نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه؛ أنجزت دراسات مهمّة وبحوث عديدة حول دور الفيسبوك فى تحديد وجهة المسار الانتخابى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، وفرنسا، والهند، وفى غيرها من البلدان. وقد توصّلت أغلب هذه البحوث إلى نتائج مهمّة توضّح السلطة التى صار يتمتّع بها فيسبوك ودوره فى إذاعة الأخبار السياسية والتصرّف فى «هندستها»، وحجم الخطر المحدق بالعمليّة الانتخابية بسبب الاعتماد السيئ على الفيسبوك. وبالإضافة إلى ذلك تشير الدراسات إلى أنّ فيسبوك لا يمكن أن يكون وسيطا تواصليا محايدا فى النشاط السياسى بل هو قوّة تضاهى الأسلحة المستعملة فى الحروب. ولذلك تُنبّه البحوث إلى ما يترتب عن توظيف الفضاء الفيسبوكى فى العمليّة الانتخابية من نتائج وخيمة، إن كان على مستوى تزييف وعى الناخبين أو استدراج فئة منهم إلى ممارسة خطاب الكره، والتعصبّ، وتبادل العنف اللفظى، إلى غير ذلك من الممارسات وأنماط السلوك التى تؤثّر فى المسار الديمقراطى، وتهدّد الأمن الاجتماعى. ويدرك المتابع لتفاعلات التونسيين على فيسبوك وتعاليقهم قبل الدخول فى مرحلة تسجيل الترشحات وبعدها أنّ فترة «الهدنة» لم تتجاوز الأيام الأولى من الحداد إذ سرعان ما استأنفت الكتائب الفيسبوكية نشاطها وحمى وطيس الحرب لاسيما بعد أن نزل «كبار الحكومة للميدان». ولعلّه من المفيد، فى هذا السياق الذى استهدف فيه الناخب/ة فى محاولة سافرة للعبث بالقيم والمبادئ التى تحكم العمل السياسى لفت النظر إلى ما يهدّد المسار الانتخابى الحالى. فقد لاحظنا خلال هذا الأسبوع تفشّى مجموعة من الأخبار الزائفة الكاذبة، ومحاولات تضليل الرأى العامّ، واستغلال السياق الحالى لبثّ الفوضى، وتأليب المجموعات ضدّ بعضها البعض. يبدو جليّا من خلال هذا النشاط الحثيث على الفيسبوك أن لا غاية لأصحاب هذه الحملات المسعورة، والمنخرطين فى «صناعة» المشهد السياسى الجديد سوى التأثير فى الناخبين والتحكّم فى إرادتهم ووعيهم وبنيتهم النفسية لينقادوا بيسر نحو أحزاب محدّدة أو مرشّحين محددين. ولا شكّ عندنا أنّ من يريد تطويع الآخرين لأهدافه، والتصرّف فى إرادتهم لا يكنّ لهم أدنى احترام بل إنّه يصرّ على تكريس نفس النظرة التقليدية التى كانت للحاكم تجاه الناخبين. فقد كان النظام يتعامل معهم على أساس أنّهم أرقام /أصوات فى معادلة هو الوحيد الممسك بخيوطها. ومن هنا تعيّن على الناخبين أن يتحلّوا باليقظة، وأن يمارسوا العقلنة وضروبا من التأويل ليتوصّلوا إلى فهم الغايات المضمرة. وإذا علمنا أنّ فيسبوك يمنحك ما ترغب فى الاطلاع عليه أدركنا كيف يتدخلّ فى حياة الناخبين وميولهم وأذواقهم و... فكلّما أعجب هؤلاء بخبر أو مقال أو صورة انهالت عليهم معلومات متشابهة وحجبت أخبار لا تفى بالغرض. وانطلاقا من ذلك صار الفيسبوكى تحت قبضة الإدارة توجهّه بكلّ يسر ولذا كان على الناخبين أن ينتبهوا إلى هذا الأمر وأن يحصّنوا ذواتهم حتى لا يكونوا مسلوبى الإرادة. كانت القوى الليبرالية وراء ذيوع فيسبوك وتحوّله إلى قوّة ولكن أفادت قوى يمينية ومحافظة من فيسبوك فجعلته فى خدمة مشاريعها وأيديولوجياتها ومن ثمّة وجب الانتباه إلى الخلفيات الثاوية وراء نظم الخطاب. فكم من خطاب نسب لقوى تقدمية/ديمقراطية... كانت غاية نشره وإعادة نشره فى خدمة قوى محافظة جدّا ولذا كان على الناخب أن يتريّث قبل نشر الأخبار والفيديوهات وأن يتساءل ما الذى يجعلنى أنخرط فى هذا النشاط؟ هذه بعض المزالق والمخاطر وما خفى كان أعظم. ولكن على من تقع مسئولية حماية الفيسبوكيين/الناخبين؟ فى تجربة فتيّة وفى بلد الديمقراطية الناشئة والمسار المتعثّر لا يمكن التعويل إلاّ على الذات فعلى الجميع أن يغادر فضاء «التنبير» و«الشكوى والتذمّر» والوقوف على الأطلال والبكاء والنحيب على «الزمن الجميل» ليتحوّل إلى فاعل يقظ ومسئول، ومراقب فطن لا يهدر وقته فى الثرثرة بل فى التدبّر. ولنا فى تجارب الشعوب والأمم عبر... إدارة حملة انتخاب ترامب مفتاح مهمّ.