في الماضي ، كانت المنافسة شرسة بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية , لكن في عصرنا الحالي يبدو أن هناك إمبراطورية جديدة تبزغ في الأفق وهي الإمبراطورية الإيرانية. هذا هو ما تنبأ به روبرت باير مدير أجهزة المخابرات الأمريكية الأسبق في منطقة الشرق الأوسط في حديث أجرته معه مجلة "لو نوڤيل أوبزرڤاتور" الفرنسية على غرار نبوءات العرافين والفلكيين للمستقبل قبل نهاية العام! ولكن الفارق أن باير ينقل توقعا مبنيا على خبراته في منطقة الشرق الأوسط ، وهو يستخلص في النهاية ضرورة أن تبادر الولاياتالمتحدة للتفاوض مع هذه الدولة قبل أن تتحول إلى "إمبراطورية" ، بدلا من التفكير في إعلان الحرب عليها! وفيما يلي مقتطفات من الحوار الذي أجرته المجلة الفرنسية مع المسئول المخابراتي الأمريكي الأسبق ، والذي يحمل الكثير من الأفكار والآراء المثيرة للجدل : أوبزرڤاتور : هل تعتقد بأن إيران أصبحت تمارس بالفعل دورها كإمبراطورية؟ روبرت باير : ليس بعد , ولكن هذا لن يتأخر كثيراً , فالأمريكيون يعتمدون بشكل كبير على بترول دول الخليج ، حيث يحصلون عليه بسعر أرخص من الفرنسيين , ولكن إيران تستطيع بكل سهولة السيطرة على الخليج العربي بإغلاق مضيق هرمز أو حتى تدمير المنشآت البترولية السعودية في بضع دقائق بالصواريخ , وبالتالي يمكنها بكل سهولة حرمان السوق العالمي من 17 مليون برميل بترول , ورغم أن إيران لن تقوم بذلك ، فإن مجرد وجود هذا الاحتمال يعتبر تهديداً ، وهو ما يمنع الولاياتالمتحدة من غزو أو مهاجمة إيران حتى الآن". وليس البترول فقط هو سر هذا التهديد "أو القوة" التي تمثلها إيران لأن هناك مصادر أخرى للتهديد ، فمثلا هناك الكثير من سكان دول الخليج من الشيعة الذين يتأثرون بإيران على الدوام, ولنكن واضحين , فالعرب – بعد اصطدامهم أكثر من مرة بإسرائيل - مرغمون على التوجه ناحية إيران التي تجيد أداء الدور بالفعل ، دور الإمبراطورية , فالشعب الإيراني ذكي وحضارته عمرها آلاف السنين , وإيران بدون شك تعتبر دولة متفتحة ، وهي دولة صبورة تحسب كل خطواتها بدقة في وجه عدو أمريكي لا يستهلك أكثر من أسبوع للتخطيط , إذن : يمكن تلخيص الموقف كالتالي : إيران هي البلد الأكثر استقراراً وتأثيراً وقوة في الشرق الأوسط ، ولذا ، فبدلاً من دخول الولاياتالمتحدة في قتال مع إيران قد يستمر 30 عاماً فيجب عليها أن توقع اتفاقا للتعايش معها , نعم أكررها يجب أن نتفاوض مع إيران. أوبزرڤاتور : من لبنان إلى غزة ، ومن جنوب العراق إلى سوريا ، تتحرك طهران من وراء الكواليس , هل تعتبر إيران إمبراطورية من حقبة ما بعد الاستعمار؟ روبرت باير : إن إيران إمبراطوريه مهجنة تم تأسيسها بالتسليح الحديث وبالعصابات المنظمة والحروب المنتظمة , وبالتالي نجد أن الإيرانيين تجنبوا الظهور المباشر في بيروت وأملوا ما يريدون على الشيعة هناك , إنهم يفضلون إرسال عملاء لحزب الله يتحدثون العربية بطلاقة ويندمجون مع الناس , والآن الشيء نفسه حدث في البصرة بالعراق ، حيث لا تجد أي وجود صريح للإيرانيين إلا إنها تسيطر على كل شيء هناك , لقد استطاعت إيران أن تقنع العرب بأنها الوحيدة التي تحارب الاستعمار. إن السر الإيراني هو منح حلفائها القوة والاحترام , ويعتبر حسن نصر الله من حلفائها الذي تم تدريبه على عدم انتظار أوامر ، بل أن يتصرف حسب القوات الموجودة لديه وأن يعتبر نفسه قائدا مستقلاً , ومن المؤكد أن الإيرانيين يحتقرون العرب ويعتبرون أن حضارتهم أفضل من الحضارة العربية ولكنهم لا يعبرون عن هذا الاحتقار ويملون على العرب كيفية التصرف , ونظام التفويض هذا لا يكون بالإكراه ولا بالمال بل بإيمان مشاتك , والرسالة الإيرانية هي "إيران وحدها هي القادرة على الوقوف أمام السيطرة الغربية في الشرق الأوسط" ، وبالتالي تمثل إيران الأمل الوحيد بالنسبة , لا شك في هذا. أوبزرڤاتور : وكيف تفسر حالة "العمى" الأمريكية تجاه إيران؟ روبرت باير : أعتقد أنه عمى مقصود , حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية متفائلة بدون وجود أي أساس لذلك , وهو نفس التفاؤل الذي كان موجوداً قبل غزو العراق والذي أصبحت نتائجه كارثية , ومن أسباب هذا العمى أيضاً الجهل بالحضارة الإيرانية التي اختزلتها الولاياتالمتحدة في شخص الرئيس الإيراني أحمدي نجاد , وعندما ظهر كتابي عن إيران اعتبرني الكثيرون مجنوناً ، ولكني ما زلت أصر أن إيران متحدث جيد باسم المنطقة ، وهو الأمر الذي لا تريد الولاياتالمتحدة الاعتراف به. وهل يجب علينا إرسال الملايين من جنودنا إلى الخارج وإنفاق كل أموالنا في الحرب؟ لكن من أجل ماذا؟ الديمقراطية؟ أم الصهيونية؟ إن هذا نوع من الجنون بالتأكيد , لو ضربت الولاياتالمتحدة الخليج العربي فسيرتفع سعر برميل البترول الواحد إلى 400 دولار وسيصاب الاقتصاد الأمريكي بصدمة أخرى. أوبزرڤاتور : ولكن إيران لديها مشاكل كثيرة : تضخم متزايد – اقتصاد يعتمد على البترول بنسبة 80% - غياب البنية التحتية الصناعية – العداء المتزايد تجاه المُلاه – الأزمة الاجتماعية – الفساد المتفشي – الانقسامات الداخلية في المعسكر المحافظ .. كيف يمكن لبلد لديه كل هذه المشاكل أن يطور إمبراطورية؟ روبرت باير : على الرغم من كل هذه النقاط الضعيفة ، فإن إيران قادرة على تحريك الملايين من الرجال سواء رجال الجيش النظامي أو رجال الحرس الثوري الإيراني , وكل هذا بالإضافة إلى المليشيات الشيعية خارج إيران والتي تجعلها قادرة على خوض حرب بالوكالة في أي مكان , وكثير من الإيرانيين – حتى الشباب المعارض للحكم - يوافقون على السياسة الخارجية لحكومتهم , الكل يريد انفتاحاً على العالم الغربي ، ولكنهم يشتركون في تفضيلهم للمحافظة على وطنيتهم , ومن جانب آخر فهم يتمسكون بسياسة خارجية قائمة على تدعيم الشيعة سواء كانوا في العراق أو لبنان أو في دول الخليج , إذن فإيران تعتمد على 70 مليون مواطن وتملك التكنولوجيا , يكفي استبعاد أحمدي نجاد من الصورة لكي نستطيع النظر إلى إيران من وجهة نظر اقتصادية بحتة وبهذه الطريقة ستصبح حليفا مثاليا , وأتذكر الآن الاتفاق بين إيران وفرنسا بعد أزمة الرهائن الفرنسيين في ليبيا عام 1986 , فطوال فترة هذا الاتفاق لم تعتد إيران على الرعايا أو المصالح الفرنسية على الإطلاق , وبالتالي : نعم .. إيران يمكن أن تصبح متحدثاً موثوقاً به باسم المنطقة. أوبزرڤاتور : هل تعتقد بأن أوباما مع فريقه الجديد سيلعب بالبطاقة الإيرانية؟ روبرت باير : أعتقد أن أوباما يمثل التغيير الأفضل بالنسبة لهذه النقطة , ولكن يجب أن ينتبه إلى اللوبي السياسي - الإعلامي الموجود في واشنطن بسياسته المتشددة غير المتغيرة تجاه إيران , نحن لا نفعل شيئاً سوى التلويح بخطر أحمدي نجاد الشرير وبالمحرقة الجديدة والأسلحة النووية الإيرانية , اختزلنا إيران في هذه الصور الثلاث على الرغم من أن نجاد لا يمثل سوى أقلية من الحرس الثوري الإيراني , لم أعد أصدق ما يشاع عن القنبلة الإيرانية المزعومة مثلما لم أصدق بوجود أسلحة دمار شامل في العراق , إنها الدعاية الإعلامية نفسها , وقد أدت حرب العراق إلى إضعاف هيبة وقوة الولاياتالمتحدة في العالم , وأعتقد بأن الأزمة المالية الحالية يمكن أن تؤثر بشكل جيد على السياسة الخارجية لبلادي , لأن الولاياتالمتحدة لو استمرت في العيش تحت وهم امتلاك مال وقوة غير محدودين سيؤدي هذا إلى نتائج كارثية. جدير بالذكر أن روبرت باير عمل ضابطاً في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه." في الفترة من 1976 إلى 1997 , وخدم في عدد من الدول العربية منها لبنان والعراق , وكانت مهمته الأساسية في العراق تحديدا تشكيل جبهة معارضة قوية لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين! وله عدة كتب من أبرزها "لا يوجد شر" والذي نشر عام 2002 ويستعرض بعض الأدلة التي تثبت ضلوع إيران في هجمات على مصالح أمريكية.