محافظ الغربية يؤكد استمرار حملات إزالة التعديات ومخالفات البناء بالمرحلة الثانية للموجة 26    الحكومة الإيرانية: الحرب فُرضت علينا.. والرد سيكون مختلفا    انقلاب سيارة محملة بمادة ك أو ية على طريق السنطة - طنطا دون حدوث إصابات (صور)    التعليم تعلق على وقائع غش جماعي بسوهاج واستبعاد رئيس اللجنة بالثانوية العامة    ضبط سائق استخدم إضاءة تُعرض حياة المواطنين أعلى الدائري| فيديو    جامعة أسوان تنظم ورشة عمل لمناهضة العنف ضد المرأة    رئيس البرلمان منتقدًا غياب "نواب": أقول أسماء الغائبين بصوت عال لأهمية الجلسة وليس لإحراجهم    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    زيلينسكي يزور فيينا للمرة الأولى منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    سفير إيران لدى الكويت: لسنا بصدد توسيع الحرب ولن نتوانى في الدفاع عن سيادة بلادنا بحزم    ترتيب مجموعة الأهلي فى كأس العالم للأندية قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    «خيالكم مريض».. رئيس تحرير الأهلي يشن هجوما ضد هؤلاء بسبب تريزيجيه    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    مصرع طفل أسفل عجلات قطار الصعيد عند مزلقان دماريس بالمنيا    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    وزير الثقافة: لا مساس بحرية الإبداع.. والتوصيات تركز على جودة المحتوى ودعم الإنتاج والتوزيع الدرامي    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    انطلاق برنامج «مصر جميلة» لاكتشاف ودعم الموهوبين بقصر ثقافة أبوسمبل (صور)    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    رئيس الوزراء يستعرض خطوات تنفيذ برنامج الطروحات بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    بعد هروبها.. أب يقيد ابنته في أحد شوارع حدائق أكتوبر    «هيئة الدواء» تقدم.. نصائح لتقليل الإصابة بمرض النقرس    رئيس مجلس النواب يعلن قواعد مناقشة الموازنة العامة    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    عميد «علوم سياسية الإسكندرية» يُكرّم الملحقين الدبلوماسيين الجدد من خريجي الكلية (صور)    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    الصحة: لا نعاني من أزمة في أعداد الأطباء.. وبدء تحسين أوضاع الكوادر الطبية منذ 2014    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    عمرو أديب: كنت أتمنى فوز الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    النفط يرتفع مع تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدور المصرى لم يكن اختراعا
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2020


لا توجد أدوار محجوزة لأية دولة بإرث التاريخ وحده.
ولا توجد أدوار تستجيب لفوائض الثروة، أو ادعاءات ملء الفراغ إذا ناقضت السياسات الاستحقاقات.
لم تكن مصادفة أن مصر اكتسبت قيادتها للعالم العربى والقارة الإفريقية، وتقدمت لقيادة حركة عدم الانحياز بعد ملحمة الصمود فى حرب السويس عام (1956) ، بعدها لا قبلها.
لا توجد أدوار بلا أثمان وتكاليف ومتطلبات، وأى زعم آخر تجديف فى الوهم.
المشروع القومى العربى لا يلخصه رجل ولا تنفرد به دولة.
لم يخترع «جمال عبدالناصر» الوحدة العربية ولا خلق من فراغ أحلامها وتطلعاتها، ولم يخترع مطلب الاستقلال الوطنى والاستعداد للتضحية فى سبيلها، ولم يكتشف مقتضيات العدل الاجتماعى، ولم يؤلف دور مصر فى المنطقة؛ حيث حقائق الجغرافيا والتاريخ تدعو إليه.
الأفكار الرئيسية ل «عبدالناصر» كلها تقريبا كانت موجودة فى الجو السياسى والثقافى العام قبل ثورة يوليو.
ولم تكن مصادفة أن سوريا بالذات هى البلد التى احتضنت الفكرة العروبية فى مواجهة «التتريك» ونشأت فيها قبل غيرها الحركات ذات التوجه القومى العربى.
بحكم موضعها فى المشرق العربى فهى عاصمته الطبيعية.
