ظهر كتاب «جو بايدن، رهان المناهضين لترامب فى الولاياتالمتحدة»، للكاتبة الفرنسية سونيا دريدى المقيمة فى واشنطن، بينما العالم كله ينتظر فى ترقب ما ستؤول إليه أشرس انتخابات تشهدها البلاد. أهمية هذا الكتاب تكمن فى أن الكاتبة تنظر لتلك المنافسة نظرة خارجية لها تأثير فى فهم القارئ وصانع القرار الفرنسى والأوروبى، ليس فقط للعملية الانتخابية، وإنما أيضا للعمق الأمريكى الذى برز منه «جو ابن الطبقة المتوسطة»، كما يحلو للمرشح ابن ال 78 عاما أن يسمى نفسه منذ بدأ العمل بالسياسة منذ أكثر من خمسين عاما، وتحاول أن تجد إجابة على السؤال إن كانت لبايدن فرص فى الفوز رغم تكرار سقطاته ونسيانه للأشياء والأماكن (بايدن يؤكد أنه مرشح المرحلة الانتقالية، وأنه لن يترشح لفترة ثانية نظرا لتقدمه فى العمر). صعود بايدن المهنى ومآساة حياته جو حظى بشعبية فى مدرسته ومنطقته خلال فترة شبابه، فهو كان من نجوم الرياضة كما أنه ومن سن مبكرة اتخذ موقفا واضحا تجاه قضية السود ورفض التمييز، ولم يتورع وهو فى السابعة عشرة من عمره أن يصرح للمقربين منه بأنه يود ذات يوم أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. يذهب الشاب لقضاء إجازة الربيع مع أصدقائه بجزر الكاريبى رغم ضيق موارده، ويقابل حب حياته نيئيليه هانتر الفتاة الشقراء الجميلة، فيقع فى حبها على الفور ويتزوجان لاحقا رغم تفاوت مستواهما الاجتماعى، وبعد تخرجه من الحقوق يتجه إلى العمل السياسى من خلال الحزب الديمقراطى بتشجيع من زوجته وأصدقائه، ويتقدم فى نهايات 1971، وهو فى التاسعة والعشرين، إلى انتخابات مجلس الشيوخ فى ديلاوير أمام مرشح جمهورى مدعوم بشدة من الرئيس نيكسون، وخلال حملته الانتخابية التى يصاحبه فيها زوجته وإخوته وأولاده الثلاثة بو، هانتر، والصغيرة ناعومى، يصف حرب فيتنام بالحرب الغبية وأنها مضيعة ضخمة للوقت، والأرواح، والمال. ينتصر جو بايدن يوم 7 نوفمبر 1972 فى انتخابات مجلس الشيوخ وهو لم يبلغ الثلاثين بعد، ولكن القدر لا يمهله فرصة الاستمتاع بهذا الفوز التاريخى، ويفقد زوجته وابنته الطفلة فى حادث سيارة ينجو منها طفلاه فقط، فيتحطم بايدن نفسيا ويقرر الاستقالة والتفرغ لتربية أبنائه ولكن من حوله يثنونه عن قراره. أمتراك جو وعائلة بايدن الثانية.. نواب مجلس الشيوخ لعل علاقة بايدن بشركة القطارات الأمريكية أمتراك خير وصف لحياة هذا الرجل الذى يراه البعض مملا، ويصفه آخرون بالمثابر والمستمع الجيد لمشاكل الناس رغم ضيق خلقه أحيانا، فرغم مرور 50 عاما على بداية علاقته بشركة القطارات الأمريكية «أمتراك» إلا أن بايدن ما زال يكتب فى تعريفه لنفسه على تويتر «محبا لأمتراك». علاقته بقطار أمتراك امتدت سنوات حيث أصر على أن يذهب إلى الكونجرس فى واشنطن بالقطار ويعود إلى ولديه يوميا فى ديلاوير حتى لا يتركهما وحدهما. طبيعة النائب المحبة للكلام جعلته ينشأ علاقات صداقة مع العاملين بالشركة والمسافرين امتدت إلى الآن حتى أن بعضهم انضم مؤخرا لحملته الانتخابية. وبتفرغه للمجلس أصبحت هناك له علاقات صداقة قوية مع نواب ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، فنجح عام 1994 فى انتزاع قانون يجرم العنف ضد المرأة تتذكره نسبة كبيرة من الناخبات بعرفان حتى الآن. انتخابات 3 نوفمبر 2020 ولماذا لدى بايدن فرصة للفوز؟ ترشح بايدن للانتخابات الأولية داخل الحزب الديمقراطى فى نهاية الثمانينيات، وخرج منها بشكل مهين بعد أن ثبُتت استعارته خطبة لزعيم حزب العمال البريطانى السابق نيل كينوك دون الإشارة إليه، فاتُهم بالتزوير، ولكن جو لم يستسلم وتابع حلمه القديم حتى النهاية، فترشح مرة أخرى فى انتخابات الحزب عام 2008 وخسر أمام هيلارى كلينتون وباراك أوباما الذى لم يستسيغ هذا السياسى المخضرم، الذى تعامل معه بفوقية لا تروق له فى البداية، ولم يمنع ذلك أوباما من ترشيحه كنائب له، فأوباما يعرف جيدا أنه يحتاج شخصا بهذه المواصفات من أجل توسعة قاعدته حال فوزه. سياسى أبيض متقدم فى العمر، كاثوليكى، وينحدر من الطبقة الوسطى. يتردد بايدن الذى وصل إلى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فى قبول الترشيح، لأن وظيفة نائب الرئيس تاريخيا، ليس لها تأثير فعلى، ولكن زوجته الثانية، جيل، وأبناءه ينجحون فى إقناعه. علاقة الرجلين توطدت خلال سنوات حكم أوباما الثمانية وتقاربت أفكارهما فى معظم القضايا المحورية. تختتم الكاتبة بفصل عنوانه «لماذا من الممكن أن ينتصر بايدن؟»، فتذكر عدة أسباب من ضمنها استقطاب الرئيس الأمريكى الحالى للمجتمع الأمريكى بشكل غير مسبوق، ووباء الكورونا الذى راح ضحيته أكثر من 200 ألف أمريكى بسبب تخبطه، وفقد حوالى 3 ملايين أمريكى وظائفهم بفضل عدم مواجهته للأزمة منذ البداية. ويأتى بايدن وفقا للكتاب كفرصة للمِّ شتات وتضميد الجراح، واحتواء الأقليات، فهو يعرف معنى الألم وفقدان الأحباء فقد بايدن أيضا مؤخرا ابنه البكرى بو بعد إصابته بسرطان المخ بايدن له خبرة طويلة فى الشئون الخارجية، وموقفا واضحا رافضا للحرب دون تقليص الدور الأمريكى لحساب دول مثل روسيا التى اتُهم ترامب صراحة بالتواطؤ معها.