روح المنافسة تسحق هوية الطفل فى ظل قيم الثقافة الرأسمالية.. والمدرسة تدعم الطفل «السوبرمان» المنافسة، القلق، الخوف، المظاهر الطبقية، التنمر، العزلة، الاكتئاب.. جميعها أضحت قيما وأعراضا لمجتمع يعانى فيه الطفل من اهتزاز الهوية، وتشويه إمكانياته وقدراته الفردية؛ وذلك نتيجة الضغوطات الكثيرة والتوقعات الكبيرة التى من خلال عبورها وتحقيقها، يتم تمريره للعمل ضمن منظومة السوق الرأسمالية العالمية. وقد طرحت الكاتبة رانيا حسين أمين عن طريق لغة عامية بسيطة قضايا مهمة وشائكة، كشفت من خلالها عوالم الفئة العمرية من 10 16 سنة والتى تعتبر من أهم المراحل المحورية فى تطور الشخصية حيث يتم على إثرها تشكل رؤية العالم لدى الطفل ونظرته النابعة من قيمه التى تحكم فيما بعد علاقاته مع مجتمعه القريب والبعيد. فكان كتاب «برة الدايرة» الصادر عن دار الشروق، كاشفا لتلك العوالم، معبرا عن أزمة الطفل مع مجتمع المدرسة، وسعيه لتحقيق الاندماج مع المجموع وهو محافظا على فردانيته. قالت رانيا حسين أمين، إن الشخصيات التى استخدمتها كأبطال للقصة فى كتاب «برة الدايرة» هى شخصيات حقيقية، تعرفت عليها عن طريق عملها كإخصائية نفسية واجتماعية فى إحدى المدارس. وأضافت أن عملها فى المدرسة كان موطن استلهام لأعمالها الأدبية عن طريق رصد الحكايا فى مشكلات الأطفال، واكتشاف طبيعة الشخصية ومواقفها تجاه الأحداث، حيث إن شخصية عبدالرحمن بطل القصة وهو الشخصية الحقيقية كشفت عن طبيعة الصراع داخل المدرسة، النابع من المنافسة على تحقيق الشعبية وفقا للتصور السائد عن الشخص المتفوق والمندمج مع المجموع، وصعوبة العيش فى ظل هذه المنافسة ما لم تتخل عن اختلافك الذى يمثل هويتك الفردية. وأوضحت خلال الندوة الثقافية التى نظمتها دار الشروق واستضافتها مكتبة مصر الجديدة العامة الثلاثاء الماضى أن شخصية عبدالرحمن تتسم بالأصالة فى مواجهة روح العصر التى تمسخ الهوية، وهى أصالة إنسانية نابعة من حب الطفل عبدالرحمن للقراءة والموسيقى، وتجاوز كل ما هو سطحى عصرى، ونظرته العميقة للشخصيات والمواقف من حوله وقدرته على الرغم مما واجهه من تنمر على التجاوز والخروج برة الدايرة. وأضافت أن صراعات الطبقة البورجوازية العليا، كانت ظلا لقصة عبدالرحمن، وناسى، وفريدة، ودوللى. وأشارت إلى دور التخييل من سينما إلى مسلسلات ومسرح وكتب لخلق ذوق عام جديد يستسيغ من خلاله المجتمع الشخصية المتزنة، العقلانية، المهتمة بالفنون والإنسانيات. فى محاولة لدعم تلك الشخصيات التى يمثل عبدالرحمن نموذجا لها داخل مجتمعنا المصرى. وعبرت، رانيا، عن قلقها من دور المدرسة والمدرسين، حيث تتحمل المدرسة مسئولية كبيرة تظهر عن طريق اكتشاف قدرات كل فرد داخلها وتدعيم تلك القدرات بما يتوافق مع احتياجات الطالب الوجدانية ويساعد فى عملية نموه وتطوره بصورة سليمة، خالية من الأمراض، والتشويه، وأشارت إلى شخصية الطفل الإنطوائى وما يواجهه من تهميش وعدم تقدير فى المقابل يجد الطفل