دخلت انتخابات الرئاسة الأمريكية مرحلة حساسة ومهمة، وفقاً للنظام الانتخابي الأمريكي، حيث سيبدأ الحزبان الكبيران الرئيسيان (الديمقراطي والجمهوري) عقد مؤتمراتهما الانتخابية، التي تلعب دوراً محورياً في إشعال الحماسة في صفوف الناخبين، ودفعهم نحو التصويت بكثافة، وبالتالي يبقى لها التأثير الفاعل في اتجاهات الناخب الأمريكي. وافتتح الحزب الديمقراطي مؤتمره في 17 أغسطس عبر تقنية الفيديو كونفرانس، ويستمر لمدة أربعة أيام، وسيلقي مرشح الحزب جو بايدن في اليوم الأخير خطاب قبوله الرسمي بترشيح حزبه في ولايته ديلاوير. وكان من المفترض عقد مؤتمر الحزب الديمقراطي في مدينة ميلووكي (عاصمة ويسكونسن)، لكن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) أجبر القائمين على الحزب على إلغائه والاستعاضة عنه بمؤتمر يقام بغالبيته عبر الإنترنت يقوم على مشاركات وكلمات عبر الفيديو تحت شعار "لنجمع أمريكا". وتُعدّ ويسكونسن معقلا للديمقراطيين، لكن ترامب فاز فيها في انتخابات 2016، مما دفع الديمقراطيين إلى اتخاذ قرار إقامة المؤتمر فيها في محاولة لاستعادتها انتخابياً من الجمهوريين. وبسبب جائحة كورونا، يواصل الحزب عقد مؤتمره افتراضياً من دون جمهور، ويلقي بايدن كلمته عبر دائرة تلفزيونية من منزله في ولاية ديلاوير، فيما تلقي مرشحته لمنصب نائبة الرئيس كامالا هاريس كلمتها من منزلها بولاية كاليفورنيا، وسيلقي عدد كبير من الشخصيات كلمات عبر الدوائر التلفزيونية، بينهم الرئيس السابق باراك أوباما، وزوجته ميشيل، وهيلاري كلينتون، ونانسي بيلوسي، والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور إيمي كلوبوشار، وحاكم ولاية نيويورك. ويأتي المؤتمر الانتخابي للحزب الديمقراطي في ظل استطلاعات رأي، تشير إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ب12 نقطة، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته شبكة (آي بي سي) بالتعاون مع صحيفة (واشنطن بوست) أن 53% من الناخبين المسجلين يدعمون بايدن فيما يتمتع ترامب بدعم 41% فقط منهم. كما يشير الاستطلاع إلى أن حماسة الناخبين الديمقراطيين ازدادت بشكل كبير بعد اختيار كامالا هاريس نائبة لبايدن، لتصل إلى 48% بعد أن كانت 28% فقط في شهر مارس الماضي، وهاريس البالغة من العمر 55 عاماً هي أول امرأة من السود يتم اختيارها من قبل أي من الحزبين لهذا المنصب، ومن شأن اختيارها أن يضخ طاقة شبابية جديدة وتخلق حماسة الناخبين في حملة بايدن البالغ 77 عاما. ويعتزم الحزب الجمهوري الأمريكي، وللمرة الأولى في تاريخه، عقد مؤتمره الانتخابي المقرر خلال الفترة من 21 إلى 24 أغسطس، في شارلوت بولاية نورث كارولينا، في نظام مغلق للصحفيين بسبب الإجراءات الصحية الحكومية، فقد تم تخفيض عدد المندوبين الذين سيشاركون في الفعالية من 2550 إلى 336 مندوبا، وعادة يحضر مثل هذه المؤتمرات عشرات الآلاف من المواطنين منهم ممثلو الصحافة الأمريكية والأجنبية. ومع بروز مشكلة حماسة الناخبين كأكبر تحد يواجهه بايدن في سعيه للفوز بمقعد الرئاسة، تسعى حملته الانتخابية من خلال المؤتمر الحزبي إلى إشعال الحماسة في صفوف الناخبين، ودفعهم نحو التصويت بكثافة، في ظل المخاوف من أن