إبراهيم المعلم: ركيزتا النشر كما حددهما ناشرو العالم 1896 صيانة حرية التعبير واحترام حقوق الملكية الفكرية * خالد عكاشة: صناعة النشر من ركائز بناء الحضارة الإنسانية * حسن أبوطالب: النشر يواجه تحديات كثيرة وآخرها «كورونا» * عبدالمنعم سعيد: التزوير مشكلة قديمة وستستمر.. ولابد من طرق جديدة لمواجهته أحمد بدير: النشر التعليمى فى العالم كله يعتمد على الناشر الخاص الذى يساعد الدولة فى تطوير المناهج وخلق محتوى تعليم حسام لطفى: صناعة النشر قضية أمن قومى ناقش «المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية» التحديات التى تواجه صناعة النشر فى الوقت الراهن، وسبل التغلب عليها، والدور الذى يمكن أن تقوم به المؤسسات النقابية للناشرين المصريين والعرب، لتجاوز مشكلات صناعة النشر مصريا وعربيا. وتطرق المركز، فى حلقة نقاشية، عقدها مساء الأحد الماضى تحت عنوان: «معركة بناء الوعى الوطنى.. تحديات ومبادرات صناعة النشر المصرية»، برئاسة الدكتور خالد عكاشة، مدير المركز، وبمشاركة عدد من المتخصصين، إلى الوضع القانونى لصناعة النشر المصرية، وقدرتها على مواجهة القرصنة الفكرية، ومدى الحاجة إلى تغيير بعض القوانين بما يحفظ حقوق الناشرين والمؤلفين، وكذلك المشكلات العملية التى تواجه صناعة النشر فى الوقت الراهن وسبل التغلب عليها، والدور الذى يمكن أن تقوم به المؤسسات، وكذلك أجهزة الدولة المختلفة لمساعدة صناعة النشر على الخروج من أزماتها. وأكد الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فى كلمته، أن هذه الندوة التى تستضيف كبار مسئولى صناعة النشر المصرية، تستهدف تبادل التقييم والأفكار والمبادرات حول صناعة النشر التى تعد من ركائز بناء الحضارة الإنسانية. وقال إن مصر لها السبق فى وضع جذور الحضارة الإنسانية، ولذلك من الضرورى أن تكون مهمة الجميع استعادة ذلك وتعزيزه ووضعه فى صدارة الاهتمامات والأولويات. وشدد عكاشة على ضرورة إلقاء نظرة معمقة، خلال تلك الندوة، من شأنها الوصول إلى صيغة ومبادرة وورقة متكاملة لتغذية صناع القرار والجهات المسئولة لدعم صناعة النشر، وتلبية طموحات بناء الدولة المصرية الحديثة، فى ظل معركة بناء الوعى الوطنى، لافتا النظر إلى أن قطاع النشر يقدم الفكر وكل أدوات القوى الناعمة لتكون الدولة فى صفوف الفائزين فى تلك المعركة، مذكرا بأن مصر خاضت معارك سابقة فى هذا الاتجاه وحققت فيها الانتصار. وقال الدكتور حسن أبوطالب عضو الهيئة الاستشارية للمركز: إن كل الأزمات دائمًا ما تولد فرصًا، وهذه الحلقة النقاشية تهدف إلى تسليط الضوء على هذه الفرص، مشيرا إلى أن قطاع النشر واجه الكثير من التحديات وآخرها ما يتعلق بانتشار وباء كوفيد19، مؤكدًا الحاجة إلى الحفاظ على المكانة المصرية فى هذا القطاع. وأوضح رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية يولى أهمية كبيرة لإعادة بناء الإنسان المصرى، لاسيما فيما يتعلق بالصحة والتعليم والثقافة، مشيرا إلى أن من أهم المشكلات التى نعانى منها فى هذه الصناعة، هو ضعف قانون الملكية الفكرية الحالية، فى مواجهة حالات التزوير التى أصبحت فى صراع وجود مع دور النشر. وأكد محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب أن الاتحاد له دور مهم فى صناعة النشر، قائلا: «وتم