من المؤكد أن التنافس بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط يمثل محورا رئيسيا يشغل بال الولاياتالمتحدة على الدوام، لكن مع ذلك فإنه رغم قرب تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل، ما زال موقف إدارته تجاه العراق غامضا. ففي تصريحاته العلنية حتى الآن، لم يقل بايدن شيئا عن العراق أكثر من التعهدات بإنهاء "الحروب للأبد" وسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، مع اعترافه بأنه في ضوء التهديد الإرهابي في سورياوالعراق ستكون هناك حاجة لبقاء بعض القوات. وتقول آنا بورشفسكايا، المحللة بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سيكون من غير الواقعي أن تتصدر العراق قمة جدول أعمال بايدن بالنظر إلى الأولويات الداخلية الملحة والرصيد السياسي العام المحدود فيما يتعلق بالعراق. فما زال بايدن، وانتوني بلنكين الذي اختاره وزيرا للخارجية ويوصف بأنه أحد "أقرب مستشاريه والأكثر ثقة به" يريان أن روسياوالصين من بين أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، ولهذا السبب لديهما الفرصة لاتباع وجهة نظر استراتيجية طويلة تجاه العراق. ومع مواصلة تركيز مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية على المنافسة بين القوى الكبرى، فإن دعم الأمن العراقي والديمقراطية العراقية لن يؤدي فقط إلى كبح الطموحات الإيرانية ولكن أيضا كبح الطموحات الروسية والصينية. وتقول بورشفسكايا في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن المحللين أدركوا منذ وقت طويل أن الهدف الرئيسي للمشروع الاقتصادي الصيني "حزام واحد، طريق واحد" والمعروف بمبادرة الحزام والطريق هو هدف سياسي جغرافي أساسا- فالصين تسعى لأن تبرز نفسها كقوة عالمية عظمى. كما أنه ليس بأمر جديد أن الشرق الأوسط الذي ظهر في السنوات الأخيرة كأكبر مورد للوقود للصين، يعتبر منطقة استراتيجية مهمة ضمن مخططات بكين الاستراتيجية العالمية. وتتطلع بكين إلى تعزيز وضع رئيسي في العراق- ليس فقط بسبب الموارد النفطية الكبيرة التي تتمتع بها البلاد، ولكن ربما الأمر الأكثر أهمية هو بسبب موقعه الاستراتيجي المهم لترسيخ وضع مهيمن لها يربط طرق التجارة الأوروآسيوية. وتضيف بورشفسكايا أن الصين تربطها شراكة بالفعل مع إيران. وأي نظرة سريعة لخريطة مبادرة الحزام والطريق توضح أن إيران تعتبر نقطة ارتكاز إقليمية أساسية في هذه الخطط، بينما سعت طهرانوبكين في الشهور الأخيرة إلى زيادة تعميق شراكتهما. لكن الصين تحتاج العراق أيضا، ولذلك عكفت الصين بهدوء على زيادة تواجدها في العراق في السنوات الأخيرة. فقد برزت الصين كأكبر شريك تجاري للعراق، متفوقة حتى على الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. كما أن العراق ثالث أكبر دولة موردة للنفط للصين، بعد المملكة العربية السعودية وروسيا. وتعمل الشركات الصينية في العراق، بما في ذلك في حقول النفط في جنوب البلاد، وتشارك في خدمات مثل صيانة محطات الطاقة. ويلاحظ العراقيون أن بعض رجال الأعمال الصنيين يتحدثون اللغة العربية والكردية بطلاقة، بما في ذلك باللهجات المحلية، مما يبرز التزامهم التام. وما زالت الصين تتوق إلى إبرام المزيد من الاتفاقيات التجارية مع العراق. وتقول بورشفسكايا إن روسيا من ناحيتها تركز على مزاياها التنافسية في العراق، والتي تتمثل في الأسلحة، والطاقة، والاتصالات مع المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، في إطار الرؤية الأوسع نطاقا الخاصة بالتنافس مع الولاياتالمتحدة . وروسيا ، تماما مثل الصين، ليست ذات وضع في الصدارة تماما في العراق، ولكن سوف يستمر اهتمامها و تنافسها على النفوذ في هذه القطاعات. وقد تركز قدر كبير من الاهتمام في السنوات القليلة الماضية على صفقة شركة النفط الروسية روسنيفت في كردستان، وفي حقيقة الأمر هي صفقة مهمة استراتيجيا. ومع ذلك، يمكن القول أن روسياوالصين تتعاونان أكثر مما تتنافسان: فالدولتان شركاء أيضا مع إيران. والعراقيون من جانبهم يواصلون تصويرهم روسيا كدولة تفهم تهديد الإرهاب السني. كما يرون أن الصينوروسيا على السواء أكثر استعدادا من الغرب للمخاطرة عندما يتعلق الأمر بالعمل في الظروف الخطرة وغير المستقرة، رغم أنهم يفضلون رؤية المزيد من الأمريكيين ، والمزيد من المشاركة الغربية بوجه عام. وتساءلت بورشفسكايا قائلة: "ماذا يعني كل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟" وأجابت بأنه بينما ربما ترى الولاياتالمتحدة الشرق الأوسط بمثابة منطقة تشغلها عن التنافس بين الدول الكبرى، فإن كبار المتنافسين الأمريكيين يرون المنطقة ككل، والعراق بوجه خاص من خلال منظور استراتيجي واسع النطاق- وتعتبر العراق بالنسبة لهم جائزة. وكذلك فإن النفوذ المتزايد للدول الأخرى في العراق سيتيح لها تشكيل العراق، وبالتالي المنطقة كلها- وفقا لقيمها ومصالحها التي تتعارض مع قيم ومصالح الغرب. وأشارت بورشفسكايا إلى أنها في زيارتها الأخيرة سمعت تعليقات مشجعة من بعض الشباب العراقي أعربوا فيها عن رغبتهم في تحمل مسؤولية بلادهم، وأن لديهم أمل طويل المدى، أدى إلى خروج العراقيين إلى الشوارع في نهاية العام الماضي للمطالبة بمحاسبة الحكومة وإنهاء التدخل الإيراني. واختتمت بورشفسكايا تقريرها بالقول إن مشاكل العراق عميقة، لكن البلاد تتمتع بإمكانية مذهلة لتصبح إحدى الدول الأكثر تقدما في المنطقة. ومن المؤكد أن طهران لا تريد أن تكون هناك مثل هذه الدولة العراقية، وبالمثل لا تريد ذلك موسكو أو بكين طالما أن مصالحهم مؤمنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا رغم أنها شريك تجاري مهم للعراق، فإنها تسهم في حالة انعدام الأمن في العراق. وترك إيرانوروسياوالصين تهيمن على العراق سيؤدي فقط إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.