يؤدي فتور الأجواء الانتخابية إلى تردد مناصري بايدن في التصويت له، الأمر الذي قد يكلفه أصواتاً كثيرة يحتاج إليها لانتزاع مقعد الرئاسة من ترامب. وقد لجأت الحملة في هذا الإطار إلى طلب مساعدة وجوه بارزة في الحزب الديمقراطي، معروفة بخطاباتها التشجيعية والمحفزة للناخبين، خاصة الشباب منهم، أبرز هذه الشخصيات ميشيل أوباما، ومنافس بايدن السابق برني ساندرز وحاكم نيويورك أندرو كومو وغيرهم ممن افتتحوا أعمال المؤتمر الوطني للحزب في مدينة ميلواكي. وقد وجهت ميشيل أوباما في افتتاح مؤتمر الحزب الديمقراطي الانتقاد إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرة "أنه رئيس غير كفء يظهر افتقاراً تاماً للتعاطف"، داعية لانتخاب خصمه الديمقراطي جو بادين في اقتراع الثالث من نوفمبر المقبل. ويسعى ساندرز جاهداً لإظهار دعمه التام لبايدن، وذلك لتجنب سيناريو مشابه لسيناريو الانتخابات السابقة، حين تأخر ساندرز بالانسحاب، الأمر الذي أثر سلباً على حظوظ المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون بالفوز. وفي هذا السياق، يخشى الديمقراطيون من رفض الرئيس دونالد ترامب النتيجة، وكيف يتصرفون، وما السيناريوهات المطروحة أمامهم؟، خاصة أن الرئيس ترامب لوح باحتمال عدم القبول بنتيجة التصويت، في حال خسارته، في أكثر من مناسبة، كما يستعد الديمقراطيون للسيناريو الأسوأ والذي يصفونه ب"سيناريو الكابوس"، إذا ما فاز ترامب بأغلبية الأصوات في عملية التصويت المباشر ليلة الانتخابات، لكنه رفض نتيجة التصويت عبر البريد التي عادة ما تبدأ بالصدور بعد الإعلان عن نتيجة التصويت المباشر. وهذا السيناريو مشابه للمواجهة التي جرت في عام 2000 بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ونائب الرئيس الأميركي السابق آل جور، عندما حُسم السباق في المحكمة العليا في 12 ديسمبر، أي بعد أكثر من شهر على تاريخ الانتخابات. ووفقاً للأعراف الانتخابية الأمريكية، من المقرر إقامة 3 مناظرات تلفزيونية بين ترامب وبايدن، الأولى في 29 سبتمبر في كليفلاند بولاية أوهايو، والثانية في 15 أكتوبرفي ميامي بفلوريدا، أما الثالثة فستكون في 22 أكتوبر في ناشفيل بولاية تينيسي، ومن المتوقع إجراء مناظرة بين نائبي المرشحين، نائب الرئيس الحالي مايك بنس، وكامالا هاريس، في 7 أكتوبر في سولت ليك سيتي بولاية يوتا. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة بأقل من 90 يوماً، يزداد الجدل يوماً بعد يوم حول قضية التصويت عبر البريد وعدم الحضور إلى مراكز الاقتراع خشية الإصابة بفيروس كورونا، في ظل تفشي الجائحة واستمرار أرقام الإصابات والوفيات بالارتفاع في أمريكا، لينقسم الشارع الأمريكي ما بين مؤيد ومعارض لهذا المقترح الذي يدعمه الديمقراطيون ويعارضه الرئيس دونالد ترامب والحزب الجمهوري بشدة. وعلى الأرجح، سيكتسب التصويت بالمراسلة أهمية حاسمة، بعد أن غيرت حوالي 20 ولاية قواعدها لتوسيع هذه القدرة، وستكون ولاية كارولاينا الشمالية أول ولاية ترسل بطاقة الاقتراع إلى الناخبين، وذلك اعتباراً من 4 سبتمبر المقبل، وفي نهاية سبتمبر، أي قبل 45 يوماً من الانتخابات، ستكون نحو عشرين ولاية قد بدأت التصويت عبر المراسلة.