ينتشر بين الناس الحلف بأشياء مختلفة والحلف بأيمان فيها المشروع وغير المشروع، وأصبح الناس يختلفون بشأن اليمين فمنهم من يحلف بالنبى أو الولى، ومنهم من يحلف بكتاب الله وبيت الله، والحلف بالطلاق، وأيمان المسلمين، وما إلى ذلك مما أصبح عادة عند الناس، ولا يعرف الناس هل هى أيمان شرعية تنعقد وتجب الكفارة بها على الحالف إذا حنث فى يمينه؟ وأصبح الرجل يحلف ويكثر الحلف ولا يهمه من حلفه سوى أن يبرئ نفسه أو يحمل الناس على تصديقه، ولا يهتم أكان صادقا أم كاذبا فى يمينه، أو هل يغضب الله بيمينه أم يرضيه، ولا يعرف أيُكفر عن يمينه أم لا يُكفر، ويوجد آخر يحلف بالله وبغير الله وأعتقد أن الحلف بغير الله مثل الحلف بالله بل قد يفوق خوفه الضريح أو الولى خوفه من الله، ويعظم فى نفسه طلاق امرأته أكثر مما يعظم الله فى نفسه، وتجده يمتنع عن اليمين بالنبى أو الولى أو الطلاق ويقبل مسرعا على اليمين بالله غير مكترث بعظمته ولا خائف من غضبه. جرت عادة الإنسان أن يؤكد عزيمته فيما يريد من أفعال أو صدقه فيما يلقى من أخبار بالحلف بما يعظم فى نفسه، وقد كان أهل الجاهلية يحلفون بالأصنام التى كانوا يعبدونها من دون الله، وبالآباء الذين كانوا يتمسكون بعبادتهم دون شرع الله، فلما جاء الإسلام ومهمته الأولى الدعوة إلى التوحيد الخالص، وترك الوثنية فى جميع صورها، وبين لهم السلطان الذى يرهب، والتشريع الذى يجب ان يحترم، والسطوة التى تخشى إنما كل أولئك لله وحده لا يشاركه فيها أحد من خلقه، فنهى الإسلام عن الحلف بغير الله وقرر لليمين أصولا عامة يجب اتباعها، ولا يصح التحول عنها، ولا التصرف فيها. وأول تلك الأصول: تحريم الحلف بغير الله، وقد جاء فيه قوله ﷺ: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت»، وأن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال: لا تحلفوا بغير الله، فإنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»، ومن هذا الأصل كان الحلف بغير الله أيا كان ذلك الغير إثما يستوجب المقت والغضب، ويستحق صاحبه الإعتذار والتأدب، وهو بعد ذلك لا ينعقد ولا ينفع الحنث فيه إطعام ولا صوم، وإنما يعرض صاحبه للكفر بالله، وبشرع الله، وليس له كفارة سوى التوبة والإستغفار. والحلف بغير الله على عمومه يتناول الحلف بالنبى والكعبة، والمصحف، ويتناول الحلف بالولى والضريح. ومن هذا الأصل كان الحلف بالطلاق منكرا من القول ولم يشرعه الله، فلا يقع به الطلاق. أما الأصل الثانى: فهو أن الأيمان إنما شرعت لإثبات حق أو دفع باطل، فيجب أن تقدر بقدرها،و ألا يهرع إليها فى كل ما عظم أو حقر، كما يجب ألا يتخذ وسيلة لمنع خير أو سلب حق أو ترويج سلعة كاسدة، أو أخبار كاذبة. وليس من شك فى أن كثرة الأيمان واشتهار الإنسان بها يضعف ثقة الناس فيه بعد أن تضعف ثقته فى نفسه، وهنا لم يبق له شىء من كرامة المؤمن. أما الأصل الثالث: فهو أنه متى كانت اليمين شرعية وكانت صادرة عن قصد وروية وعقدة قلب، وفات على الحالف فعل المحلوف عليه فإن الله قد رحم عباده وشرع لهم ما يكفر ذنب الحنث فى اليمين. والكفارة هى إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، والإطعام هو ما يشبع والكسوة هى ما يستر البدن، ومرجع ذلك إلى العرف، فإذا عجز الحالف عن أحدهما إنتقال إلى صوم ثلاثة أيام، ويكفى صومها متفرقة ولو يوما كل أسبوع، والأفضل أن تكون متصلة ليكون أثره فى تهذيب النفس أقوى. ومن هذا الأصل يتبين أن الأيمان التى تجرى على اللسان وليست صادرة من القلب كقول الرجل لأخيه :لا والله لا وقوع فيها ولا تكفير، إذ هى من لغو اليمين الذى لا يؤخذ الله به.