«الصوفية تقليد إسلامى غارق فى الروحانية، وهو بعيد كل البعد عن الأصوليات المتطرفة التى جذبت انتباه العالم إليها باعتبارها تعبيرا عن هذا الدين، فالصوفيون فى جميع أنحاء العالم الإسلامى يتسمون بتفتح الذهن والتسامح الشديد، والتعلق برحلة البحث ومحاولة الوصول إلى الله، باذلين فى ذلك كل الجهد، بما فى ذلك ميلهم للزهد والذكر والتعبير الشعرى». هذه كانت مقدمة ناشر كتاب «حياة الصوفية»، الصادر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية، الذى تناول الصوفية بمنظور جديد، مقدما مجموعة متميزة من صور الأمريكى نيكولاس بيجمان الذى قاده الولع بالصوفية إلى تتبع ومشاهدة ورصد شعائرها وطقوسها على مدى عدد طويل من السنين فى عدد مختلف من الدول والمناطق الإسلامية، لا سيما فى مصر وسوريا والبوسنة وكوسوفو ومقدونيا. حصل بيجمان على درجة الدكتوراه فى مجال تاريخ البلقان، وتخصص فى الملف الإسلامى الذى أعد خلاله مجموعة من الأبحاث لا سيما فيما يتعلق بالمذاهب الإسلامية والطرق الصوفية، إلا أنه اختار التصوير الفوتوغرافى ليكون أداة التعبير عن حالة الشغف برحلة بحثه فى هذه المجالات، واستطاع أن يجمع هذه الصور فى عدد من الكتب التى كانت مصر عنوانا رئيسيا لها، علاوة على مشروعات مصورّة أخرى فى كل من هاييتى ومانهاتن. أبرز الكتاب، الذى يقع فى 187 صفحة، على غلافه صورة لرجل يرتدى جلبابا أبيض يشارك فى حلقة ذكر، وعلى الرغم من أن معالم وجهه لم تكن واضحة، إلا أن حركة جسده واستغراقه الشديد فى هذا الطقس أضفى روحا خاصة هيمنت عليها روحانيات حميمة تبعث الكثير من الصفاء، وكانت هذه اللوحة واحدة ضمن عشرات الصور التى قدمها الكتاب لزوايا عديدة ضمن حلقات الذكر والموالد. يتحدث نيكولاس بيجمان فى الكتاب عن ازدياد الاهتمام بالصوفية فى غرب أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية، لا سيما بشعراء الصوفية ورموزها كابن عربى والرومى اللذين يقول إنهما من أفضل الكتاب مبيعا فى المكتبات الغربية، ويضيف: «بدأت معرفتى بالصوفية عام 1965 وكان ذلك فى مساء ذات يوم كنت أزور فيه مسجد الإمام الحسين، وعلى مقربة منه سمعت صوتا طربت له قادم من حلقة تضم عددا من الناس الذين كانوا ينشدون أغانى دينية لها إيقاع خارق، وعلى هذه الأنغام كانت هناك العشرات من الرجال الذين يتمايلون بشكل مميز على هذه الأنغام، وعندها لم أكن أعلم بالتحديد ما الذى يعنيه كل هذا، فلم أصادف خلال دراستى على مدى سبع سنوات للغة العربية واللغة التركية والإسلام ما يؤهلنى لفهم هذا العالم الغنائى الفريد، الذى وقعت فى غرامه من اللحظة الأولى»، وتابع «بعدها دعانى أحدهم لتناول كوب من الشاى وشرح لى هذا المشهد الذى يسمى «الذكر» الذى يعتقد الصوفيون أنه طقس يقربهم من الله، كما أنهم كانوا فى هذه الليلة يحيون الاحتفال بمولد الإمام الحسين». يروى الكاتب أنه كان من السهل جدا أن يتتبع الاحتفالات والموالد الأخرى التى تقام فى مصر، ويقول إن عددا ليس بالقليل من المصريين الذين التقى بهم كانوا على علم بمواعيدها وطقوسها، بالإضافة إلى أن كثيرا من أصحاب الطرق الصوفية كانوا ينظمون حلقات للذكر دون الارتباط بموالد بعينها وكانوا يعقدونها على الأقل مرة كل أسبوعين. يعتبر كتاب «حياة الصوفية» أن الصوفية هى الطرف النقيض للإسلاميين المتطرفين والجماعات الأصولية كحركة طالبان التى تعتبر الغناء تابوها لا يمكن قبوله مع الالتزام الحرفى الجامد بظاهر النص، فى المقابل فإن الحركات الصوفية تؤمن بجوهر النصوص والشعائر الإسلامية، كما يتعاملون مع الموسيقى وإيقاعها لإحياء شعائرهم فى التقرب من الله. التقى المؤلف بمن اعتبرهم رموزا للصوفية فى البلاد التى زارها للإعداد لهذا الكتاب، وأعد عن كل منهم فصلا خاصا، من بينهم الشيخ زهير الذى التقاه فى كفرإبراهيم بمصر، واقتبس منه قوله: «القلب يحكم العقل»، واعتبر بيجمان أن هذا الشيخ العجوز كان الأكثر قدرة على شرح فلسفة الصوفية بأساليب بسيطة تعبر عن العشق الإلهى وتعلق الروح بنور خالقها، وتحدث أيضا عن الشيخ هلال برزينا من سراييفو والشيخ عارف من مقدونيا، والشيخ مهدى من كوسوفو، وكذلك الشيخ عبدالفتاح قلجى من سوريا، الذى أبرز فى الكتاب قوله: «نحن نتقرب إلى الله بالذكر، ويمكن للإنسان أن ينشد بصوته أو بجسده».