سعيد يبيع محله ويعود ليستأجره لتجهيز «الدكتورة».. وأمينة تبيع مصوغاتها.. وسونيا «عاملة النظافة» تقترض لأثاث ابنتها عادات وتقاليد متوارثة واعتبارات للتباهى، باتت تفرض أعباء كثيرة على الأسر المصرية فى احتياجات الزواج، خاصة على الفتيات، بدءا من الإسراف فى الأثاث، فضلا عن التجهيزات والتكاليف الأخرى، حتى بين الأوساط الفقيرة ومحدودى الدخل، التى صارت تتحمل فوق طاقتها، تفاديا لأحاديث النميمة والمعايرة بين قريناتهن. «الشروق» رصدت معاناة مجموعة من الأسر فى محافظة الإسكندرية، مع رحلة تكاليف الزواج، على الرغم من ضيق ذات اليد، لنجد منهم من استدان مقابل التوقيع على إيصالات أمانة وبات مهددا بالسجن، ومنهم من باع أرضه وكل ما يملك لتزويج ابنته بتكلفة توازى وتزيد أحيانا عن فتيات المنطقة، وأمهات بعن كل ما يمتلكن من مصوغات لشراء أغلى أثاث لتجهيز بناتهن. سونيا محمود، أم معيلة ل3 بنات، من قرية أبيس 8، كان زوجها يعمل فى محل نجارة، لكنه أصيب بمرض أقعده طريح الفراش، لتجد نفسها وأسرتها دون سند يتحمل عنهم أعباء الحياة، فتضطر للعمل فى النظافة بإحدى المدارس لتسيير مركب الحياة، وإعانة بناتها وزوجها القعيد. تحملت سونيا مشاق الحياة حتى تحقق أمنيتها الأكبر بتزويج ابنتها الكبرى، الحاصة على شهادة دبلوم التمريض، وكانت فرحتها لا توصف يوم خطبتها على ابن عمها، إلا أن هذه الفرحة شابها الكثير من التضحيات لتخرج فى صورتها المبهجة أمام الأهل والجيران والأصدقاء. تابعت سونيا الحديث عن رحلتها مع تجهيز ابنتها حتى تصل إلى بيت الزوجية، قائلة: «عملت المستحيل من أجل أن تحصل على أفضل أثاث فى المنطقة، فحصلت على قرض صغير من جمعية تابعة للقرية، بعد أن اضطرت لإحضار ضامن، مع التزامها بدفع قسط شهرى 500 جنيه، وأنفقت القرض كاملا على شراء الأثاث من دمياط، وكان عبارة عن حجرتين، فضلا عن الثلاجة والغسالة، بينما تكفل العريس بالأجهزة الباقية. وأضافت: «كان من الممكن أن أشترى أثاثا أقل فى الثمن أو العمولة مما جلبناه بالفعل، كما اقترح زوجى، دون الحاجة إلى الحصول على قرض مرهق يضغط على الأسرة بأكملها كل شهر، لكننى لم أكن لأرضى أن تتزوج ابنتى بأقل ما تزوجت به بنات عمها، فهذا تقليد لدينا فى العائلة، وسنظل نمارسه بصرف النظر عن الأعباء التى نتضرر منها بسببه». الطبيب زميل ابنة الحاج سعيد عبدالعال، الذى يقطن قرية أبيسات السابعة بحى شرق، تقدم لخطبتها، فوافق الأب عليه لأصوله الطيبة، و كان من الممكن أن يمر الزواج بأبسط التكاليف، بالتعاون مع أهل العريس، الذين أبدوا رغبتهم منذ البداية فى تقاسم التكاليف. لكن سعيد التزم بالنصف الذى يخصه، وأضاف عليه نصفا آخر لتزويج ابنته «الدكتورة» بأفضل «شوار»، فاشترى حجرة وأنتريه إضافيين، بجانب الحجرتين الملتزم بهما أمام العريس، وفى مقابل ذلك باع محله واستأجره من مالكه الجديد، ليواصل مسيرة الإنفاق على أسرته، قائلا: «كله فدا الدكتورة». وبين الرغبة فى التباهى بين أفراد العائلة والرغبة فى أن يكون حفل الزواج فى مكان راق، باعت الحاجة أمينة سعيد، من عزبة محسن فى حى شرق، مصوغاتها بالكامل من أجل أن ترى ابنتها أحلى عروسة، ويحضر الجميع زفافها فى أفضل مكان. وتحكى أمينة، المديرة على المعاش فى مدرسة ثانوية، قصتها مع مشوار زواج ابنتها، قائلة إنها ورثت المصوغات عن والدتها، ولم تتزين بهم مطلقا، بل حفظتها من أجل أن يأتى يوم زواج ابنتها الوحيدة لتنفعها به فى حياتها المقبلة، فباعتها لدفع تكاليف حفل الزفاف بالكامل، ولم تحمل عريس ابنتها أى أعباء. وتابعت: «التباهى فى الأفراح بات عادة وتقليدا بين العائلة والجيران منذ سنوات طويلة، فبات الجميع يتفاخر بالمغالاة فى التكاليف والتجهيز وقاعة وفستان الفرح».