وبحكم اتصال الأمن القومى المصرى بها فهى توءمته.
وبحكم حدودها مع الدولة العبرية فهى طرف فى صراع وجودى.
وبحكم امتداد ساحلها على البحر المتوسط فهى مركز استراتيجى.
وبحكم اتصالها بشبه الجزيرة العربية؛ حيث موارد النفط فهى تحت بصر المصالح الغربية.
كانت الوحدة المصرية السورية عام (1958) خطوة متقدمة أكدت قدرة العالم العربى على ملء الفراغ بنفسه دون حاجة إلى أحلاف تخضع لحسابات استراتيجية ضد مصالحه ومستقبله.
فى (28) سبتمبر (1961) جرى فصم الوحدة المصرية السورية بانقلاب عسكرى رعته الاستخبارات الأمريكية، ومولته المملكة العربية السعودية، وشاركت فيه الأردن، وآزرته تركيا، وهللت له إسرائيل.
رغم الخطط والمؤامرات على الوحدة المصرية السورية، وكلها ثابتة فى وثائق وشهادات واعترافات، إلا أنها سقطت من داخلها قبل أى فعل خارجى، وتسببت أخطاء جوهرية بصميم التجربة على تسهيل الانقلاب.
على مدى عقود طويلة نشرت آلاف الدراسات عن الوحدة وأسباب الانفصال.
باليقين فإن «عبدالناصر» يتحمل جانبا من المسئولية، لم يكن «عبدالحكيم عامر» مؤهلا لإدارة دولة الوحدة من دمشق والانقلاب حدث من داخل مكتبه.
كما أن عدم تغييره بعد الانفصال كان خطأ جسيما أفضى ضمن أسباب أخرى إلى الهزيمة العسكرية فى يونيو بالحجم الذى حدثت به.
رغم ذلك تتبدى الوحدة فى الذاكرة العامة كحلم يستعصى على محاولات الإجهاز عليه، ف«مصر» بالثقافة والهوية والجغرافيا والتاريخ مشدودة إلى محيطها العربى، المصائر مشتركة، والقضايا واحدة وعندما تنكرت مصر لأدوارها جرى ما جرى لها من تهميش وتراجع فى المكانة.
قيمة «عبدالناصر» فى التاريخ ليست أنه حكم مصر، أكبر دولة عربية، ولا أنه أنجز بقدر ما يستطيع، أصاب وأخطأ، وهذا كله يستحق مراجعته بالوثائق الثابتة لا الأهواء المتغيرة.
قيمته أنه عبر عن فكرة أن مصر تستطيع أن تكون قوية وتجعل العالم العربى قويا معها فتتضاعف قوتها، وهذه الفكرة لا تجىء تاريخيا لمصر إلا ربع ساعة كل مائة سنة بتعبير الكاتب الصحفى الراحل «محمود عوض».
التعبير مجازى لكنه يعبر، بصورة أو أخرى، عن حقيقة لا يمكن تجاهلها أن قوة مصر فى عالمها العربى والخروج منه يفضى إلى عزلتها وتقويض ثقتها فى نفسها، كما يفضى إلى إضعاف العالم العربى واستباحته.
أرجو أولا ألا ننسى أن الفكرة العروبية الحديثة نشأت فى المشرق العربى، الذى يتعرض الآن لتخريب لمقدراته وتلوح فوق الخرائب خرائط التقسيم، لمناهضة سياسات «التتريك»، كما أنها دمجت المسلمين والمسيحيين فى نسيج فكرى وثقافى وسياسى واحد على نحو غير معتاد من قبل، وأحد الأسباب الجوهرية الماثلة حاليا لزعزعة الوحدة الداخلية لبلدان عربية كثيرة، غياب أى مشروع للدمج على أساس قواعد المواطنة والمساواة أمام القانون بين مكوناته وتنويعاته.
باحتلال العراق عام (2003) بدا المشرق العربى كله تحت القصف تفكيكا وتخريبا، وكان ذلك نقطة تحول مفصلية أفضت إلى مزيد من الضعف والإنهاك والتراجع فى العالم العربى كله.
