بنك ناصر الاجتماعي يرعي المؤتمر العلمي الدولي لكلية الإعلام جامعة القاهرة    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    الشعب الجمهوري يعقد اجتماعًا تنظيميًا لأمناء المرأة على مستوى محافظات الجمهورية    تعرف على جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2024..وضوابط دخول امتحانات التيرم الثاني    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    أسعار الذهب تهبط 20 جنيهًا للجرام.. وعيار 21 يسجل هذه القيمة    توقيع إتفاقيات عمل مع 4 دول لدعم حصص أعمال شركات المقاولات المصرية بمشاريع الإعمار    شركة القلعة تعلن تجميد أسهم المساهم الرئيسي بها لمدة عامين    محافظ الغربية يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة نسب تنفيذ مشروعات المحافظة    الرئيس السيسي يعزي رئيس الإمارات في وفاة الشيخ هزاع بن سلطان    ترامب ينتقد بايدن: انتظروا اندلاع الحرب العالمية الثالثة    «مدبولي» يشكر رئيس وزراء الأردن على التعاون غير المسبوق في دعم العمالة المصرية    الأونروا: 80 ألف فلسطيني فروا من رفح خلال 3 أيام بحثًا عن ملاذ آمن    حقيقة انتقال نجم بايرن ميونيخ إلى ريال مدريد    بطائرة خاصة.. سفر فريق الزمالك إلى المغرب لخوض نهائي الكونفدرالية    هل يقترب مدافع الوداد السابق من الانتقال للأهلي؟    معهد الفلك: العالم يشهد خسوفًا قمريًا يوم 18 سبتمبر 2024    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    محامي الشيبي يطالب بتعديل تهمة حسين الشحات: "من إهانة إلى ضرب"    أحمد عز وماجد الكدواني وريهام عبد الغفور أبرز الحاضرين لجنازة والدة كريم عبد العزيز    «ثورة الفلاحين» تستقبل الجمهور على مسرح المحلة الكبرى (صور)    دعاء الامتحان لتثبيت ما حفظت.. يسهّل الاستذكار | متصدر    بالتعاون مع المستشفى الجامعى.. قافلة طبية جديدة لدعم المرضى بمركزي الفيوم وسنورس    وزير الصحة: 14 مليار جنيه لدعم قرارات العلاج على نفقة الدولة سنويًا    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    موعد بدء أعمال مكتب تنسيق الجامعات 2024 لطلاب الثانوية العامة والشهادات المعادلة    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    رجعوا لبعض.. ابنة سامي العدل تفجر مفاجأة عن عودة العوضي وياسمين عبد العزيز    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    إنشاء المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة لتأهيل الشباب على العمل بالخارج    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    هل تصح الصلاة على النبي أثناء أداء الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تجنبًا لإلغاء التخصيص|«الإسكان الاجتماعي» يطالب المُتعاقدين على وحدات متوسطي الدخل بضرورة دفع الأقساط المتأخرة    السياحة والآثار: لجان تفتيش بالمحافظات لرصد الكيانات غير الشرعية المزاولة لنشاط العمرة والحج    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    أحمد عيد: سأعمل على تواجد غزل المحلة بالمربع الذهبي في الدوري الممتاز    إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص يوضح حكم حج الرجل عن أخته المريضة    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    السكري- ما أعراض مرحلة ما قبل الإصابة؟    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    بوتين يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية    طلب إحاطة بتعديل مكافآت طلاب الامتياز ورفع مستوى تدريبهم    عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    بعد العاصفة الأخيرة.. تحذير شديد من الأرصاد السعودية بشأن طقس اليوم    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كورونا والوبائيات والحجر الصحى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 02 - 2020

كتاب مناسب فى توقيته، صادر حديثا عن الأوبئة والأمراض فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين من عام 1902 إلى عام 1947 (لمؤلفة شابة اسمها نسمة سعد) صادر عن الهيئة العامة للكتاب فى 2019، ولا أظنها طبيبة، وهذا اتجاه إيجابى أن يقبل على دراسة علم الاجتماع الطبى والانثروبولوجيا الطبية باحثون من غير الأطباء، ونتمنى أن تزيد مثل هذه الدراسات التى تعتمد على مدخل تاريخى واجتماعى وتوثيقى للأمراض والأوبئة فى مصر.
