ُسدل الستار على واحد من أقدم النزاعات وأكثرها دموية وسببا فى الانقسام في الهند، ولكن هل ستؤدي النهاية لمداواة الجروح القديمة والتصالح بين طبقات المجتمعات الهندية؟. وأعرب قادة جماعات سياسية ودينية عن تفاؤلهم إزاء قرار المحكمة العليا الهندية بمنح الهندوس حق بناء معبد في نفس موقع مسجد يعود للقرن ال16، وجرى هدمه على يد مثيري الشغب عام 1992 في بلدة ايوديا بشمال الهند. وجرى إخماد أصوات احتفالات الجماعات اليمينية الهندوسية؛ وفي الوقت الذي أعرب فيه بعض القادة المسلمين والمنظمات الاسلامية عن ضيقهم، قال الكثيرون إنهم يقبلون الحكم ويأملون أن يحقق نهاية للاقتتال. ويبدو أن الحكم الذي صدر بالإجماع من جانب هيئة المحكمة العليا الهندية المؤلفة من 5 قضاة لم يستند فقط على الدليل المقدم أمام المحكمة، ولكن أيضا على الواقع على الأرض وتصورات عقيدة الأغلبية الدينية في الهند. وقالت المحكمة العليا إن هدم مسجد "بابري" على يد مثيري الشغب الهندوس عام 1992 لم يكن قانونيا. ومع ذلك، دفع الدليل الشفوي والموثق المحكمة إلى أن تقضي بأن الهندوس كانوا يعتقدون أن موقع المسجد هو مكان مقدس بالنسبة لهم، حيث ولد الإله رام حتى قبل بناء المسجد. وأضافت المحكمة أن الأرض الدينية المثيرة للخلاف يجب أن تذهب للهندوس، ويتعين على الحكومة الإشراف على بناء معبد، وأنه يجب منح المسلمين موقعا بديلا يمكنهم بناء مسجد عليه. * والسؤال هنا هل الجميع سعداء بالحكم؟. استقبل الكثير من المسلمين، ومن بينهم شخصيات دينية وسياسية كبيرة، الحكم بدرجة من عدم الاكتراث، ودعوا إلى الهدوء، قائلين إنهم يأملون أن يضع الحكم نهاية لملحمة طويلة ومريرة ومسببة للانقسام. ويمثل المسلمون أقلية تقدر بنحو 14 % من بين تعداد سكان الهند البالغ 1.3 مليار نسمة، أغلبيتهم من الهندوس، وهم يشعرون بتزايد ضعفهم وتعرضهم للخطر منذ أن تولي رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وحزبه بهاراتيا جاناتا القومي، مقاليد السلطة عام 2014، بالإضافة لتحقيقهما أغلبية ساحقة في انتخابات العام الجاري. وقد هيمت قضية ايوديا على المسار السياسي والاجتماعي في الهند خلال الثلاثة عقود الماضية. وكان حزب بهاراتيا جاناتا قد أصبح قوة سياسية في التسعينيات بعد دعمه لحركة تطالب ببناء معبد رام في موقع المسجد. يشار إلى أن الهند شهدت اندلاع عدة أعمال شغب بين المسلمين والهندوس بسبب نزاع ايوديا، كان أغلبية ضحاياها من المسلمين، كما أدى هدم المسجد لتنفيذ الإرهابيين الإسلاميين عدة تفجيرات. وقال مواطن مسلم شاب مختص في برامج الكومبيوتر يقيم في دلهي "لندعهم يقومون ببناء ما يريدون في ايوديا، لا نريد المزيد من العنف والمرارة، نحن فقط نريد السلام لكي نمضي في حياتنا". وقال كمال فاروقي، العضو بمجلس القانون الشخصي لعموم المسلمين في الهند، "حتى إذا أعطونا 100 فدان في موقع بديل، لن يكون لذلك نفعا، موقع المسجد لا يمكن استبداله". ومن المرجح أن يضغط المسلمون لإعادة النظر في الحكم، مما يعني أن المعركة القضائية ربما لم تنته بعد. وأعرب أسد الدين اويسي، زعيم حزب مجلس اتحاد المسلمين الاسلامي، عن قلقه، قائلا إن المحكمة عليا ولكن ليست معصومة من الخطأ"، ووصف الحكم بأنه انتصار "لعقيدة على الحقائق". وأضاف "خطة مودي هى جعل الهند دولة هندوسية، والطريق لتحقيق هذه الرؤية يبدأ في أيوديا". ورحب كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا وجماعتها الأيدلوجية راشتريا سوايامسيفاك يانج بالحكم، ولكن طالبوا أنصارهم بضبط النفس خلال أي احتفالات. وقال مودي في خطاب للأمة" أجيال كثيرة عانت بسبب هذا النزاع، ولكن بعد الحكم، علينا أن نتعهد أن تتحد الأجيال الجديدة لبناء هند جديدة". وقال ارون اناند، المدير التنفيذي لجماعة اندرابراثاه فيشوا سامفاد كيندرا التابعة لجماعة راشتريا سوايامسيفاك إن هذا الحكم يمكن أن يمثل النهاية لهذه المسألة. وأضاف "هناك بعض القادة الذين يريدون الانقسام، ولكننا نأمل أن تظهر قيادة تقدمية جديدة من بين المسلمين ليكون هناك دمج للمجتمع وبناء مجتمعنا الهندي الجديد". وأوضح "الإله رام رمز قومي في الهند، في حين بابور كان من الغزاة المغول الذين دمروا المعبد لبناء مسجد، ليمثل بذلك عقلية تغزي الانقسام". وقال رئيس جماعة راشتريا سوايامسيفاك موجان باجوات " كنا نريد أن تنتهى هذه القضية، وهذا ما حدث"، ولدى سؤاله ما إذا كانت الجماعة سوف تتولى قضايا أخرى متعلقة بالهندوس، أجاب باجوات إن الجماعة لن تثير اضطرابات. * ما هى إذن وجهة نظر من هم في الوسط في المجتمع؟. قال العالم السياسي الذي تحول للسياسية، يوجيندرا ياداف، "للأسف هذا الحكم لم ينجح في إحلال مصالحة عادلة؛ فهو يعزز من نزعات تفوق الأغلبية في ديمقراطيتنا، ويؤجل مهمة المصالحة لوقت متأخر كثيرا". وكتب المعلق بيجو دومينك، في صحيفة :مينت: أن مستقبل العلاقة بين أفراد أكبر ديانتين في الهند ومستقبل البلاد يعتمد على أعمال القادة الذين يجب أن يسعوا للمصالحة لجعل هذا الصراع شيء من الماضي. وأضاف "كما أنه سوف يعتمد كثيرا على أفعال وأقوال القادة من الجانبين، والاعتماد أكثر على أفعال وأقوال قادة الطرف الفائز. هل سوف يكونون على قدر الموقف ويتصرفون كرجال دولة حقيقيين؟ سوف ننتظر ونحن نحبس أنفسنا لنعرف النتيجة".