الاستعراضى المحافظ على علاقاته وشعبيته وتفوقه الظاهرى فى كل شىء حفاوة وترحيبا كبيرا من قبل منظومة المدرسة ككل. وفى الغالب تكون تلك الشخصيات الشعبوية هى شخصيات غير سوية، تعتمد على المظاهر والفراغ الوجدانى. وعن استخدام اللغة العامية، قالت، إن الوصول إلى الأولاد هدف رئيسى استلزم التخلى عن استعراض المفردات فى ظل ثقافة مغايرة أزاحت اللغة العربية واستبدلت بها اللغة الإنجليزية، وهى فى النهاية رواية تربوية، توجه الطفل، وتساعده على التعلم، عن طريق المتعة. وأشارت إلى الفجوة الرقمية بين جيل الآباء وجيل الأبناء. فى إشارة منها إلى اختلاف النظم الحاكمة لكل منهما وبالتالى اختلاف القيم، الذى هز الشخصية المصرية الجديدة من منظور عوالم الأطفال. وقالت هبه قورة استشارية علاقات أسرية وإنسانية، والمديرة للندوة، إن الاهتمام باستخدام الخبرة الناتجة عن تجارب الآباء، وإعادة تدويرها وفقا لحاجيات ومتطلبات العصر، ضرورة يجب أن تؤخد فى عين الاعتبار، ويتم تمريرها للطفل، لا من أجل تقديس الآباء بشكل تقليدى، عن طريق مظاهر الاحترام السائدة، ولكن عن طريق خلق لغة حوار وتواصل بين جيل الآباء وجيل الأبناء. وأشارت إلى الفارق العمرى الكبير بين جيل الآباء والأبناء والتى تعد من سمات العصر، حيث كان قديما الفارق العمرى بسيطا نظرا للزواج المبكر والذى كان يدمج بين طموحات الجيليين، بينما الآن، تأخر سن الزواج، اصبح عاملا جديدا من عوامل تحديات بناء الشخصية السوية. وعلقت، رانيا، أن كشف طبقات الصراع بين الأجيال، استلزم منها عمل جزء جديد لرواية «برة الدايرة» التى ناقشت صراع الأطفال فى ظل نظام المدرسة كاشفا العلاقات والتنويعات الممسوخة فى مواجهة الباحثين عن الاستقلالية والفردانية. لذلك كانت رواية «ورا القناع» هى استكمالا لقصة عبدالرحمن، ونانسى، فى ظل نظام الأسرة، والغرف المغلقة. وأعلنت أن هناك جزء ثالثا من القصة لتصبح سلسلة فى أدب الطفل، باللغة العامية، سلسلة تربوية تعليمية قائمة على المتعة. وأعلنت رانيا أن المشكلة أساسها الآباء والدولة، حيث إن الحل الفوقى عن طريق التدعيم النابع من الاهتمام بالإنسان المصرى وهويته واستقلاله، هو الحل الذى من خلاله يمكن أن يتم استثمار حب المعرفة، الذى تتسم به الأجيال الصغيرة، بعيدا عن قيم المنافسة والصراع. وأضافت أن الآباء يلقون بالكثير من الضغوطات والتوقعات على عاتق الطفل، وتورطه فى سباق كبير، حيث أصبح الطفل الآن يشترك فى الألعاب الرياضة، بجانب الاهتمام بالتفوق والتحصيل الدراسى، والعمل على هوايات جانبية أخرى، متناسين دور الرعاية عن طريق تخصيص الوقت للعيش معا. وشارك فى الندوة العديد من الأطفال من سن 10 16 سنة، واشترك كل من نورهان، ومحمد، فى الحوار عن طريق حكى تجاربهما مع فكرة الصراع فى المدرسة، الناتج عن حالة من التنمر، بتنويعاته المختلفة، سواء كان تنمر على الشكل، أو المعاملات، أو حتى تنمر على مسايرة الموضة، والذى وصل فى تجربة محمد حد العنف البدنى.