فى سنة 2016 قبل انتقال السفير أحمد بن حلى، الأمين العام الأسبق المساعد للجامعة العربية إلى جوار ربه قال فى شهادة مسجلة بصوته لمحرر المذكرات، خالد أبو بكر، بعدما أعطاه صورة من المحضر الرسمى لمقابلة السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية والرئيس العراقى الراحل صدام حسين، والتى حضرها بن حلى، ما يلى بالنص الحرفى: «هذه نسخة من محضر مقابلة الأمين العام، السيد عمرو موسى، مع الرئيس صدام حسين، مكتوب بخط يدى، الذى أتمنى أن تستطيع قراءته بسهولة. لكننى أود أن ألفت انتباهك بأننا فى كتابة محاضر الاجتماعات لا نسرد كل التفاصيل، ونكتبها بطريقة حرفية معينة. دعنى أقص عليك بعضا من هذه التفاصيل التى لن تجدها بالمحضر فيما يلى: عندما دخلنا إلى الاجتماع مع الرئيس صدام بدأ عمرو موسى بتلطيف الجو بعدم البدء بالموضوعات الخلافية. كان صدام يعيش فى هيلمان وأبهة ويتكلم بنوع من الفخامة. شعرت عند بدء اللقاء أنه لا يعرف عمرو موسى عن قرب، ربما التقاه مرة أو مرتين عندما كان وزيرا للخارجية، لكنه لا يعرفه حق المعرفة. بعد التقديم بالقضايا العامة دخلنا للموضوع المهم، وهو إقناع الرئيس صدام بالتجاوب مع قرار صادر عن القمة العربية خاص بتعامل العراق مع المراقبين والمفتشين الدوليين (على أسلحة الدمار الشامل)، والعراق كان متحفظا على القرار. كما كان عمرو موسى يريد أن يتعامل العراق بأقصى حد من التعاون دون إثارة المشكلات مع الأممالمتحدة؛ لتفويت الفرصة على المساعى الأمريكية لضربه. كان الأمين العام يريد من صدام اتخاذ قرارات تجنب العراق ضربة عسكرية يراها وشيكة، ويريد إقناع الرئيس صدام بأن العراق مقبل بالفعل على هذه الضربة التى ستقضى على العراق كله، وهذه رسالة قوية بدأ عمرو موسى يشرحها. راح الرئيس صدام يخفف من هول ما يتعرض له العراق بقوله: احنا صامدين ومهما كان لن يموت العراق. عندما سمع موسى هذا الكلام شعرت أنه فقد صبره، ووجدته يرد بغضب شديد بلهجته المصرية على صدام: اسمع بقى يا سيادة الرئيس.. التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك بكل صراحة. أنا بقولك العراق معرض لضربة قاصمة من الولاياتالمتحدة القوة الكبرى الأولى فى العالم.. هل أنت واع بأن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟ هل أنت واع لمسئوليتك فى تجنيب العراق هذه الويلات؟ قال ذلك عمرو موسى بنبرة بدت وكأنها صرخة فى وجه صدام حسين. حاول صدام مقاطعته قائلا: يا دكتور عمرو. باغته موسى غاضبا: أنا مش دكتور، بقولك يا سيادة الرئيس: العراق فى خطر، استجب لما نطرحه عليك من إجراءات تعيد تواصل العراق مع الأممالمتحدة ومع أشقائه فى الجامعة العربية. شعرت بأن الرئيس صدام كان فى غيبوبة؛ فاكتشف الوضع الخطير بكلام عمرو موسى، الذى قال له بوضوح: إن العالم تغير، وأنه لا الأوروبيون ولا الروس سيساعدونك، ومصير الشعب العراقى فى يدك. وبدأ صدام يصغى بالفعل لطرح عمرو موسى، وعندما وصل الحديث للفنيات الخاصة بالتفتيش على الأسلحة أعطانى عمرو موسى الكلمة، وكان معنا رئيس مكتب الجامعة فى واشنطن، حسين حسونة، وهشام بدر. بدأ صدام يستوعب. وفى الأخير وقال لعمرو موسى أنا أفوضك لتتكلم باسم العراق واذهب لسكرتير عام الأممالمتحدة وقل له سنتعاون معه. شعرت وكأن الرئيس العراقى اكتشف عمرو موسى؛ لأنه تحدث معه بلغة لم يعتد عليها صدام، لغة فيها صراحة وتحميل مسئولية، وفى آخر المطاف قال له: أنا مفوضك للتحدث باسم العراق، وقال له: اتصل بأمريكا وكوفى أنان، وفعلا عمرو موسى أجرى اتصالاته لكن للأسف كان يبدو أن قرار الحرب قد اتخذ. وربما هذا اللقاء التاريخى بين موسى وصدام لو كان قبل هذا التاريخ أنا أقولك بكل أمانة كنا جنبنا العراق هذه المأساة وهذه الحرب ضده من الولاياتالمتحدة. بعد المقابلة وبعد عودتنا إلى القاعدة العسكرية ركبت أنا مع عمرو موسى فى نفس السيارة فى طريقنا إلى غداء أقامه وزير الخارجية الذى تركنا فى القاعدة لبعض الوقت ليستقبلنا فى أحد النوادى، حيث يتم حفل الغداء، قال لى: إيه رأيك؟ قلت له: الحوار كان صداميا، وربى يستر ونطلع من المطار بسلام. أكتفى بهذا لأنى سأعطيك المحضر الذى فيه بقية التفاصيل».