يحدق الطبيب محمود السروجي في شاشة الكمبيوتر المحمول مدققا في خيالات ملونة لمجموعة من الحجاج الهنود الذين وصلوا لتوهم من بومباي إلى مبنى المطار المخصص لاستقبال الحجاج في مدينة جدة على البحر الأحمر. وقال الطبيب "أنهم لا يعلمون إننا نقوم بفحصهم" وذلك في إشارة إلى الكاميرا الحرارية التي ترصد أي مسافر حرارته مرتفعة. وذكر السروجي إن "النظام يطلق صفارة كلما رصد جسما حرارته فوق 38 درجة مئوية". وتعد هذه الكاميرات خط الدفاع الأول للسعودية في وجه أنفلونزا الخنازير خلال موسم الحج هذه السنة، وقد أدى المرض إلى وفاة أربعة حجاج حتى الآن فيما يتوقع أن يصل عدد الحجاج إلى 5.2 مليون بينهم نحو مليوني حاج من خارج المملكة. والسروجي يمثل حلقة واحدة صغيرة من عملية ضخمة تقودها السلطات السعودية لتنظيم الحج وتشمل مئات آلاف العناصر من الأجهزة الأمنية والصحية ومن المرشدين والمترجمين والحمالين في مهمة تبدو شبه مستحيلة تشمل أهدافا تتراوح بين التأكد من عدم تعرض أي حاج للنشل وصولا إلى تفادي تفشي وباء أنفلونزا الخنازير. ويتدفق الحجاج على جدة جوا وبحرا وبرا من حيث يتجهون إلى مدينتي مكةالمكرمة والمدينة المنورة. وأكد جويد احمد الذي يقوم برحلته ال 14 للأراضي المقدسة ويعمل مطوفا للحجاج الهنود أن السلطات السعودية تحسن كل عام تنظيم الحج. وقال "الأمر أفضل بكثير من الماضي" حين كان عشرات آلاف الأشخاص يتدافعون في الطوابير لدى وصولهم إلى السعودية. وفي المطار المخصص للحجاج والذي يشبه من بعيد خيمة بدوية عملاقة، تحط طائرات الركاب واحدة بعد الأخرى بفارق دقائق قليلة حاملة الحجاج من باكستان وسنغافورة واندونيسيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، ويدخل هؤلاء إلى مبنى المطار الذي ازدان بلافتات الترحيب، وبدعايات أيضا. والحج مناسبة تختلط فيها الأعراق، والفيروسات كذلك. إلا أن السروجي أكد انه لم يرصد إلا شخصا واحدا حرارته مرتفعة في يوم كامل راقب خلاله حرارة خمسة آلاف شخص. وتم تركيز 11 كاميرا في المطار. وبالرغم من إعلان أربع وفيات بأنفلونزا الخنازير، يؤكد الأطباء أن "الوضع جيد حتى الآن" وقال الطبيب محمد الحارثي الذي يدير الشؤون الطبية في مبنى مطار الحجاج "نحن نمرض كلنا في مواسم الحج". وتسعى السلطات الصحية للتأكد من أن الحجيج تلقوا التطعيمات قبل قدومهم ووزعت 300 ألف جرعة لقاح ضد شلل الأطفال ومائة ألف لقاح ضد التهاب السحايا على الواصلين. غير أن السلطات السعودية ليست وحدها من يبذل جهودا لتأمين موسم الحج. وبحسب القنصل الفرنسي كريستيان نخله فإن الإحاطة بشؤون الحجاج لا تقتصر على السلطات السعودية بل تشمل أيضا مئات وكالات السفر والقنصليات الأجنبية التي تعمل على مدار الساعة لحل مشاكل رعاياها. وقال القنصل الذي يهتم بشؤون حوالى ثلاثين ألف حاج قدموا من فرنسا، "نحن نعمل 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وطوال عدة أسابيع". واستقدمت القنصلية الفرنسية عددا من الموظفين من باريس ومن مدن فرنسية أخرى للتعامل مع مشاكل ستقع حتما مثل ضياع جوازات السفر وبطاقات الهوية فضلا عن الطوارئ الصحية ومشاكل السفر. وهناك ثلاثة أطباء يتكلمون الفرنسية مجندين على مدار الساعة إضافة إلى ثلاثة سائقي دراجات نارية سيقومون بنقل الوثائق والمعدات والأشخاص أحيانا عبر شوارع مكة المزدحمة التي يعد دخولها بالسيارة في موسم الحج مهمة شاقة جدا. وذكر القنصل أن الدراجات النارية بغاية الأهمية في موسم الحج، فقد تم نقل احد الحجاج الفرنسيين الذي اصيب بنوبة قلبية، على متن دراجة عبر الطرقات المزدحمة إلى سيارة تمكنت من إيصاله إلى المستشفى. وفي النهاية أرسل الرجل إلى فرنسا جوا وكلف طبيب بمراقبته. وإضافة إلى التعب وعدم النوم، فان الاهتمام بالحجاج الفرنسيين "يتطلب الكثير من المال أيضا" على حد قول القنصل.