في قرية الشرانية بصعيد مصر نبت من طين الأرض في أسرة مصرية بسيطة المخرج عاطف الطيب الذي لم تلبث أسرته إلى أن هاجرت إلى القاهرة بحثًا وراء لقمة العيش ليصبح أحد أهم مخرجي السينما في جيله. عاش الطيب حياة بسيطة مع أسرته فى حى بولاق الدكرور حيث التحق بالمعهد العالي للسينما وتخرج منه عام 1970، عمل مساعد مخرج مع عدد من المخرجين المصريين والأجانب، حتى عام 1981 أخرج أول أفلامه "الغيرة القاتلة". ومن 1981 إلى 1995 قدم فارس الواقعية للسينما 21 فيلمًا تعاون فيهم مع الكثير من النجوم على رأسهم نور الشريف وأحمد زكي، في أفلام مثل ضد الحكومة والهروب وسواق الأتوبيس والزمار، ولديه 3 أفلام ضمن أفضل 100 فيلم مصري رغم قصر مسيرته الفنية. تحل اليوم في 23 من يونيو ذكرى وفاته ال24، وتستعرض الشروق ملامح شخصيته كما وصفها صديقه المصور سعيد شيمي في كتابه "أفلام مع عاطف الطيب". بدأ "شيمى" كتابه قائلاً: "عاطف كانت تحركه إنسانيته فى الحياة وهي التى جعلت أفلامه واقعية تحمل كل هذا الصدق والحب". ووصفه أنه إنسان حساس وقلبه رقيق، ويتضح ذلك فى لحظات بكائه بشدة بعد النقد العنيف الذى تعرض له فى فيلم "الغيرة القاتلة"، وكان صديقاً بحق، فيحكى "شيمى" أنه وقف بجواره كثيراً فى لحظات مرض زوجته ووفاتها، وأثناء ظروفه المضطربة فى تربية ابنه. -السينما رسالة خلال 15 عاماً تعايش فيها الاثنان معًا، رأى «شيمى» في صديقه غضبه على الواقع وأوضاعه، فأصبح مقاتلاً لا يخشى سطوة أو سلطة، فهو مخرج له موقف ووجهة نظر والسينما تمثل له قضية وحياة، وهو ما قاله عاطف: "لدى طموح مؤكد لخلق مواضيع لتحليل الواقع". -الاهتمام بالتفاصيل الواقعية "لم يكن يمر مشهد داخل السيناريو إلا يقرأه ويعلم أين وكيف سيتم تصويره؟، وأنه لا يدخل موقع التصوير إلا وكل تفاصيل المشهد متكاملة بأدق تفاصيلها"، يحكي شيمي. والواقع أهم شىء فى التفاصيل كما يحكى «شيمى» فى كتابه، ضارباً مثال من فيلم ملف في الآداب، "مثلاً لون الغرفة الزرقاء الموجودة وسط المقابر فى فيلم ملف فى الآداب كانت حقيقية بكل ملامحها ورفض عاطف تغيير أى شىء فيها. وكان يعتمد على تلقائية الأحداث وواقعيتها، خاصة فى المشاهد التى يتم تصويرها فى الشارع، مثل مشهد المشاجرة بين أحمد زكى وبعض الشباب أمام محطة مصر فى فيلم "البريء" والتي تدخل فيها أشخاص حقيقيون لم يكونوا يعلمون أنه مشهد سينمائي، واكتمل تصوير اللقطة واتضح بعد ذلك أن "زكى" أثناء اندماجه ضرب أحد أفراد الشرطة الذين يرتدون زياً مدنياً، لتصبح أزمة مع وزارة الداخلية تم حلها بصعوبة. -العمل أولاً كان ينتحر بالعمل، المرض يأكل فى قلبه، وكان يعمل ومستمرًا فى عمله، بين المشهد والآخر يذهب لغرفة بعيدة وينام على ظهره ليستريح قليلاً ثم يعود، كان يعمل 18 ساعة، يريد أن يثبت للجميع أن مرضه لم يؤثر على قدرته، متخوفاً من زهد المنتجين فيه، لأنه معرض للموت بسبب قلبه. وينقل "شيمى" فى آخر السطور الكتاب ما قاله الكاتب الكبير نجيب محفوظ عنه: "فجعت حين علمت بخبر وفاة المخرج عاطف الطيب.. لم أقابله قط ولكن كنت أكن له إعجاباً شديداً.. اكتشفت عاطف من خلال فيلم (الحب فوق هضبة الهرم)، واستشعرت فيه عبقرية واعدة، فهذا الفيلم شكل سينمائي متميز وعلامة مهمة فى تطورها.. ومخرجه رغم صغر سنه إلا أنه عميداً للخط الواقعي الحديث".