينما يختفى ذلك البصيص وتحل محله أكوام من الجُبن فى مواجهات تشعل جذوة صدمته النفسية جراء امتهان كرامته وإنسانيته فى المعتقل، فيلتصق بالحائط خوفا ولا يجسر على التحرك، كما فعل حرفيا أمام مسدس المأمور فى أحد فصول الرواية.
الجميع متهم فى الرواية بشتى الاتهامات، لكنهم ينجحون فى إقناع أنفسهم بالعكس، دون الاعتراف بأخطائهم. بدءا من محروس عامل مكافحة البلهارسيا وصديق الرئيس جمال عبدالناصر شخصيا ومرافقه فى حرب فلسطين وحصار الفلوجة، العامل الذى يحظى بمزايا رهيبة نتيجة صداقته مع الرئيس، والمتهم فى الوقت نفسه باستخدام سموم القضاء على قواقع البلهارسيا فى صيد السمك وبيعه بدلا من استخدامها فى التخلص من تلك القواقع والقضاء على هذا المرض الملعون. يراها محروس تهمة فى غير محلها، فمن غير المنطقى أن يبيع سمكا مسمما، كما أنه لن يقف وحده فى مواجهة شطآن الترع والمصارف بل ويعزى ذلك كله إلى اكتشافه فساد كل شيء، فلماذا يحمل هو ذنب كل شيء؟
ومن محروس إلى الممرضة فرح، ضحية البيئة التى تربت فيها ونجحت أن تكمل تعليمها إلى مرحلة ما، لتتزوج ابن عمها المكتوب لها رغم تفوقها عليه علميا وعمليا من قبل حتى أن تولد كما تنص الأعراف، وتمضى بها الحياة حتى يتقاطع طريقها مع الطبيب، وتحمل بذرة هذا التلاقى التدريجى والقرب المتعمد داخلها ملقية اللوم كله عليه فى النهاية دون أن تعترف بتهمتها أو تواجه نفسها بها، كما يفعل الطبيب دوما.
أما شخصية المأمور فهى شخصية ثرية ذات جوانب متعددة كشفت عن مزيج من الصفات والسمات، فهو جبان ومعتد بنفسه، يزهو بسلطته ويتلذذ بفرضها على من هم أقل منه سلطة، شأنه فى ذلك شأن الطبيب الذى لم يقدر على أى مواجهة سوى أمام من هم أضعف منه حيلة (موظفو مديرية الصحة وعيسى زوج فرح). الحقيقة أن جميع من فى الرواية كانوا أقل من المأمور سلطة حتى من يبدو أنه أعلى، مثل قاضى لجنة الانتخابات/ الاستفتاء، بل إن الظهور الأول للمأمور كان يحمل صخبا يليق بشخصية مثله ربما يعتقد البعض أنها كاريكاتيرية، ومثله مثل الجميع، يبرر أفعاله لنفسه قبل تبريرها للطبيب ملقيا اللوم على الآخرين ومشيرا بأصابع الاتهام لأى شخص آخر عداه هو الذى يحافظ على الأمن فى القرية.
فى «طبيب أرياف» هناك عالمان تنقلت الأحداث بينهما، أحدهما واقعى للغاية والآخر ينتمى إلى جو الأساطير، ينتهى العالم الواقعى مع النصف الأول من الأحداث وحتى ظهور الغجر وكبيرتهم «الجازية» ذات الشخصية الكاسحة والحكمة البالغة، ليبدأ النصف الثانى الساحر الأسطورى مع حكايات السيرة الهلالية التى ترويها الجازية للفلاحين بأداء مبهر يغرقون فيه وينسون واقعهم المرير، بل يغرق فيه القارئ مسحوبا خارج أراضى الرواية مستفيقا فقط على صوت نقرات الطبلة قبل أن يعاود الغوص فيه، ثم رحلة الصحراء المرعبة لإنقاذ المهاجرين إلى ليبيا من الضياع عبر بحر الرمال المتحركة والصحراء البيضاء وما تحمله من حيوانات ضارية وضباع، فى حملة ترأسها المأمور قائدا مع الطبيب مسعفا ومنقذا والجازية دليلا لا يشق لها غبار. حتى إقامة الانتخابات/ الاستفتاء على الرئيس الجديد خليفة الرئيس المُغتال غدرا دارت فى أجواء واقعية سحرية عجيبة داخل الوحدة الصحية بتكليف من المأمور ومارس فيها الطبيب انتقاما خفيفا سرعان ما انقلب عليه فى النهاية.
لم أكن أحب أن تنتهى الأحداث، كلما غصت فيها كلما وددت لو كان هناك أكثر، الأسلوب الأدبى الرفيع غير المتكلف السلس المترابط، الحكايات المروية بعذوبة رغم كل ما يعتريها من ألم كبير وبهجة شحيحة، الشخصيات المرسومة بدقة حتى تكاد تراها أمامك، كلها عوامل جذبتنى إلى أعماق الرواية لأعيش على مدار أيام متواصلة وقراءات متقطعة فى عالم ساحر صاغه محمد المنسى قنديل خلال عزلة مرض الكورونا، يختزل داخله العالم الأكبر بما يحمله من حب ورغبة وجنون وأمل ويأس وضعف، يختزل داخله الإنسان بكل شطحاته وكل كبواته وأمراضه ومخاوفه، ويمرره لنا من خلال عيون «طبيب أرياف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.