إعادة إحياء الاتحاد عام 1995، ونسير على هذه الخطى لمحاولة نقل التجارب لدى الدول الأجنبية من خلال المشاركة فى معارض دولية ليحدث الاحتكاك بين الناشر العربى الناشر الأجنبي». وأوضح أن الاتحاد يحاول عقد ورش وندوات لتطوير هذه الصناعة، بجانب تعاون كبير مع اتحاد الناشرين الدولى فى نقل الخبرات، فضلا عن الاهتمام الكبير فى حماية الملكية الفكرية، مضيفا: «وهناك لجنة بالاتحاد هى لجنة الملكية الفكرية، وهى لجنة لها صلاحيات واسعة، والشخص الذى يقوم بالاعتداء على الملكية الفكرية يتم منعه من المشاركة فى أى معرض». وتابع أن الاتحاد أسس علاقات جيدة مع مدراء المعارض للحصول على أفضل المميزات للناشرين، وأن هناك لجنة لمديرى المعارض تجتمع كل عام للوصول إلى أفضل المميزات. وأكد الدكتور حسام لطفى المستشار القانونى لاتحاد الناشرين المصريين أن صناعة النشر مهمة وحيوية وقضية أمن قومى، مشددًا على أن القانون الوطنى المصرى هو القانون رقم 81 لسنة 2002 الذى وضع ليحل محل كل القوانين الخاصة بالملكية الفكرية التى كانت موجودة، وهو مطابق لكل الاتفاقيات الدولية والشرعة الدولية. وأشار فى الوقت نفسه إلى أنه يتم حتى الآن الخلط بين العقوبة الجنائية والتعويض المادى، فالقانون ينص على مضاعفة الغرامة بتعدد المصنفات المصادرة، ولكن القضاء لا يضاعف الغرامة، ويفرضها 5000 جنيه على المصنف بغض النظر عن عدد النسخ المصادرة. وأوضح أن التعديل الجديد على القانون برعاية اتحاد الناشرين المصريين استحدث عقوبة الحبس، وعقوبة رد مثلى ما عاد عليه من فائدة، علاوة على الحق فى المطالبة بتعويض لا سقف له يجبر ما تحقق من ضرر وما فات من خسارة وكسب. وقام المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة مجموعة الشروق، بالتعقيب على الكلمات والمداخلات، متحدثا عن أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية؛ لأنه من دونها لن يكون هناك «تأليف وكتابة ومحتوى»، وهو ما شدد عليه الاتحاد الدولى للناشرين فى مؤتمره الأول عام 1896، حيث أقر الاتحاد ركيزتين أساسيتين للنشر، الأولى هى الحرية، أى حرية النشر، وحرية التعبير وحرية تداول الكتب وحرية الوصول للمعلومة، فضلا عن سلامة الناشر والباحث والمؤلف، والركيزة الثانية هى حقوق الملكية الفكرية التى بدونها لا يستطيع المؤلف أو الباحث الاستمرار فى التأليف، ولا الناشرين يقدرون على الاستمرار. وأشار إلى أن الاتحاد الدولى للناشرين جعل مصطلح الناشر مصطلحًا عامًا يشمل كل أشكال نشر المحتوى بما فيها السينما والموسيقى، ومن هنا تبرز أهمية تعديل قانون اتحاد الناشرين المصريين لتعديل مفهوم الناشر (صانع المحتوى) وتحديثه بما يتواكب مع العصر الحديث. وأوضح المعلم أن التباهى بزيادة أعداد الناشرين واشتراكهم فى اتحاد الناشرين وهمى، ولا يعطى صورة حقيقية عن وضع صناعة النشر الآن التى تشهد تهديدا كبيرا بسبب التزوير. وأكد أنه على ينبغى على الدولة وضع التشريعات الصحيحة التى تتضمن العقاب الصحيح والفعال، والعمل على تدريب مستمر للقضاة وأعضاء النيابة، فضلا عن دعم إدراة المصنفات الفنية بالحصول على الإمدادات والتمويل والعدد الكافى من الكوادر للقيام بعملها، خاصة التدريب الكافي؛ لأن التكنولوجيا تتطور والمزورين يتطورن «.. مقدرش أجيب ناس معندهمش المعرفة