رغم قتامة المشهد فى الأسابيع الأخيرة بالنسبة للأسواق الناشئة، فإن نير كاسر، فى مقال بوكالة بلومبرج، يرى أن الأسواق الناشئة ستكون الرابح على المدى البعيد من هذه الحرب، بسبب عدة عوامل، منها ارتفاع تقييمات الأسهم الأمريكية، ومضاعف الربحية لأسهمها مقارنة بأسهم الأسواق الناشئة. وقال «كاسر»: إن القلق ينتاب المستثمرين من تزايد وطيس الحرب التجارية بين أمريكاوالصين، ويتحركون باتجاه الهروب من الأسواق الناشئة، لكن ما يرونه من مخاطر، ربما يكون ملاذا، «ليس من قبيل المصادفة أن تشعر الدول النامية بالقلق من الوضع فى الصين، فعديد من المستثمرين يضعون استثمارات فى الصين، التى تمنحهم ميزات عديدة رغم المخاطر، وتتنوع استثماراتهم بين الصناديق المشتركة وصناديق المؤشرات، كما أن الصين تحتل المرتبة الثالثة من ناحية حصتها السوقية على مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة» . وتابع «كاسر»، «هبطت أسهم الأسواق الناشئة منذ أن أطلق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أول تهديداته بزيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية مطلع شهر مايو، وهبط مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة بنسبة 8.2% مقارنة بنسبة 3,6% فقط لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ 5 مايو حتى 23 مايو، كما أن المستثمرين حذرون بالفعل حيال الأسواق الناشئة، فخلال السنوات الخمس الماضية، استثمروا بمبالغ تزيد 10 أضعاف فى صناديق المؤشرات الموجودة فى أمريكا مقارنة بتلك التى تستثمر فى الأسواق الناشئة». ووفقا ل«كاسر»، فلا أحد ينكر أن الأسواق الناشئة كانت مخيبة للآمال السنوات الأخيرة، حيث كان من المفترض أن تساعد على تنويع محافظ المستثمرين الأمريكيين حينما تواجه تلك السوق صعوبات، لكن تبدو الأسواق الناشئة والأمريكية فى اتجاه مترابط بشكل متزايد منذ عام 1988، وهو العام الأول للكشف عن أداء الأسواق الناشئة، وزاد معدل الترابط بين مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر الأسواق الناشئة فى 10 سنوات إلى 0.74 فى إبريل الماضى من 0.41 فى ديسمبر عام 1997. وكان هناك دورتان من الهبوط فى أمريكا منذ 1988، وهبطت معها الأسواق الناشئة فى نفس الوقت؛ حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 44% منذ إبريل عام 2000 حتى سبتمبر عام 2002، شاملة توزيعات الأرباح، وفى نفس الوقت هبط مؤشر الأسواق الناشئة 43%، وفى الدورة الثانية انخفض المؤشر الأمريكى بنسبة 51% بين نوفمبر 2007 حتى فبراير 2009، والثانى خسر نحو 61%. والاقتصادات النامية أيضا أقل استقرارا من أمريكا، لذلك يتوقع المستثمرون ربحا أكبر، بسبب خوض هذه الحالة المتذبذبة، لكن مؤشر ستاندرد آند بورز فاق مؤشر الأسواق الناشئة بنحو 7.6 نقطة مئوية فى العام خلال آخر 10 سنوات، ومحت أرباح 3 عقود، وكلا المؤشرين يحقق أرباحا بنسبة 10.7% سنويا منذ عام 1988. لكن يوجد أسباب قوية تدفع للاعتقاد بأن أداء الأسواق الناشئة سيكون أفضل من الأمريكية فى دورة الانخفاض القادمة، أولها يرجع إلى أن الأسهم الأمريكية تعتبر الأغلى والأعلى سعرا فى العالم، كما أن مؤشراتها تسيطر عليها أسهم التكنولوجيا، حيث تمثل اكثر من 21% من مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وشدد «كاسر» على أن النزاع التجارى الطويل، يمثل مشكلة لقطاع التكنولوجيا، فقد كانت نسبة 57% من مبيعاتها الحادة من خارج البلاد، وبالنسبة ل«ستاندرد آند بورز» أكثر من أى قطاع آخر، «بأى معيار قياس، تعتبر أسهم التكنولوجيا أول أو ثانى قطاع الأكبر سعرا فى مؤشر ستاندرد اند بورز، والمبيعات الحادة من الخارج ستؤثر سلبا على تقييماتها المرتفعة، كما أن تراجع إيراداتها ستخفض بالضرورة أسعار أسهمها». وقاد مؤشر أسهم التكنولوجيا «ناسداك» انخفاض السوق منذ 5 مايو الماضى، وتراجع 5.7% مقارنة ب3.6%، وهذه ليست المرة الأولى، حيث انخفض ناسداك بنسبة 23% منذ بداية تلك الحرب فى أكتوبر العام الماضى مقابل 19% لستاندرد اند بورز. وبالنسبة للاسواق الناشئة، فهى بعيدة عن الخسائر، لأنها بالفعل انخفضت بشدة، وتعتبر أسعار أسهم أمريكا أكبر بمقدار الضعف من الناشئة، وبمعيار مفضل لدى الكاتب، فإن متوسط مضاعف الربحية فى الأسواق الناشة خلال 10 سنوات بلغ 14 مرة، فى حين تصل لأسهم ستاندرد آند بورز إلى 29 مرة. وفى دورتى الانخفاض السابقتين، وعندما كان التذبذب الشديد سمة كل الأسواق فى العالم، وفى 2007 كان مضاعف ربحية ستاندرد آند بورز 29 مقابل 33 للأسواق الناشئة، ووصل المضاعف فى ستاندرد اند بورز إلى مستوى ضخم فى 1999 وبلغ نحو 48 مرة، ولم يكن أداء الأسواق الناشئة متاحا حينها، لذلك قد لا يكون أمام المستثمرين أماكن للاختباء فيها فى فترات الركود القادمة. وقال الكاتب «لذلك فإن التوقعات على الأجل البعيد تذهب لصالح الأسواق الناشئة، لأن قيادة أرباح الاسهم فى المستقبل سيكون من نصيبها، أيضا نمو المكاسب وتوزيعات الأرباح للشركات والسندات، كل هذه العوامل ستدفع لعوائد أكبر من الاسواق الناشئة مقارنة بأمريكا.. وتتمتع الدول النامية بمعدلات نمو أسرع مما سينعكس على أداء شركاتها». ويختم «لأن أسعار الأسهم فى الأسواق الناشئة أرخص من أمريكا سيكون هناك مجال أكبر للتوسع فى تقييمها، وكلما تعمق النزاع التجارى بين أمريكاوالصين، فلا تندهشوا عندما تجدوا الأسواق الناشئة أكبر الرابحين».