يؤدي غلق بحيرة "مونو" الواقعة شرقي سلسلة جبال سييرا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وعدم وجود أي منفذ لها إلى المحيط؛ لارتفاع مستويات الأملاح فيها وتحولها إلى بيئة قاسية يصعب على أي كائن حي الصمود فيها، فهي مشبعة بسم الزرنيخ، وأكثر ملوحة من أي مكان آخر، وتبلغ درجة حموضتها 10 على مقياس الأس الهيدروجيني. ورغم كل شواهد الموت في تلك البحيرة، إلا أن الحياة باقية فيها، فهي موطن لجمبري الملاحات، والذباب الغاطس، والبكتيريا والطحالب ولا شيء غير ذلك، أو هكذا اعتقد العلماء، فمؤخرا وجد باحثون من معهد كاليفورنيا للتقنية "كالتيك"، ازدهار 8 أنواع من الديدان في هذا النظام البيئي القاسي، أحدها كان ثلاثي الجنس. • النيماتودا أو الديدان الثعبانية تعرف النيماتودا -وهو الاسم العلمي لها- أيضا باسم "الديدان الخيطية" لأن أجسامها رفيعة جدا وتشبه ديدان الأرض، وحركتها تشبه حركة الثعابين بالرغم من كونها ليست ديدان حقيقية، وهي تتواجد في كل مكان وكل شيء تقريبا، اكتشف منها حتى الآن ما يزيد عن 15 ألف نوع، حتى أن ديدان الإسكارس هي أحد أنواعها. وفق بيان للمجموعة البحثية، اعتقد عالم الأحياء بول ستيرنبرج، وزملاؤه في كالتيك، أن الديدان المجهرية التي تدعى "النيماتودا" تتواجد في بحيرة "مونو"، ويرجع هذا الاعتقاد جزئيًا بسبب أن تلك الكائنات تعتبر من أكثر الحيوانات وفرة على هذا الكوكب. وبحسب موقع "لايف ساينس" الإخباري للعلوم، ففي صيف 2016 و2017، زار الباحثون بحيرة "مونو" وجمعوا عينات من التربة في البقع الجافة حول البحيرة ومن منطقة المد والجزر ومن داخل البحيرة نفسها، حيث اكتشف الفريق 8 أنواع من النيماتودا لها أشكال متنوعة للفم، وهو ما قد يسمح لكل منها بالحصول وتناول الغذاء المفضل لها، فبعض من هذه الديدان الخيطية ترعى على الميكروبات، في حين أن البعض الآخر يفترس الحيوانات، والأخرى منها طفيلية تتغذى على مغذيات عائلها المضيف الذي اختاروه. وبحسب الدراسة التي نشرت 26 سبتمبر الجاري في مجلة "Current Biology"، وجد الفريق خلال رحلاته الاستكشافية إلى البحيرة أن تلك الديدان المجهرية يمكنها تحمل التعرض للزرنيخ بمقدار 500 مرة أكثر من الإنسان. وفي المختبر، اكتشف فريق البحث جنسا جديدا أطلقوا علية الأوانيما "Auanema sp"، ثلاثي الجنس، (خنثى - ذكر - أنثى) ويحمل ذرية نامية داخل أجسامها، مثل حيوان الكنغر الذي يحتفظ بصغاره في جراب البطن. وكشفت تحليل الشفرة الوراثية لهذا النوع عن طفرة في جين يسمى "dbt-1"؛ ما يساعد على تحطيم الأحماض الأمينية التي تشكل البروتينات، وهو ما قد يكون مسئولا جزئيا عن القدرة الخارقة لتلك المخلوقات على الصمود أمام سم الزرنيخ الذي تتشبع به البحيرة، بحسب مؤلفي البحث، الذين أكدوا أن الأنواع الأخرى من الأوانيما تحمل نفس الطفرة، وتظهر مستويات مقاومة مرتفعة للزرنيخ، برغم أن الديدان الثمانية في بحيرة مونو تبدو الأنسب لبيئتها السامة بشكل خاص. وقال بي يين شيه، المؤلف المشارك في الدراسة، وهو طالب دراسات عليا في جامعة كاليفورنيا في البيان: "لقد أظهرت دراستنا أنه لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن كيفية صمود هذه الخلايا التي يبلغ عددها 1000 خلية في البيئات القاسية". وأضاف مؤلفو البحث، أن معرفة المزيد عن هذه الديدان الغريبة يمكن أن تساعد العلماء على معرفة الكيفية المثلى لحماية الناس من مياه الشرب الملوثة بالزرنيخ، ويمكن أن تزيد بشكل عام من فهمنا لكيفية استمرار الحياة في البيئات القاسية.