وأرجو ثانيا ألا ننسى أن التيار القومى فى اندفاعاته الأولى ناهض مشروع الجامعة العربية عند نشأتها منتصف أربعينيات القرن الماضى، اعتقادا أن الهدف منها الحفاظ على واقع التجزئة فى العالم العربى، وحتى تكون «الدول الإقليمية» حاجزا نهائيا ضد «الدولة العربية الواحدة».
فى اتفاقية «سايكس بيكو» (1916) قسمت دول واصطنعت أخرى، وبدت الجامعة العربية حاضنة سياسية لما جرى من تجزئة وتقسيم.
كان الدعم البريطانى لمشروع الجامعة العربية بذاته داعيا للشكوك والريب فى أهدافه.
وكان صراع الأفكار والسياسات قبل يوليو، هو من أعطى زخما ميدانيا للفكرة العروبية بمعانيها الحديثة.
الآن قمة المنى الحفاظ على حدود «سايكس بيكو»، وصيانة الدول الإقليمية من احتمالات التقسيم حتى لا يضيع كل أمل فى أى مستقبل.
بقاء الجامعة العربية على قيد الحياة أصبح بذاته أملا، إذا ما تهدمت فإن نظاما إقليميا جديدا سوف ينشأ العرب هم الطرف الأضعف فيه.
المشكلة الحقيقية أن الدول التى تتحكم فى قرارات الجامعة العربية أوصلتها إلى ما يشبه الموت الإكلينيكى، فإذا كان ذلك هو مفهومها للقيادة فإن خلط المفاهيم يكون قد وصل إلى مرحلة انتحار المنطق.
وأرجو ثالثا ألا ننسى أن نكبة فلسطين عام (1948) كانت دافعا رئيسيا للفكرة العروبية وطلب الوحدة.
تحت الصدمة جرت مراجعات رئيسية عما جرى، وما قد يجرى أفضت تداعياتها إلى ضخ دماء فوارة بالغضب والأمل معا فى شرايين الفكرة العروبية.
بات اعتقادا جازما لدى جماعات عديدة ونخب واسعة أن الوحدة العربية طريقنا لتحرير فلسطين، وجرى الربط بينها وبين قضية التنمية والعدل الاجتماعى، بهذا المعنى الواسع أصبحت فلسطين قضية العرب المركزية، فكل فكرة تبدأ وتنتهى عندها.
وقد أدى تفكيك القضية الفلسطينية مرحلة بعد أخرى إلى تفكيك إحدى أقوى الروابط العربية وأخذ التحلل يضرب كل شىء.
إذا كان هناك من يتطلع فى العالم العربى للعب دور حقيقى وتاريخى فإن القضية الفلسطينية قبل غيرها موضع الاختبار.
وأرجو رابعا ألا ننسى أنه بعد حرب أكتوبر (1973) عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على فصل مسارات التسوية، واعتماد الحلول الجزئية مع كل دولة على حدة لتفكيك ما يسمى بوحدة الموقف العربى.
عندما خرجت مصر من الصراع العربى الإسرائيلى بحل منفرد فى اتفاقية «كامب ديفيد» همشت أدوارها فى العالم العربى، كما فى إفريقيا والعالم الثالث بأسره الذى أخلينا مواقعنا فيه وتنكرنا لمعاركنا السابقة التى أكسبتنا وزنا استثنائيا فى معادلاته وحساباته.
علت أصوات هنا فى مصر تشكك فى عروبتها والمعارك التى خاضتها يوليو، وتدعو إلى الحياد مع قضايا العالم العربى.
قيل إن مصر لن تحارب حتى آخر جندى مصرى من أجل فلسطين.
كان ذلك تدليسا على الحقيقة، فمصر حاربت من أجل مصر قبل أى شىء آخر.
جرى تكريس الانكسار كأنه كلمة التاريخ الأخيرة، غير أنه فى نهاية المطاف سوف تعلن الحقائق عن نفسها، فهناك أمة عربية واحدة لكنها ممزقة ومهانة، وعروبة مصر حقيقة لا خيال.
عندما صعدت أدوار مصر فى عالمها العربى تحملت المخاطر ودفعت الأثمان كاملة.
هذه حقيقة لا يجب نسيانها، فلا أدوار بلا أثمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.