وهذا المدخل كان أشهر من عملت عليه باحثة تدعى «لافيرن كونكه»، فى كتابها (أرواح فى خطر، الصحة العامة فى مصر فى القرن التاسع عشر)، ترجمه للعربية الدكتور أحمد زكى، وموضوع الكتاب يتحدث عن علاقة النظم الصحية بالأمراض والأوبئة من وجهة نظر الناس العاديين وليس المؤسسة، بالإضافة إلى الدكتور خالد فهمى وكتبه المهمة «كل رجال الباشا» و«الجسد والحداثة» وغيرهم آخرون.
والواقع أن أهمية هذه الدراسات ترجع إلى أن مصر إلى الآن ووفق دراسات عبء المرض تعانى من عبء مزدوج للمرض (السارية وغير السارية) وإن كان تركيز النظام الصحى يتزايد فى اتجاه الاهتمام بالأمراض غير السارية كالسكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى وغيرها.
وفى وقت قريب أغلقت كثيرا من مستشفيات الحميات وتم ضمها كأقسام فى المستشفيات العامة بحجة عدم انتشار الأمراض الوبائية والحميات كالماضى فى القرن التاسع عشر، ولتقليل النفقات، ولاستغلال المساحة الواسعة التى كانت تشغلها.
وتغير الأمر عندما انتشرت جائحة إنفلونزا الخنازير (Swine Flu) فى 2009، وحدث اضطراب فى تعامل الدولة مع الوضع، واستوردوا علاجات بكميات كبيرة (عقار «التاميفلو»)، وأعلنوا حالة الطوارئ العامة، وقاموا بالتخلص من آلاف الحيوانات (الخنازير)، وانتهت الأزمة بعدها بشهور قليلة لما تبينوا أنها لا تختلف كثيرا عن أعراض الانفلونزا الموسمية.
***
وفى هذا السياق من الضرورى فهم الأسباب دائما فى المرض والأوبئة بالذات. فرغم التقدم العلمى والنقلة الكبيرة التى حدثت فى القرن الماضى حيث تم اكتشاف التطعيمات والأمصال والمضادات الحيوية الهامة كالبنسلين إلا أنه على مدار الثلاثين سنة الماضية، زادت حالات تفشى الفيروسات، وأصبح انتشارها سريعا، وأحدثها فيروس كورونا، الذى انتشر فى الصين، وانتقل إلى عشرات الدول الأخرى.
وأيضا ظلت الأوبئة تاريخية فى مصر حيث كنا أحيانا معبرا لها من الشرق إلى الغرب، وذلك بوجه خاص فيما يتعلق بالكوليرا كوباء والذى كان يأتى من الهند إلى مكة ثم السويس ثم الإسكندرية فأوروبا، حيث هاجمت الكوليرا مصر عدة مرات فى تاريخها الحديث كان آخرها عام 1947، والذى عبر يوسف شاهين عنه فى رائعته اليوم السادس. والأصل فى هذا المجال عموما أنها ترتبط بالمحددات الاجتماعية للصحة (مياه الشرب والصرف الصحى والبيئة والتعليم)، وأن الأمراض الوبائية عابرة للحدود والقارات والطبقات الاجتماعية.
كان آخر ظهور للكوليرا كوباء فى مصر عام 1947 فى قرية (القرين) إحدى قرى مديرية الشرقية، وفى محاولة منها لتقليل حدة انتشار الوباء أمرت وزارة الصحة بعزل المرضى والمخالطين لهم، ويذكر أنه عندما طلبت وزارة الصحة من وزارة المالية فتح اعتماد مبلغ 100 ألف جنيه، قام النقراشى باشا رئيس الوزراء فى ذلك الوقت برفع الاعتماد إلى نصف مليون جنيه.
