هبطت فى مطار القاهرة، الثامنة صباح أمس، طائرة مصر للطيران القادمة من نيروبى وعلى متنها بحارة السفينة «بلوستار» الذين عاشوا مرارة الأسر 64 يوما بعد أن تعرضت سفينتهم للخطف من قبل قراصنة الصومال فى أول يناير الماضى. «الشروق» التقت القبطان السعيد محمد عشوش الذى قال لنا «سافرنا من السويس ببضاعة على متن السفينة وكنا فى طريقنا إلى موزمبيق ودخلنا إلى عدن وأثناء إبحارنا وفى الساعة الثامنة والنصف من صباح أول يناير فوجئنا بوجود لنشات سريعة تتجه مسرعة نحونا وقامت بعملية التفاف سريع حول السفينة، وأمطرت سفينتنا بوابل من الرصاص، مما أدى إلى تحطيم زجاج الممشى العلوى، فى الوقت الذى مرت فيها الطلقات من فوق رأس قبطان السفينة محمود سويدان بسنتيمترات، فلم نجد بدا من التوقف والاستسلام للخاطفين». ويستكمل القبطان عبدالله عبده ما حدث فيقول: «عدد الخاطفين سبعة رجال مسلحون بأسلحة آلية ومعهم مدافع «آر.بى.جى» ونحن كنا 28 فردا غير مسلحين لأن القوانين المنظمة للعمل بالبحر تمنع حملنا السلاح». وفور استيلاء الخاطفين على السفينة قاموا بجمعنا فى كبينة القيادة واستولوا على كل الأموال والتليفونات المحمولة الموجودة معنا حتى الملابس لم تسلم منهم، حيث قاموا بجمعها أيضا والاستيلاء عليها. من ناحيته، أشار كبير المهندسين بالسفينة عبدالعظيم حسنى بهنسى إلى أن القراصنة كانوا فى منتهى العنف رغم أجسامهم الضئيلة، وحددوا منذ البداية هدفهم وهو الإفراج عنا مقابل فدية لا تقل عن 10 ملايين دولار، وكانت معاملتهم لنا طوال الوقت سيئة خاصة فى بداية عملية الاختطاف، ثم بدأ بعض الاتصالات تجرى معهم من قبل أحد المسئولين بأجهزة الأمن للتعرف على طلباتهم فما كان منهم إلا أن أصروا على تسلم ال10 ملايين دولار، ثم مع تقدم المفاوضات وصل المبلغ إلى 4 ملايين دولار وتوقفت المفاوضات عند هذا الرقم فترة طويلة، وخلال هذه المدة كنا نعيش على حد الكفاف من الطعام الذى حملناه معنا، وبعد أسبوعين نفد الطعام والماء، فقام القراصنة بالإبحار بالسفينة لضمان نفاد الوقود، ثم توقفوا بنا فى عرض البحر. ويضيف المهندس إبراهيم عثمان، مهندس ثان بالسفينة، «اضطررنا بعد ذلك للشرب من مياه البحر وصيد الأسماك وأكلها وهى نيئة، بينما كان بعض الأفراد يأتون بالطعام للقراصنة فى لنشات». وطوال هذه الفترة لم تنقطع الاتصالات عبر الجهاز الموجود على السفينة بين مسئول من أجهزة الأمن المصرية وبين القراصنة وكان المسئول يتحدث إلينا للتعرف على ما يحدث لنا أولا بأول، وكذلك كان هناك بعض الاتصالات من صاحب السفينة عبدالرحمن العوا الذى قام بمجهود كبير للإفراج عنا ولم يتأخر عن تقديم أى شىء يمكن أن يقوم به طوال هذه الفترة. واستمر التفاوض كما قال محمود سويدان قبطان السفينة فى ظل المعاملة السيئة من القراصنة لنا، لدرجة أنهم اعتدوا بالضرب على بعض الموجودين بالسفينة حتى وصلت المفاوضات بين المسئولين وصاحب السفينة والقراصنة إلى مليون دولار فدية بعد توقف الاتصالات فترة طويلة. وفى هذه الفترة أعاد القراصنة إلينا هواتفنا المحمولة لكى نتصل بذوينا ليضغطوا على مسئولى الشركة لزيادة قيمة الفدية. وعن أصعب اللحظات التى واجهوها أشار القبطان إلى أنها اللحظات