وأقولهم سافروا القمر»، وأخيرا لابد من التأكيد أن الكل فى مركب واحد، ولابد أن نساعد بعضنا البعض ونتضامن سويا. وشدد المعلم أن هناك كارثة فعلية؛ لأن التزوير يكاد يقضى على النشر «بجد مش بهزار»، فالملكية الفكرية بالغة الأهمية، ضاربًا المثل بالسعى العالمى للتوصل إلى لقاح لفيروس كوفيد19 والذى يؤكد أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية مثلما حدث مع العلماء الذين توصلوا إلى هذه اللقاحات، والذين ترتب على جهودهم العلمية أن قامت حكومات بشراء اللقاحات لتوزيعها مجانا على مواطنيها مع إعطائهم حقوقهم المادية والأدبية، موضحا أن هؤلاء العلماء موطنهم الأصلى تركيا والآخر لبنان الذين وجدوا بيئة صالحة فى مجتمعاتهم الجديدة للعمل وللحفاظ على حقوقهم المعنوية والمادية، مسبقا ومقدما وليس لاحقا، لأن مثل هؤلاء هم القادرون على الابتكار والعلاج والحل، وسوف يقدمون فى المستقبل أيضا لقاحا ثانيا وثالثا ورابعا لأى وباء أو مرض يظهر مستقبلا. وهنا تتجلى وظيفة الحكومات تجاه المجتمعات. وتظهر بوضوح دور وأهمية الحفاظ على الملكية الفكرية، مشيرا إلى بيانات البنك المركزى المصرى، توضح كيف أن نسبة تحويلات المصريين بالخارج تتفوق على نسبة دخل قناة السويس والبترول والسياحة، أى أن الإنسان هنا خاصة مع ظروف الوباء القاسية هو الأساس، وأن الصناعات الإبداعية أكثر صناعات تنمو فى العالم، وأكبر صناعات تؤثر فى الإنسان، فمثلًا نشر الكتب المدرسية والجامعية والمراجع والصحف والمجلات والدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية والموسيقى والأغانى والأوبرا وغيرها، أكثر تأثيرًا فى الإنسان، وأكثر الوسائل التى تمنحه البهجة والإمتاع، فصناعة السلاح صناعة كبيرة، لكن لا يتمتع بها أحد!. صناعة الدواء مهمة جدًا لكن «عمرك ما هتبقى مستمتع». ولذلك يرى المعلم أن من أهم أنواع الاستثمار هو الاستثمار فى الإنسان، وأن أفضل عنصر من عناصر التنمية هى التنمية البشرية التى تعتمد على عنصرين أساسيين وهما الثقافة والصحة. وأكد أن هناك مصطلحا حديثا فى العالم الآن هو «الصناعات ذات المحتوى الفكري»، وهى الصناعات التى تشتمل على محتوى يخضع لحقوق الملكية الفكرية، وهو أهم نوع من الصناعات فى الوقت الراهن عالميًا، لأنه هو الذى يقوم ببناء الإنسان ويعمل على تنميته. وذكر المعلم أن منظمة اليونسكو أكدت أن الصناعات الإبداعية هى أكبر صناعات تحقق نموًا سنويًا بنسبة تتراوح بين 6 و8%، وأنها أكثر صناعات تؤثر فى الإنسان وبنائه وتنميته، مشددًا على أن مصر لديها ميزة نسبية فى السينما والموسيقى والمسرح والكتاب فى كل العالم العربى. وتحدث أحمد بدير، مدير عام دار الشروق، حول دور التطور التكنولوجى وتأثيره على صناعة النشر، قائلا: «معظم الناشرين يستخدمون أفضل الوسائل التكنولوجية المتاحة للخروج بالمحتوى المقدم، «الورقى، الإلكترونى، الصوتي»، إلى أفضل صورة ممكنة. وأن أغلب دور النشر المصرية الكبرى أبرمت اتفاقيات دولية مع كبار الموزعين الدوليين مثل «أمازون وجوجل وأبجد»، وغير ذلك». وأضاف بدير: «إذن نحن قادرون على خلق محتوى متميز، ونملك مؤلفين جيدين، ونقدم محتوى مصنوعا بأفضل الطرق التكنولوجية، لكن يظل ما سبق سلاحا ذا حدين؛ فهذا التطور التكنولوجى الذى يستخدمه الناشر لتقديم محتواه أصبح