خمسة ملايين دولار كافية لتهديد رأس الملك الأشهر والأصغر عالميًا، توت عنخ أمون، والتي يزيد عمرها عن 3 آلاف عام، وتعتزم دار «كريستيز» للمزادات في لندن، طرحها للبيع في مزاد علني 4 يوليو المقبل. وصرحت صالة «كريستيز» للمزادات في لندن الأسبوع الماضي، أنها تعتزم بيع رأس بُني منحوت من حجر الكوارتزيت يجسد رأس الملك الفرعوني الأشهر على الإطلاق، توت عنخ آمون، في الرابع من يوليو المقبل، وأنها تتوقع أن تجني ثمنًا باهظًا من بيعه. وأثارت تصريحات «كريستيز» جدلًا في الأوساط المصرية، وطالبت الخارجية المصرية، الاثنين الماضي، الدار بتوفير سند يدل على أن الأثر خرج من مصر بالطرق القانونية المشروعة، كما طالبت الخارجية البريطانية بوقف عملية البيع، فيما قالت وزارة الآثار في بيان لها أنه في حال خرج هذا الأثر بطريقة غير رسمية ستتخذ الإجراءات اللازمة بالرجوع إلى الانتربول الدولي لاستعادته. وفي محاولة منها للتحايل على الاتفاقيات الدولية لاستعادة الآثار المنهوبة التي وقعت عليها مصر في العام 1970 ادعت دار كريستيز للمزادات، أن التسلسل التاريخي لحيازة التمثال ووجوده خارج مصر يرجع إلى ستينات القرن الماضي أي قبل توقيع مصر على اتفاقية اليونيسكو لاستعادة الآثار في العام 1970. رأس توت عنخ آمون وقطع أخرى لدى كريستيز وأشار المتحدث باسم دار كريستيز أنها حصلت على رأس توت عنخ آمون، برفقة تابوت فرعوني خشبي وقطعة مصرية قديمة أخرى لم تحدد هويتها، من تاجر الآثار الألماني، هاينز هيرزر عام 1985، مضيفًة: "الأشياء القديمة بطبيعتها لا يمكن تتبعها عبر آلاف السنين، لذلك من المهم إقامة ملكية حديثة لها وحق قانوني في بيعها، وهو ما فعلته الدار"، بحسب تصريحاته التي نقلتها صحيفة الجارديان البريطانية. كما ادعت قائمة المزاد المعلنة رسميًا أن التسلسل التاريخي لوجود هذه القطعة الأثرية خارج مصر بدأ من ستينات القرن الماضي، وأن هذه القطعة وقطعة وأخرى وتابوت خشبي مرصع بالذهب حصلت عليهم الدار كانوا جزءًا من مقتنيات أمير أوروبي يدعي فيلهلم فون ثور أوند تاكسي، منذ ستينيات القرن الماضي، ثم انتقلت إلى سلسلة من تجار الآثار النمساويين والألمان، وبناءً على ذلك اقتنتها الدار في العام 1985. سابقة بيع للدار ذاتها وتقنن بريطانيا بيع الآثار كما كان ذلك مقننًا في مصر حتى العام 1983، وفي أبريل أقر البرلمان تعديلًا جديدًا، لذا سبق لدار «كريستيز» وأن باعت تمثال ينسب إلى الإله الفرعوني «سخم كا» الذي يزيد عمره عن 4 آلاف عام مقابل 14 مليون جنيه استرليني، بعدما تمكنت من شرائه من تاجر آثار باعه له متحف «تورثامبتون» البريطاني إثر تعرضه لضائقة مالية في يوليو عام 2015، فيما فشلت محاولات الخارجية والآثار في استرداده آنذاك. معوقات استرداد القطعة المنهوبة أما فرص استرداد القطعة فهي متوقفة على عوامل عديدة، أبرزها سرعة تحرك الجهات المعنية في مصر قبل بيع التمثال في الموعد المقرر في 4 يوليو المقبل، لأنه يستحيل عودته بعد هذا الموعد، بحسب