ومن ضمن الإجراءات التى اتخذتها وزارة الصحة أيضا للحد من انتشار وباء الكوليرا منع دخول أى شخص من شمال سيناء إلى داخل البلاد إلا بعد قضاء مدة الحجر الصحى وهى 6 أيام. وقام مدير مصلحة الحجر الصحى «محمد نظيف بك» بعقد اجتماع مع السلطات العسكرية البريطانية لبحث شئون الرقابة الصحية على الطائرات وتقرر أن يتولى مندوب من وزارة الصحة هذا الأمر.
وأما فى ما يتعلق بتجهيز المستشفيات لمقاومة الوباء فقد قررت وزارة الصحة إلغاء العيادات الخارجية فى جميع المستشفيات منعا لانتشار الوباء بسبب ازدحام الجمهور فى هذه العيادات، وقد ألغى وزير الصحة جميع إجازات الأطباء فى الوزارة.
وعلى الرغم من الجهود التى بذلتها الحكومات المتعاقبة فى النصف الأول من القرن العشرين لمكافحة الأوبئة ومنع انتشارها، إلا أنها لم تكن كافية لحل المشكلة نظرا لعدم توجيه هذه الجهود لاستئصال أسباب الأوبئة وتحسين الظروف البيئية والمعيشية التى أدت إلى توطين هذه الأمراض، فكان التحرك الحكومى دائما بعد حدوث المشكلة وليس للوقاية من حدوثها.
***
وفى سياق مكافحة الأوبئة، نشير إلى مفهوم الحجر الصحى والذى يجب أن يكون على قائمة الاهتمامات والأولويات. والحجر الصحى مفهوم ترسخ منذ بدايات القرن التاسع عشر مع انتشار الأوبئة العابرة للحدود وأشهرها الطاعون والجدرى والكوليرا والتى تحمل لنا ذكريات مأساوية.
ولقد كان أشهر مبنى للحجر الصحى فى مصر (فى عصر محمد علي) فى مدينة الإسكندرية باعتبارها معبرا من الشرق إلى الغرب.
وكان أطرف ما كتب بخصوص الحجر الصحى ذلك الذى طرحه رفاعة الطهطاوى كإمام للبعثة المصرية من الدارسين هناك، وعندما وصلوا إلى مارسيليا، تم حجزهم لفترة فى الحجر الصحى، وخشى الشيخ رفاعة وتساءل سؤاله المدهش: هل هذا مما يجيزه الشرع؟
وكان هو شخصيا بعد ذلك من تعلم الفرنسية، وترجم عنها، ولم يكتفِ بكونه إمام البعثة وإنما عاد ليؤسس فى مصر مدرسه الألسن ويترجم العديد من أمهات الكتب.
وجدير بالذكر أنه من المهم دراسة علاقة الصراعات السياسية بالصحة العامة، وتأثير الأوبئة على الاقتصاد العالمى، فعلى سبيل المثال قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية «إن الإجراءات الأمريكية تخلق وتؤدى فقط إلى نشر الخوف بدلا من تقديم المساعدة». وأضاف «إن الولايات المتحدة كانت أول دولة تفرض حظرا على السفر على المسافرين الصينيين لدخول أمريكا، وأول من اقترح سحب جزئى لموظفى سفارتها». ويكمل: «إن البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة التى تتمتع بقدرات قوية فى مكافحة الأوبئة هى التى اتخذت زمام المبادرة فى فرض قيود مفرطة تتعارض مع توصيات منظمة الصحة العالمية».
وأيضا تصريح وزير التجارة الأمريكى «ويلبر روس» إن الفيروس الذى تفشى فى الصين مؤخرا قد يساعد فى جلب فرص عمل للولايات المتحدة، وهو التصريح الذى قوبل بانتقادات شديدة من قبل العديد من خبراء الصحة العامة.
وفى الخلاصة، ما نستطيع عمله هو تحسين استراتيجيات الكشف المبكر عن الأوبئة فى نظامنا الصحى، وأن تكون أولويتنا فى تشخيص وعلاج الأشخاص المصابين، وتوفير كواشف كورونا بمقدار ملائم، وأن يكون ذلك بالتنسيق مع الجهات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، وهذه فرصة لتقوية منظومة الرعاية الوقائية فى مصر، وتدعيم المحددات الاجتماعية للصحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.