هو السلاح الذى يستخدمه آخرون لهدم صناعته، فمزورو الكتب يستخدمون هذه الإمكانيات التكنولوجية ومنها المسح الضوئى والطباعة، لتزوير الكتاب الورقى على سبيل المثال وإتاحته على الأرصفة فى اليوم التالى مباشرة بدون أى احترام لحقوق الملكية الفكرية، هذا بالإضافة إلى القرصنة الإلكترونية، والتى تتعدى التأثير السلبى المحلى لتصل إلى محيط تأثير سلبى عالمى، إلى الدرجة التى أصبح لدينا ما يُعرف بثقافة ال«pdf»، التى ساهمت فى ترك الكثير من القراءة للكتاب الورقى والإلكترونى بصورته القانونية، وذهبت إليه على اعتبار أن الأمر أوفر، بدون وعى من أن هذا السلوك هو التدمير الفعلى لصناعة النشر، ويبقى المستفيد الوحيد هو القرصان الإلكترونى الذى يتربح من الإعلانات الموجودة على المواقع التى تتيح الكتب بصيغة الpdf. وفيما يخص أهمية الشق التعليمى وتأثيره فى صناعة النشر قال بدير: «النشر التعليمى فى العالم كله يعتمد على الناشر الخاص الذى يساعد الدولة فى تطوير المناهج وخلق محتوى تعليمى، فهذه ليست مهام الدولة بل الناشرين فيها وفقًا للمعايير والخطط والأهداف العامة التى تضعها الدولة، ومن هنا تأتى حالة التنافس بين الناشرين للخروج بمحتوى جيد على جميع الأصعدة، يخدم المنظومة التعليمية والناشرين وتفيد المجتمع والدولة». وأشار بدير إلى أن 70٪ من إيردات صناعة النشر فى جنوب أفريقيا تأتى من النشر التعليمى، ومنها أمريكا بنسبة 33٪ والمعروف أن أمريكا هى أكبر سوق نشر فى العالم، وتحقق حوالى 25 مليار دولار كل عام من صناعة النشر، وأن ثُلث هذا الرقم يأتى من النشر التعليمى، بينما الناشر المصرى ليس له أى حق فى هذا الشق الخاص بالنشر التعليمى، والأمر برمته مؤكل إلى وزارة التربية والتعليم بخلاف ما هو متبع فى كل دول العالم. وتطرق مدير عام دار الشروق إلى المكتبات العامة وأهميتها للناشر كونها الشق الثانى بعد الشق التعليمى، من حيث الأهمية، فالناشر فى العالم يعرف أن مئات المكتبات العامة ستتزود من إصدراته بالآف النسخ، ولذا فهو يمارس مهنة النشر مطمئنًا إلى الطريق الذى سيسلكه محتواه سواء عن طريق المناهج التعليمية أو المكتبات العامة. وفى الختام، أكد الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس الهيئة الاستشارية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الوعى جزء أساسى من حياة أى إنسان، ويتشكل بصورة مختلفة من مرحلة لأخرى، إلا أنه مع اختراع الطباعة تحول الوعى والكتابة إلى أمر تجارى، مشيرًا إلى أن الكتب انتهت ولكن الكتابة لم ولن تنتهى، فهناك طرق جديدة لعرض المحتوى. ونبَّه بأن الكثيرين انتقلوا إلى طريقة العرض الإلكترونية للكتب بدلًا عن اقتناء النسخ الورقية منها، مشددًا على أن مستقبل الكتابة يتمثل فى هذه الكتب الإلكترونية، ولا مناص بالنسبة لمن يريدون الاستمرار فى صناعة النشر من التركيز على الإصدارات الإلكترونية من الكتب. وأضاف أن مشكلة التزوير مشكلة قديمة وستستمر، ولكن فيما يخص النسخ الإلكترونية هناك عدة منصات تحمى المحتوى المعروض بها وتمنع تداوله أو تحميله وإنما تتيح قراءته فقط، وهى وسيلة جيدة تحارب التزوير وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، مشيرًا إلى أن الناشرين مثلما يهتمون بالكتب فإنهم مسئولون أيضًا عن البحث عن المواهب.