الأولى التى تم فيها إطلاق النيران علينا ثم طوال فترة الاحتجاز الطويلة التى فقدنا خلالها الأمل بالعودة إلى أبنائنا مرة أخرى. وأضاف: الدولة لم تتركنا فترة اختطافنا وهذا ما تأكدنا منه عقب الإفراج عنا، حيث جاءت طائرة فوق السفينة وألقت بالفدية، مخصوما منها 40 ألف دولار مقابل تأجير الطائرة، بعد ذلك أبحرنا لمدة 8 أيام حتى وصلنا إلى ميناء مومباسا على سواحل نيروبى وهناك استقبلنا السفير المصرى بكل الود والترحيب وقام بتنفيذ كل ما كنا نحتاج إليه وكذلك التقى بنا رجل الأعمال المصرى محمد فريد. وقال الحسينى محمد سامى أحد أفراد السفينة «أعمل فى البحر منذ عام ونصف العام وبالشركة الحالية منذ 9 أشهر ورغم امتياز القراصنة الصوماليين بالمهارة فقد حاولنا فى البداية مقاومتهم عبر «بشابير» المياه لكنهم رغم ذلك نجحوا فى الالتفاف حولنا وصعدوا إلى السفينة وأخذونا من منطقة رأس كثير إلى منطقة أخرى تسمى بورجر ثم إلى إبيل على السواحل الصومالية وبقينا هناك نحو 28 يوما ومنها إلى رأس دانا، وكلها أيام فى منتهى الصعوبة ولم نر مثلها عبر حياتنا. ثم تركنا الحسينى محمد وسجد شكرا لله وراح يردد مصر هى أم الدنيا. من ناحيته، أكد عبدالمعطى البسطاويسى أحد أفراد السفينة أنهم أثناء وجودهم وقت الاختطاف كانوا يظنون أن الحكومة قد تخلت عنهم وأن المفاوضات كانت تجرى فقط بين صاحب السفينة والمختفطين ولكن بعد توجههم إلى كينيا عرفوا هناك أن فريق عمل كاملا من جهاز الأمن المصرى كان يبذل قصارى جهده للإفراج عن السفنية وأفرادها وكان لهذا الفريق دور كبير فى هذا الشأن. أما رئيس الشركة عبدالرحمن العوا صاحبة السفينة فقد أكد أن الدولة لعبت دورا كبيرا فى الإفراج عن السفنية، فهى قد ساعدته كثيرا لتحقيق هذا الهدف عبر التخطيط والتأمين المحكم لضمان حياة البحارة، وفى هذا الصدد لا نستطيع أن نصرح بكل ما حدث، ورغم أنه كان هناك خلاف فى تنفيذ خطة الإفراج فى البداية ولكن ما نريد التأكيد عليه أن دور الدولة المصرية كان عظيما. بعد أن سجد لله وشكره قال يوسف حمدى يوسف ضابط كابينة السفينة «40 سنة» «من الإسكندرية، حتى الآن يتملكنى إحساس بأننى أشاهد فيلما سينمائيا مثيرا ولا أصدق أننا عدنا مرة أخرى أحياء فطوال 64 يوما كنا نتوقع الموت فى أى لحظة لأن القراصنة ليس لديهم ما يبكون عليه وليس لهم عهد أو ذمة. لقد عشنا أياما عصيبة بحق. وبدأت المعاناة عندما هاجمونا وهم مسلحون بأحدث الأسلحة من آر. بى. جى إلى المسدسات الصغيرة. ويلتقط البحار نبيل حمدى «25 سنة» من الإسكندرية أطراف الحديث قائلا: رغم المعاناة التى قاسيناها طوال هذه الفترة لكن كنا سعداء جدا بالمواقف العظيمة والجهود الخارقة التى بذلتها جميع الأجهزة المصرية للإفراج عنا. ويضيف محمد عبدالحميد محمود مساعد طباخ «22 سنة» حاصل على بكالوريوس تجارة جامعة الإسكندرية العام الماضى «كان الخاطفون يتمتعون بذكاء شديد ومنظمين جدا لدرجة أنهم كانوا يرتبون ورديات ونوبات حراسة وكان زعيمهم فى منتهى الدهاء كان يضعنا فى عدة اختبارات لحرق أعصابنا وكانوا يضعون الأسلحة فوق رءوسنا ويأمروننا بالاتصال بأهلنا ويقولون لنا بالغوا وضخموا فى المعاناة التى تعيشونها حتى تستجيب حكومتكم لمطالبنا.