تصريحات عضو لجنة الآثار والثقافة بالبرلمان أسامة شرشر. وقال ل«الشروق»، إن عودة رأس توت عنخ آمون متوقفة على تقديم مصر مستند يدل على أن هذا الآثر مسجل في سجلاتها الرسمية، بموجب الشرط الوارد باتفاقية اليونيسكو لاستعادة الآثار، أو سرعة التحرك لاستعادته قبل الموعد المزمع للمزاد. وتقدم شرشر، اليوم الثلاثاء، إلى رئيس مجل النواب، الدكتور علي عبدالعال، بطلب إحاطة بخصوص استعادة رأس توت عنخ آمون المعروضة للبيع في لندن. وأضاف في تصريحاته، أنه طالب بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الآثر على وجه السرعة، قبل طرحه للبيع في لندن المزمع في 4 يوليو المقبل، خاصة بعدما تناقلت الصحف الأوروبية تصريحات لمسؤولين بدار«كريستيز» أنه ليس لديهم مانع لإعادته في حال تقدمت السلطات المصرية بما يثبت أن هذا الأثر مسجل في سجلاتها الرسمية، وأنه خرج من مصر بطريقة غير شرعية. كما طالب المجلس الأعلى للآثار بضرورة تشكيل لجنة لإدارة الأزمة، وبحث سبل التفاوض على عودة التمثال المذكور في حال عدم قيده في سجلاتها كأثر، وعدم خروجه بطرق غير شرعية، لأنه أحد ممتلكات الشعب المصري، مضيفًا أنه طالب رئيس مجلس النواب، في الجلسة العامة المنعقدة، اليوم، بعقد اجتماع طارئ للجنة الثقافة والآثار والإعلام واستدعاء وزير الآثار، الدكتور خالد العناني، ومندوب عن الخارجية المصرية، ومطالبتهم بتشكيل فريق لإدارة الأزمة على وجه السرعة، والوصول إلى حل فوري قبل الموعد المزمع للمزاد. وطالب شرشر، بإيقاف مسلسل ضياع الآثار المصرية جراء الإهمال، بل وضرورة حمايتها بموجب المادة 134 من الدستور المصري، والمادة 212 من اللائحة الداخلية لمجلس. فيما قال ممدوح مقلد، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، أن اللجنة غير مختصة باستعادة الآثار، وأن هذا الشأن يدخل في اختصاصات لجنة الثقافة والآثار. من جانبه، أشاد نادر مصطفى، عضو لجنة الثقافة والآثار بالبرلمان، بالجهود الحكومية لاستعادة الآثار، مشيرًا إلى ضروروة اكتفاء اللجنة بمتابعة جهود وزارتي الخارجية والآثار عن كثب بشأن استعادة رأس توت عنخ آمون، مضيفًا أنه يثق في جهودهما وأن لمصر سجل حافل في استرداد آثارها. وجدير بالذكرأن أن اتفاقية اليونسكو التي وقعت عليها مصر في العام 1970 تتيح استعادة الآثار، إلا أن البندين "7 أ" و"7 ب" يشترطان تقديم مصر سند ملكية للآثار شرطًا لإعادتها، لكن بيان الخارجية المصرية نقل عن شعبان عبد الجواد، المشرف العام على إدارة الآثار المستردة، قوله إن رأس التمثال ليس من مفقودات متاحف أو مخازن وزارة الآثار، وأنه "إذا ثبت خروجها بشكل غير شرعي سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية مع الانتربول الدولي، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية، من أجل استردادها". ويذكر أن مصر استطاعت استعادة 1100 قطعة أثرية خلال عامي 2016 و2017 من 20 دولة، كان بعضها عبر تحريك قضايا دولية و البعض الآخر بالتفاوض.